الجلابة والقفطان.. تراث أصيل يزدهر في رمضان المغرب

استمع إلى الملخص
- دور النساء في الحفاظ على التراث: تحرص النساء المغربيات على تصميم الجلابيب والقفاطين بلمسات عصرية تناسب مختلف الأعمار. تفضل الشابات الألوان الزاهية، بينما تميل الأكبر سناً إلى الألوان الهادئة.
- اللباس التقليدي كهوية ثقافية: يعكس اللباس التقليدي الهوية الثقافية للمغاربة، متجاوزًا الفوارق الطبقية والدينية، ويظل جزءًا من الذاكرة الثقافية. تطور الجلباب ليصبح زيًا مشتركًا بين الجنسين.
تعود الملابس التقليدية في المغرب إلى التوهج خلال شهر رمضان، في مشهد ينبض بالحياة في المساجد والزيارات العائلية والإفطارات، ما يعكس روح الأصالة والاعتزاز بالهوية.
يُقبل حميد على محل للأزياء التقليدية في أحد أسواق الدار البيضاء، متأملاً واجهته التي تزدان بجلابيب وسلهامات وجبادورات بألوان زاهية، تعكس أصالة تراث المغرب. يقدّم له البائع تصاميم متنوعة، فينتقي جلابة من ثوب "المليفة" مع سلهام أنيق، يبتسم وهو يختبر ملمس القماش: "أفضل المليفة لدفئه وملاءمته للأجواء الباردة، كما أنني أحرص على ارتداء الجلابة في رمضان، فهي عملية سواء أثناء الصلوات أو في الزيارات العائلية ودعوات الإفطار".
حميد (41 عاماً)، مثل كثير من المغاربة، يفضّل اقتناء الملابس التقليدية الجاهزة، نظراً إلى التزاماته اليومية، ويؤكد: "الزي المغربي ليس مجرد لباس، بل هوية وتاريخ متجذر في ثقافتنا، بالإضافة إلى أنه يجمع بين الراحة والأناقة". تنتعش في رمضان أسواق الملابس التقليدية مدفوعة بزيادة عدد الزبائن، ويكثر الإقبال على محلات الخياطة، حيث يسطع نجم "الخيّاط" صاحب الأنامل الذهبية حتى حلول عيد الفطر. كما يحرص التجّار على تقديم تشكيلات متنوعة، سواء من حيث الأقمشة الفاخرة أو التطريزات اليدوية المتقنة التي تزين الجلابة والقفطان والجبادور والسلهام والكندورة.
يقول سعيد الراجي، وهو خياط تقليدي، إن الطلب على اللباس المغربي يزداد خلال المناسبات الدينية، خاصة في شهر رمضان، حيث يُقبل عليه الكبار والصغار. ويضيف لـ"العربي الجديد": "تختلف الأسعار بحسب جودة القماش ونوعية التطريز، وقد يصل ثمن الجلابة المطرزة يدوياً إلى آلاف الدراهم، وفقاً لدقّة الصنعة والخامات المستخدمة". كما يشير إلى التحديات التي تواجه "المعلمين": "نحاول الحفاظ على هذا التراث، لكن المنافسة مع الملابس الجاهزة في تزايد. ومع ذلك، فإن رمضان يظلّ فرصة لإنعاش هذه الحرفة وإبراز جماليتها".
نساء المغرب وصيحات الموضة
وتحرص النساء في المغرب أيضاً على تصميم واقتناء الجلابة والقفطان والكيمونو، وفق أحدث صيحات الموضة، لارتدائها في المناسبات الدينية والعائلية والسهرات الرمضانية. في السياق توضح أسماء محو، مصممة الأزياء التي ورثت عن والدها شغف المهنة، أن المغاربة لا يزالون متمسكين بقوة بالزي التقليدي، وهو ما يتجلى بوضوح في إصرارهم على ارتدائه خاصة في المناسبات الدينية الكبرى مثل شهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى، والمولد النبوي.
وتضيف محو: "من أبرز تحضيرات المغاربة لشهر رمضان، اقتناء الألبسة التقليدية الجاهزة من المحلات أو تفصيلها بما يلائم الذوق الشخصي لكل فرد، حيث يبدأ الأمر باختيار الثوب المناسب، ثم تفصيله وتجهيزه بالتفاصيل المطلوبة مثل "العقاد" و"السفيفة"، التي تضيف لمسات جمالية تجعل القطعة ساحرة في النهاية" وتتابع: "يلاحظ بالنسبة للنساء إقبال كبير على ثوب المليفة بأنواعه المختلفة مثل الكاشمير والأميرة، بالإضافة إلى ثوب الموبرة أو "قاطيفة"، كما يزداد الطلب على ثوبي "شانيل" و"الكمخة"، بالإضافة إلى أنواع أخرى مثل ثوب الكريب المعروف".
وتشير محو إلى اختلاف التصاميم بحسب الفئات العمرية، حيث تفضل الشابات إضافة لمسات عصرية على الألبسة التقليدية مثل الجلابة والقفطان، بينما تميل النساء الأكبر سناً إلى اختيار الجلابات ذات الفصالة المخزنية التي تعيد إحياء روح الماضي. كما يلاحظ أيضاً تنوع الألوان؛ فالشابات يفضلن الألوان الزاهية والمشرقة، في حين تميل النساء الأكبر سناً إلى الألوان الهادئة".
وتعتبر المتحدثة أن القفطان المغربي شهد تجديدات ملحوظة سواء في الفِصالة أو التصاميم والزخارف، مثل "زواق المعلم"، بالإضافة إلى التطريزات المتنوعة التي ساعدت على بقاء القفطان المغربي في صدارة الموضة، مما أكسبه شهرة واسعة داخل الوطن وخارجه. أما في ما يخص الكيمونو والجابدور، فتبرز أنهما أصبحا من القطع المفضلة، حيث يجمعان بين الأصالة والحداثة، ويعتبران نسخة مصغرة من القفطان المغربي".
وتستدرك قائلة: "كما أن العباءة أصبحت حاضرة بقوة خلال شهر رمضان، حيث تفضلها النساء لكونها عملية وعصرية. هناك أيضاً العباءات المخصصة للصلاة وأخرى للزيارات العائلية". أما في ما يخص الرجال، فتشير محو إلى الإقبال المستمر على الجلابة والكندورة والجبادور، وعلى أثواب كالسوسدي والمليفة، التي تظل الخيار المفضل للكثيرين".
ومثلما يتمسك المغاربة في الداخل بهذه الأزياء، تواصل الجالية المغربية المقيمة في الخارج الحفاظَ على هذه العادات، معتبرة أن اللباس التقليدي جزء من هويتهم التي لا تفارقهم حتى في المهجر. يقول عبد الرزاق المناني، المقيم في مدينة بوردو الفرنسية: "اللباس التقليدي جزء أساسي من انتمائنا. أحرص على ارتداء الجلابة خلال الصلوات والزيارات العائلية، فهي تمنحني إحساساً بالهوية والانتماء، خاصة في بلد بعيد عن وطني".
مميزات اللباس المغربي
من جهته، يؤكد الباحث في التاريخ والحضارة المغربية، هشام الأحرش، لـ"العربي الجديد"، أن اللباس يعكس هوية الشعوب تماماً كما يفعل الطعام، ولذلك يقال إن لهما أجنحة، حيث يحملهما الإنسان معه أينما حل وارتحل، ليظل جزءاً من ذاكرته الثقافية وانتمائه الحضاري.
وعند الحديث عن خصوصية الزي التقليدي المغربي، يوضح الأحرش أنه ليس لباساً كرنفالياً أو دينياً أو طبقياً كما هو الحال في بعض البلدان، بل يتميز بكونه يتجاوز الفوارق الطبقية والانتماءات الدينية، إذ يرتديه الجميع بمختلف مواقعهم الاجتماعية. ويشير إلى علاقة التأثير والتأثر في تطور اللباس، إذ انتقل الجلباب من المجتمع إلى القصر، بينما خرج القفطان من القصر ليصبح لباساً شائعاً بين المغاربة. ولطالما أولى المغاربة أهمية كبرى لأزيائهم، حيث يرتدون أفضل ما لديهم، ما يعكس انتماءهم الحضاري وهويتهم الثقافية.
ويستشهد الأحرش بمسار تطور الجلباب المغربي عبر السنين، حيث انتقل من كونه لباساً مخصصاً للرجال إلى زي مشترك بين الجنسين. كما شهد هذا الزي تحولات في تصميمه، إذ كان في بداياته واسعاً وفضفاضاً لدى الرجال، قبل أن يصبح أكثر انسيابية وتناسقاً مع شكل الجسم. ومع مرور الوقت، تطورت أساليب تفصيله وخياطته، وأصبح حاضراً بقوة في مختلف المناسبات، مما يعكس ديناميته وقدرته على التكيف مع التحولات الاجتماعية والثقافية.