استمع إلى الملخص
- انخفضت نسبة امتلاء السدود إلى 27% في يناير، مما أثر على التوازن البيئي المائي والكائنات المائية بسبب قلة المياه.
- يعمل المركز الفني لتربية الأحياء المائية على استزراع الأسماك لتعزيز التنوع البيولوجي، لكن الجفاف يعيق الجهود، مما يهدد التنوع البيولوجي، والمنظمات البيئية تدعو لاتخاذ إجراءات لحماية المنظومات البيئية.
تعوّد عمران بن فرج، من محافظة جندوبة التونسية (شمال غرب)، على صيد الأسماك من الأودية والبحيرات، وخاصة من "واد كساب" الواقع بين محافظتي جندوبة وباجة، نظراً لاحتوائه على عدّة أنواع من الأسماك مثل البوري والكارب والبلطي، وهي أسماك تعيش في المياه العذبة. لكنه لم يعد قادراً على فعل ذلك بسبب الجفاف الذي تعاني منه أغلب المناطق، خصوصاً الداخلية، وجفاف مياه العديد من الأودية.
تخلى بن فرح عن هواية الصيد بسبب نفوق الأسماك أو نقصها في معظم البحيرات والأودية. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "أغلب الأودية والبحيرات بمحافظات الشمال التي كانت توجد فيها عدّة أنواع من الأسماك تعرّضت للجفاف. كان أغلب شباب تلك المناطق يصطادون الأسماك باستمرار، لكن العديد من الأودية والبحيرات اختفت".
وكانت تلك البحيرات متنفساً لشباب المناطق الداخلية لممارسة هواية الصيد، وفي الوقت نفسه توفير بعض الأسماك لسكان الجهات القريبة. لكنّ الجفاف الذي شهدته تونس خلال السنوات الأخيرة أدّى إلى اختفاء العديد من تلك الأودية والبحيرات.
يقول عبد المنعم الطرابلسي، من منطقة تستور بمحافظة باجة، إنّ "العديد من بحيرات المحافظة كانت غنية بالأسماك التي يجري استزراعها سنوياً، وكان الشباب في أغلب المناطق يمارسون الصيد من المياه العذبة بالطرق البسيطة، خاصة في البحيرة الجبلية بتيبار والبحيرة الجبلية بطبابة، حيث لا يستعملون الشباك، بل بعض القوارب الصغيرة والسنارة. منذ سنة 2016، شهدت تلك البحيرات نفوق العديد من الأسماك، ما تطلب تدخل خبراء الأحياء المائية، ليكتشفوا أنّ نقص المياه وتكاثر الطحالب أديا إلى نفوق أغلب الأسماك. لا يوجد حالياً أي أسماك في تلك البحيرات، رغم أنّ بعض السكان يقبلون على الصيد".
وتعاني تونس من موجة جفاف خطيرة أدت إلى نقص المياه في السدود، إذ لم تتجاوز نسبة امتلاء السدود في مطلع يناير/ كانون الثاني الحالي 27%، رغم تسجيل نسبة تساقطات مطرية مهمة خلال الأشهر الأخيرة في عدّة مناطق.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أكد المعهد الوطني للرصد (حكومي)، أنّ كميات الأمطار التي شهدتها مناطق جنوبي البلاد وشرقها فاقت المستويات المعتادة، لكن نسبة امتلاء السدود لم تبلغ 20%، وهي الأرقام ذاتها التي نشرتها الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية التابعة لوزارة الزراعة.
وعادة ما يجري تنفيس مياه السدود في الأودية والبحيرات حال ارتفاع منسوبها، ما يساهم في إمدادها بالمياه العذبة على مدار العام. لكنّ الجفاف ونقص مياه السدود ساهما في اختفاء العديد من الأودية والبحيرات، وأديا إلى نفوق الكائنات المائية، وعلى رأسها أنواع الأسماك التي كان يجري استزراعها من قبل المركز الفني لتربية الأحياء المائية، على غرار يرقات الكارب الصيني، خلال شهر يوليو/ تموز، و"الكارب" الفضي، و"الكارب" كبير الرأس خلال شهر يونيو/ حزيران من كل سنة.
وتساعد أسماك الكارب على تنقية المياه، باعتبارها تتغذى على الطحالب والكائنات المجهرية والأعشاب المائية، ليساعد وجودها على توازن المنظومة البيئية الهشة بالمسطحات المائية. ويعمل المركز الفني لتربية الأحياء المائية سنوياً منذ 2009، على استزراع صغار أسماك البوري بالسدود والبحيرات، بعد جمعها من شواطئ وأودية خليج تونس وخليج قابس، لتنمو في مسطحات المياه العذبة، لكنها تعجز عن التكاثر لانخفاض الملوحة، لذا تتكرر عمليات الاستزراع لضمان المردودية.
ولصيد الأسماك بالمياه العذبة يُمكن لأي شخص الحصول على ترخيص من دائرة الصيد البحري التي يتبع لها السد، وذلك بعد تقديم طلب مرفوق بشهادة كفاءة مهنية، مع الإدلاء بتقارير شهرية مفصلة حول كمّيات الصيد والأصناف إلى الدائرة الجهوية للصيد البحري.
وحسب خبراء في البيئة، تُعتبر المنظومة الإيكولوجية المائية لبحيرات السدود حساسة لبطء نسق تجدد المياه بها، باعتبارها شبه مغلقة، وبالتالي فإنّ أي تغيير يطرأ على أحد مكوناتها يؤثر بكل المكونات الأخرى، وخاصة عند ارتفاع درجات الحرارة، أو قلّة نزول الأمطار.
وعانت العديد من المنظومات البيئية من جفاف الأودية واختفاء البحيرات في العديد من المناطق التونسية، وحذّرت منظمات بيئية من مخاطر ذلك على التنوع البيولوجي، وتهديده الكائنات الحية التي تعيش في المياه العذبة أو المناطق الرطبة.