الجزائر: تقاعد إجباري لأساتذة جامعيين لتوفير وظائف

الجزائر: تقاعد إجباري لأساتذة جامعيين لتوفير وظائف

11 مايو 2022
تحتاج الجامعات الجزائرية إلى ضخّ دماء جديدة (مصعب رؤيبي/ الأناضول)
+ الخط -

أثار قرار وزارة التعليم العالي الجزائرية إحالة أساتذة جامعات بلغوا سن الـ 70 على التقاعد بدءاً من سبتمبر/ أيلول المقبل جدلاً واسعاً في أوساط المؤسسات الجامعية، إذ رأى بعضهم أن القرار يهدر الكفاءات العلمية والأكاديمية، في حين تمسّك آخرون بضرورة أن يحصل الأستاذة الجدد على فرصهم في التأطير الجامعي.
ويشمل القرار 1236 أستاذاً جامعياً تجاوزوا سن الـ 70، بينهم 312 أستاذاً في قطاع الاستشفاء، ما يمثل نسبة 2 في المائة فقط من عدد الأساتذة الجامعيين الـ 64 ألفاً في البلاد، ويهدف إلى توفير مناصب لتوظيف عدد من الحاصلين على الدكتوراه، والذين يتجاوزون 4212.

ويصنف بعضهم القرار بأنه صائب "لأنه يتيح التخلص من أساتذة يشكلون عبئاً ثقيلاً على الجامعات، كونهم يعملون في الحدود الدنيا عبر الإشراف شكلياً على البحوث الجامعية وتولي مناصب إدارية". ويعتبر الأستاذ وليد زياني الذي انضم حديثاً إلى جامعة الشلف غرب العاصمة الجزائرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الجامعات تحتاج إلى ضخّ دماء جديدة في قطاع التكوين الأكاديمي، والقرار يراعي حقيقة دورة الحياة التي تعطي الضوء الأخضر لفتح الجامعات مجالات لتوظيف أساتذة جدد سواء للتدريس في الكليات أو للانضمام إلى مراكز البحوث التابعة للجامعات".

حل غير نهائي
لكن متخرجين كثيرين يحملون شهادات دكتوراه يقللون من قدرة القرار على حل مشاكل قلة فرص التوظيف، بسبب عددهم الكبير مقارنة بما يوفره القرار من مناصب، علماً أن نقاشات أخرى قد تدور حول امتلاك المتخرجين الإمكانات المطلوبة لتعويض الأساتذة المتقاعدين، وتقديم الإضافات العلمية في ظل حاجتهم إلى سنوات لاكتساب الخبرة الأكاديمية والمعرفية.  ويقول الأستاذ في الهندسة عبد الهادي رحماني الذي يشغل منصب أستاذ جامعي مؤقت بنظام الساعات منذ أن تخرّج عام 2017، لـ"العربي الجديد": "من الخطأ اعتبار القرار حلاً نهائياً لآلاف الدكاترة الذين لا يعملون، فغالبيتهم بلغوا سن الـ40 سنة من دون أن يحصلوا على وظائف، كما أن الواقع الجامعي يفيد بأن عشرات الدكاترة الذين يتخرجون سنوياً يتحولون إلى البطالة مباشرة".
ويقود القرار أيضاً إلى مناقشة نوعية الكادر البشري في الجامعات التي لا يمكن أن تتخلّى عن الخبرات بمجرد وصولها إلى سنّ محددة بموجب قرار رسمي، لأنها قد تخسر وتهدر كفاءات لا تزال تحتاج إليها، علماً أنها تشكو أيضاً من نقص كبير في الخبرة والتكوين، وهي مشكلة حقيقية تواجهها تخصصات عدة خاصة تلك في المجالات العلمية. 

الصورة
تشكو الجامعات الجزائرية من نقص كبير في الخبرة والتكوين (مصعب رؤيبي/ الأناضول)
تشكو الجامعات الجزائرية من نقص كبير في الخبرة والتكوين (مصعب رؤيبي/ الأناضول)

ولا يخفى أيضاً أن بعض الأساتذة هم قيمة مضافة حقيقية للجامعات، ويتميزون بالتزام كبير في أداء وظائف التدريس والإشراف والبحث العلمي عبر إنتاج معرفي متعدد على صعيد الشكل والمضمون، ما دفع الكثير من الأكاديميين إلى التعبير عن مخاوفهم التي يزيدها أيضاً واقع أن الجزائر تفتقر إلى مراكز بحوث ومختبرات ومؤسسات بحوث مستقلة أو حكومية يمكن أن تواصل هذه الكفاءات عطاءها العلمي عبرها، وتعجز الحكومات عن توفير أطر وفضاءات أخرى للإفادة من الكفاءات العالية للأساتذة الذي سيحالون على التقاعد رغم أنهم ما زالوا يملكون إمكانات كبيرة في العطاء التعليمي.
وتقول الأستاذة في كلية الهندسة بجامعة قسنطينة للعلوم والتكنولوجيا شرقي الجزائر، سعيدة بن عودة (51 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "غالبية المعنيين بقرار التقاعد الإجباري تخرجوا من جامعات في الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا ومصر وسورية والعراق، ويصنفون بأنهم كفاءات مميزة خصصت لهم الدولة ميزانيات ضخمة بملايين الدولارات خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وأجرى غالبيتهم بحوثاً في مراكز عالمية، وأشرفوا على رسائل دكتوراه وماجستير، ولديهم مؤلفات في كل العلوم والتخصصات".

وتشير إلى أن "تداعيات القرار ستكون وخيمة على بعض الاختصاصات التي تحتاج إلى خبرات أكثر من ملء منصِب أو التخلّص من مكان شاغر. ولو طبق القرار هذه السنة، ستفرغ مناصب عدة في التعليم العالي، ويتكرس واقع انحدار التكوين وضعفه، لذا أقترح ترك خيار الإحالة على التقاعد للأساتذة، إذ يجب الاستمرار في استغلال كفاءاتهم في الإشراف على البحوث وأولئك الحاصلين حديثاً على شهادة الدكتوراه".

المساهمون