الجامعة اللبنانية: النزَع الطويل

الجامعة اللبنانية: النزَع الطويل

09 أكتوبر 2021
تملك أكبر شبكة من الفروع في مختلف المحافظات اللبنانية (حسين بيضون)
+ الخط -

 

الجامعة اللبنانية هي المؤسسة الحكومية الوحيدة للتعليم العالي في لبنان. لكن أهميتها مصدرها مختلف، فهي الوحيدة التي يمكن للطالب الحاصل على الثانوية العامة الدخول إليها برسوم رمزية، يستطيع معها الفقير ومتوسط الحال تحمل أعبائها. ثم إنها تملك أكبر شبكة من الفروع يصل تعدادها إلى حوالي خمسين فرعاً في مختلف المحافظات اللبنانية. ويحظى طلابها بأوسع تنوع اجتماعي وسياسي ومناطقي، ومروحة من الاختصاصات التي تربو على 150 اختصاصاً. والأهم من ذلك أنه يقصدها حوالي مائة ألف طالب، ولو أنها كانت تملك القدرة الاستيعابية الفائضة لتضاعف الرقم، بالنظر إلى أنها تجري امتحانات دخول لمعظم كلياتها ومعاهدها العالية. 

هذه الجامعة هي نموذج الآن عما آلت إليه الأوضاع في لبنان لجهة انهيار مقومات الدولة والمؤسسات العامة. ونبدأ من الأساتذة، إذ سنوياً يصل عدد الأساتذة المتقاعدين بعد بلوغهم السن القانونية (64 عاماً) إلى ما يزيد عن مائتي أستاذ (المجموع حوالي 4000 أستاذ بين ملاك ومتعاقد). يتم الاستعاضة عن أساتذة الملاك بمتعاقدين يعملون بالساعة ودون حد أدنى من الضمانات. ومنذ العام 2014 لم يتم تفريغ أي أستاذ. وهو ما يدفع ثمنه الطالب لاضطرار أستاذه إلى التنقل بين أكثر من مؤسسة تعليم عال لتحصيل معاشه أو ترك البلاد والهجرة. أيضاً منذ العام 2019 وبعد وضوح معالم انهيار الاقتصاد قامت الدولة بتخفيض ميزانية الجامعة، ما أدى إلى مشكلات في التوظيف والتجهيز وإعداد المواد وأكلاف الأنشطة المرافقة. كل هذا كان محتملاً حتى الوصول إلى الانهيار النقدي الكبير لليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي. لم يقتصر التراجع الدراماتيكي على الأجور فقط، بل شمل ايضاً نفقات التسيير اليومي للمرفق ( كهرباء، إنترنت، هاتف، مياه، محروقات لتشغيل المولدات، وأعمال نظافة وما شابه). 

بالطبع قام الأساتذة الذين ظلوا في الجامعة بواجباتهم الأكاديمية ضمن أوضاع صعبة، وشرحوا الدروس "أون لاين"،  وعرضوا محاضراتهم على الشاشات الصغيرة، ومعظمهم أنجزوا المناهج المقررة. أما استيعاب الطلاب فمسألة مختلفة عن كل هذا. المهم هو أن الأزمة أصابت الجامعة في الصميم عندما باتت موازنات الكليات التي تحتاج مختبراتها ومشاغلها إلى نفقات على المواد، عاجزة عن تحمل مثل هذه الأعباء. والأساتذة بما صارت إليه أجورهم بالساعة لا يستطيعون شراءها من مداخيلهم لاستخدامها في الشرح. المعضلة المعروفة الأبرز تتمثل في اعتبار الكليات والمعاهد مساحات مفرزة للطوائف. فالمدير يجب أن يكون من هذه الطائفة والأساتذة والموظفين يجب أن يُراعى في اختيارهم هذا الاعتبار دون سواه، وهكذا دواليك. 

موقف
التحديثات الحية

ضمن مسار الانهيار الزاحف أو النَزع الطويل تبين أن الجامعة ليس بمكنتها إجراء امتحانات الفصل الأخير لطلابها بموجب نظام "إل أم دي" (ليسانس، ماجستير، دكتوراة) . أما السبب فهو أنها لا تملك الأوراق التي يكتب الطلاب عليها الأجوبة، لأن الأوراق العادية تُبقي اسم الطالب مكشوفاً، هذا عدا باقي مستلزمات القرطاسية. أكثر من ذلك لا موازنات في الكليات لشراء مازوت للمولدات لتأمين الإضاءة وتشغيل الآلات التكنولوجية في حال الحاجة إليها، ولا قدرة لديها على دفع أجور المراقبين من أساتذة وموظفين، الذين لم تدفع أصلاً لهم بدلات هذه المهمة عن العام الماضي. ومن المتعذر إجراء امتحانات عن بُعد بسبب ندرة الطاقة الدائمة وهكذا... 

رغم كل ذلك تدبر العمداء والمديرون والأساتذة أمور إجراء الامتحانات بالتي هي أحسن، وفي ظل ظروف بالغة التعقيد، ما يثبت أن الأزمة أبعد من تفشي كورونا الذي أمكن مؤقتاً كبح سيله، فيما "الأوبئة" الأخرى مستوطنة ومقيمة طويلاً وملازمة للبلاد. 

(باحث وأكاديمي) 

المساهمون