الجامعات الأهلية... بوابة لخصخصة التعليم الحكومي في مصر

22 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 22 يونيو 2025 - 00:48 (توقيت القدس)
جامعات مصر الحكومية تشكو الإهمال، 1 نوفمبر 2022 (أمير مقار/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد التعليم الجامعي في مصر تحولاً مع زيادة الجامعات الأهلية إلى 32، بعد قرارات بإنشاء 12 جامعة جديدة، مما يعكس توجه الحكومة نحو خصخصة التعليم العالي وتقليل الدعم المالي، مع توقف إنشاء الجامعات الحكومية، مما يثير قلقاً حول جودة التعليم ومخالفته للدستور.

- تواجه الجامعات الأهلية تحديات مثل ارتفاع الرسوم الدراسية، نقص الكوادر العلمية، مشكلات لوجستية، وبعدها عن المناطق العمرانية، مما يضيف أعباء مالية على الطلاب.

- خفضت وزارة التعليم العالي نسب القبول في الجامعات الأهلية والخاصة، وسمحت بقبول الطلاب بعد سنة تأسيسية، مما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على مستوى الخريجين وتأهيلهم لسوق العمل.

يحذّر خبراء التعليم في مصر من تواصل إنشاء الجامعات الأهلية، ومنح الموافقات على إنشاء جامعات خاصة جديدة، معتبرين أن الهدف هو التخلص من عبء تمويل التعليم الجامعي رغم مخالفة ذلك للدستور.

قفزت أعداد الجامعات الأهلية في مصر إلى 32 جامعة مملوكة للدولة، تُدار بعيداً عن منظومة التعليم العالي، بعد توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارات بإنشاء 12 جامعة أهلية جديدة، ونصّت القرارات على أن تبدأ الدراسة فيها اعتباراً من العام الدراسي 2025-2026، والمقرر انطلاقه في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وفي اجتماع مجلس الجامعات الأهلية، الذي عقد مساء الثلاثاء 27 مايو/ أيار الماضي، في العاصمة الإدارية الجديدة، وجّه وزير التعليم العالي أيمن عاشور بـ"تسويق برامج الجامعات الأهلية على المستوى الإقليمي، لجذب المزيد من الطلاب الوافدين، من خلال التعاون مع المكاتب الثقافية المصرية في الخارج"، مشيراً إلى ارتفاع عدد الملتحقين بالجامعات والمعاهد المصرية إلى 3,8 ملايين طالب في العام الدراسي الحالي (2024 - 2025)، مع توقعات بأن يصل العدد إلى خمسة ملايين طالب بحلول عام 2030.
كشف مصدر في لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب (البرلمان) عن صدور قرار من مجلس الوزراء بوقف إنشاء جامعات حكومية جديدة، واقتصار الموافقات على إنشاء الجامعات الأهلية والخاصة، لاستغلال الزيادة الكبيرة في أعداد الملتحقين بالتعليم الجامعي، سواء من الطلاب المصريين أو العرب والأجانب، وفي إطار توجه حكومي لخصخصة قطاع التعليم العالي بهدف خفض الدعم السنوي المخصص له.
وأكد المصدر لـ"العربي الجديد" أن "قرار مجلس الوزراء يعود إلى عام 2022، لكنه لم يعلن رسمياً للرأي العام نظراً لحساسية الموضوع. جميع موافقات مجلس الوزراء خلال السنوات الثلاث الماضية اقتصرت على إنشاء الجامعات الأهلية والجامعات الخاصة، ولم تضم الموافقة على إنشاء جامعة حكومية واحدة، مع السماح للجامعات العامة القائمة باستكمال  المنشآت الخاصة بكلياتها التي سبق تأسيسها قبل عام 2022".
ويقول الباحث الاقتصادي المصري إلهامي الميرغني لـ"العربي الجديد": "وافق مجلس الوزراء أخيراً على إنشاء العديد من الجامعات الأهلية على أراض مملوكة للجامعات الحكومية، ولكن بمصاريف تتعدى 130 ألف جنيه (2600 دولار أميركي) للالتحاق بكليات الطب، و90 ألف جنيه لكليات العلاج الطبيعي والصيدلة، و75 ألف جنيه لكليات الهندسة وعلوم الحاسب. الهدف الأوضح هو التوقف عن تمويل التعليم العام، وتحميل المواطنين أعباء التعليم، رغم أنهم يكابدون نتيجة غلاء المعيشة، فضلاً عن مخالفة الدستور الذي ينص على أن التعليم العام حق مكفول لكافة المواطنين".
ويشير الميرغني إلى "عدم التزام الحكومة بتوجيه 7% من الموازنة العامة للتعليم العام، كما ينص الدستور صراحة، في مخالفة دستورية تتكرر سنوياً، وتلجأ بعض الجامعات الحكومية إلى جمع الأموال من الطلبة كي تتبرع بها إلى (صندوق تحيا مصر)، كما تخصم من حقوق الموظفين ومصروفات العملية الدراسية لنفس الغرض، مع التوسع في فرض برامج الساعات المعتمدة لجمع الأموال اللازمة لمصروفات العملية التعليمية ومكافآت الأساتذة والموظفين، بعد أن توقفت مواردها من الموازنة العامة".

أوضاع المصريين المعيشية متردية، 2 نوفمبر 2022 (أمير مقار/فرانس برس)
أوضاع المصريين المعيشية متردية، 2 نوفمبر 2022 (أمير مقار/فرانس برس)

بدوره، يقول عميد معهد الأورام السابق مدحت خفاجي لـ"العربي الجديد": "تمضي الحكومة قدماً في مخططها لإلغاء مجانية التعليم الجامعي من خلال تحويل الخدمات الجامعية المجانية إلى مدفوعة، وتحويل الجامعات الإقليمية إلى جامعات أهلية، على أن يتشارك القطاع الخاص مع وزارة التعليم العالي في إدارتها، مع منح أفضلية للمستثمرين المالكين للجامعات والأكاديميات والمعاهد الخاصة".
ويوضح خفاجي أن "الجامعات الأهلية يفترض أن تقام بتمويل شعبي، أو من قبل رجال الأعمال، ولا يجب أن تمول من حسابات الدولة، ثم نطلق عليها جامعات أهلية، كما أن الدراسة في الجامعات الأهلية تواجه مشكلات عديدة، منها عدم وجود كوادر علمية، مع اعتمادها الكامل على جذب أعضاء هيئات التدريس من الجامعات الحكومية، ما يفرغها من الكفاءات العلمية لصالح الجامعات الخاصة والأهلية، ومع وجود هذه الجامعات في مدن بعيدة عن الحيز العمراني، تلزم الطالب مصروفات إضافية للتنقل أو السكن، إضافة إلى الرسوم الجامعية السنوية، فضلاً عن الاعتذارات المتكررة من الأكاديميين عن التدريس فيها بسبب صعوبة التنقل، وعدم توفر مستشفيات في بعض الجامعات التي تتيح دراسة التخصصات الطبية".
وتصل مصروفات بعض الجامعات الخاصة إلى 220 ألف جنيه سنوياً (4500 دولار)، مقابل نحو ألفي جنيه فقط لدراسة نفس التخصصات في الجامعات الحكومية؛ علماً أن بعض الجامعات غير الحكومية تواجه اتهامات بتخريج طلاب غير مؤهلين لسوق العمل بسبب ضعف تحصيلهم الدراسي.
في 16 أكتوبر الماضي، قرر طلاب جامعة الجلالة الأهلية بمحافظة السويس الإضراب عن الدراسة احتجاجاً على تردي الأوضاع التعليمية، وتردي نظام النقل بين الجامعة ومقر إقامتهم، ما تسبب في حوادث قاتلة، كان أخطرها انقلاب حافلة طلاب، ما أدى إلى وفاة 12 طالباً وإصابة 29 آخرين بإصابات خطرة. وندد الطلاب بارتفاع مصروفات السكن الجامعي، وزيادة المصاريف الإدارية، وارتفاع أسعار الحافلات التي تقلهم من مناطق العاصمة القاهرة إلى مقر الجامعة في مدينة الجلالة، كما نددوا بغلق مستشفى الجامعة، وعدم تأهيل الطرق الموصلة إليها.

جامعات مصر/غيتي/مجتمع
مقررات الجامعات الحكومية قديمة لكنها لازالت الأفضل (Getty)

وتتراوح رسوم الجامعات الأهلية للطلاب غير المصريين ما بين 3500 إلى 8000 دولار سنوياً، إضافة إلى رسوم قيد بقيمة 1500 دولار تدفع مرة واحدة، بما يعادل نحو 475 ألف جنيه مصري. بينما لا تتجاوز رسوم الطلاب الأجانب في الجامعات الحكومية المصرية ثلاثة آلاف دولار في الكليات النظرية، وستة آلاف دولار بالكليات العملية، كما ألغت الحكومة سياسة المعاملة المتساوية التي كان يحظى بها طلاب بعض الجنسيات العربية في أغسطس/ آب 2023.
وحول تخلي الدولة المصرية عن التعليم المجاني والاتجاه نحو خصخصة الجامعات، يقول أستاذ المناهج في كلية التربية بجامعة عين شمس، حسن شحاتة، إن "التعليم الجامعي المصري شهد نقلة نوعية خلال السنوات الأخيرة، وارتفع العدد الإجمالي للجامعات من 50 إلى 128 جامعة في غضون 10 سنوات، من بينها 28 جامعة حكومية ما زالت تُتيح التعليم بمصاريف بسيطة لطلاب الثانوية العامة أو ما يعادلها من شهادات".
ويضيف شحاتة لـ"العربي الجديد": "الجامعات الحكومية بها أيضاً برامج خاصة بمصاريف مرتفعة، وبالتالي يملك الطالب الاختيار ما بين النظامين، والتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية الهدف منه استيعاب الطلاب الوافدين من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، في إطار تنمية موارد الجامعات الذاتية، وربط برامجها بسوق العمل بعد تأهيل وتدريب الطلاب فيها بصورة جيدة".
وخفضت وزارة التعليم العالي نسب القبول في الجامعات الخاصة والأهلية للعام الدراسي 2024-2025، بعد تقسيمها إلى 3 مجموعات؛ الأولى للجامعات الخاصة المعتمدة إضافة إلى عدد من الجامعات الأهلية، والثانية لجامعتي الجلالة والعلمين الأهليتين، والثالثة للجامعات الأهلية سيناء بفرعيها، وشرق بورسعيد، والإسماعيلية الجديدة، والملك سلمان الدولية في جنوب سيناء. وبلغ الحد الأدنى للالتحاق بكليات الطب البشري 79% و76% و74% للمجموعات الثلاث على الترتيب، مقارنة بنسبة 91.3% في الجامعات الحكومية.
من جهته، يؤكد عضو لجنة التعليم بمجلس الشيوخ، حسانين توفيق، أن "خفض معدلات القبول في الجامعات الأهلية يستهدف جذب المزيد من الطلاب المصريين والأجانب، وليس معناه ضعف مستوى خريجيها، على اعتبار أن درجات الثانوية العامة ليست مقياساً في الدراسة الجامعية. الجامعات الأهلية لديها برامج تعليم وتدريب مميزة، ويجب التوسع في إنشائها، وفتح فروع لها في دول أفريقيا والشرق الأوسط، في إطار الاستفادة مما تتمتع به مصر من تنوع في جامعاتها".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ووافق مجلس الوزراء المصري في وقت سابق على تعديل بعض أحكام قانون الجامعات الخاصة والأهلية الصادر في سنة 2009، واستحدث مادة تقضي بقبول الجامعات الخاصة والأهلية للطلاب الحاصلين على شهادة الثانوية العامة، أو ما يعادلها، بداية من العام الدراسي 2024 - 2025، ممن لم يحصلوا على الحد الأدنى المؤهل للقبول بالكلية التي يرغبون في الالتحاق بها متى اجتازوا مرحلة تأهيلية تسمى السنة التأسيسية، واشترط التعديل ألا تتجاوز نسبة التخفيض 5% من الحد الأدنى المؤهل للقبول بكل قطاع تخصصي في الجامعات الخاصة أو الأهلية.
وبحسب خبراء تربويين، فإن نظام السنة التأسيسية يهدف إلى زيادة أعداد المقبولين في الكليات العلمية، مثل الطب والصيدلة والهندسة، في الجامعات الخاصة والأهلية، رغم انخفاض درجاتهم الدراسية في المرحلة الثانوية، مقابل سداد رسوم سنوية قد تصل إلى 50 ألف جنيه. 
وظهرت الجامعات الخاصة في مصر لأول مرة في عام 1996، وبدأ الأمر بأربع جامعات هي جامعة 6 أكتوبر، وجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، وجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة مصر الدولية، ثم تكاثرت الجامعات الخاصة عاماً بعد عام، حتى وصل عددها إلى 32 جامعة، إضافة إلى وجود عشر جامعات تكنولوجية، وتسعة أفرع لجامعات أجنبية، وست جامعات دولية، وجامعتين باتفاقيات إطارية، وجامعة واحدة بقوانين خاصة.

المساهمون