الجامعات الأميركية... تداعيات المنع والقمع على احتجاجات الطلاب

27 فبراير 2025
اعتصام لطلاب جامعة كاليفورنيا، 1 مايو 2024 (غريس يوون/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت الجامعات الأميركية احتجاجات واسعة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث طالب المحتجون بوقف الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل ووقف التعاون الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية.
- تعرضت حرية التعبير لضغوط شديدة، حيث تم ملاحقة وطرد أساتذة وطلاب معارضين، وكشفت هذه الأحداث عن علاقات الجامعات بالمانحين والتيارات اليمينية.
- رغم القمع، استمرت الاحتجاجات بطرق رمزية، وأصدر الرئيس ترامب أمراً بترحيل الطلاب الأجانب المشاركين، مما أثار انتقادات حقوقية واسعة.

شهدت غالبية الجامعات الرئيسية في الولايات المتحدة احتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وطالب الأساتذة والطلاب بوقف الدعم الأميركي غير المشروط لممارسات الاحتلال الإسرائيلي

تعتز الكثير من الجامعات الأميركية بكونها منارة للتعددية الفكرية وحرية التعبير. لكن القضية الفلسطينية، خصوصاً الحرب الأخيرة على قطاع غزة، أظهرت استثناء صارخاً لحرية التعبير، إذ وصل الأمر إلى ملاحقات وطرد وإيقاف عن العمل أو التعليم لأساتذة وطلاب عارضوا الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
وكشف العدوان الأخير على غزة بوضوح عن شبكة العلاقات الواسعة التي تربط الجامعات الأميركية بالمانحين، وكذا بالتيارات اليمينية والمحافظة، وأبرز تخاذل إدارات كثير من الجامعات في حماية أساتذتها وطلابها، وانخراط بعضها في قمع الحريات الأساسية لهم، بما فيها ما يسمى بـ"جامعات النخبة" مثل هارفارد ونيويورك وكولومبيا، ولم يقتصر القمع على الطلاب والأساتذة الأجانب المقيمين في الولايات المتحدة، بل امتد إلى الأميركيين أيضاً، ومن بينهم طلاب من أصول فلسطينية وعربية، وآخرين أصولهم آسيوية أو من ذوي البشرة السوداء، وحتى من اليهود.
وتركزت مطالب الداعمين للقضية الفلسطينية على عدد من الأمور، من ضمنها وقف إطلاق النار، وإنهاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وإنهاء الاحتلال، ووقف التعاون الأكاديمي بين الجامعات الأميركية والإسرائيلية، وفضح العلاقة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية وانخراط الجامعات في اضطهاد الفلسطينيين، إضافة إلى كشف تلك الجامعات عن حجم وتفاصيل استثماراتها في الشركات الإسرائيلية، خصوصاً شركات الأسلحة، ووقف تلك الاستثمارات.
ويبلغ حجم تلك الاستثمارات مليارات الدولارات، ولا يعرف عنها الكثير، وهي تشمل الصناعات العسكرية، والاستثمار في الوقود الأحفوري. على سبيل المثال، وصلت استثمارات (وقف) جامعة نيويورك في العام الماضي، إلى 6.5 مليارات دولار، بحسب البيانات الرسمية، ووصلت استثمارات جامعة كولومبيا في نيويورك إلى أكثر من 14 مليار دولار.
وقد واكبت الاحتجاجات المعارضة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الجامعات بداية الحرب، واشتدت وتيرتها واتسعت رقعتها مع سقوط أعداد أكبر من الضحايا، ومع الوقت، أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة لا تقدم لإسرائيل الدعم العسكري فحسب، بل تقدم الغطاء الدبلوماسي والمادي والإعلامي لتمكينها من مواصلة الحرب.

ومع زيادة وتيرة الاحتجاجات وإقامة الطلاب مخيمات تضامن مع غزة داخل الجامعات للاحتجاج بشكل سلمي، كثفت إدارات الجامعات قمعها، ووصل الأمر إلى استدعاء إدارة جامعة كولومبيا وجامعة نيويورك وغيرها الشرطة، والسماح بدخولها الحرم الجامعي لفض الاعتصامات والقبض على الطلاب والأساتذة المعتصمين، واحتجزت الشرطة أكثر من 3100 شخص من تلك الاحتجاجات.
وخفتت شعلة الاحتجاجات مع نهاية الفصل الدراسي خلال الربيع الماضي (مايو/أيار) مع خروج الطلاب إلى العطلة الصيفية، لكنها لم تنطفئ، في حين استمرت كثير من الجامعات، حتى خلال العطل الصيفية، في إغلاق حرمها الجامعي، ومنعت الاحتجاجات.
مع عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، تواصلت التضييقيات من إدارات الجامعات، وزادت قيود المراقبة والأمن، وتوسع القمع. على سبيل المثال، تبدو إحدى الساحات الرئيسية لجامعة نيويورك كأنها ثكنة أمنية، إذ أحيطت بجدار ونقاط تفتيش، حتى إن البعض شبهها بالحواجز التي يقيمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
واشتكى العديد من الأساتذة والطلاب من تقييد حركتهم وحرياتهم، ومنعهم من حقهم الأساسي في الاحتجاج، خصوصاً مع تبني عدد من الجامعات تعريفات إشكالية لمصطلح "معاداة السامية"، بحيث يصبح انتقاد إسرائيل مساوياً لمعاداة السامية، وهو أمر ينتقده العديد من المختصين، بمن فيهم أساتذة يهود.

وقفة لطلاب جامعة جورج واشنطن. 19 مايو 2024 (كينت نيشيمورا/Getty)
وقفة لطلاب جامعة جورج واشنطن، 19 مايو 2024 (كينت نيشيمورا/ Getty)

رغم تزايد القمع، لم تتوقف الاحتجاجات، لكن تكرار التضييقات والتشديد الأمني ومنع التجمعات والاحتجاجات داخل الحرم الجامعي أدى إلى الحد من تغطيتها إعلامياً، أو انتشارها على رقعة أوسع، كما حال دون انضمام أعداد أكبر من الطلاب إليها. إضافة إلى أن القمع زاد من مخاوف الطلاب، خاصة بعد تكرار التوقيف، وتهديد كثيرين منهم بالفصل، ما اضطر الكثير من الطلاب إلى تنظيم الاحتجاجات داخل المكتبات، أو البنايات المركزية للجامعة.
ورغم أن تلك الأنشطة الاحتجاجية كانت في الغالب رمزية، وشملت على سبيل المثال قراءة أشعار لكتاب فلسطينيين، أو النوم على الأرض والالتحاف بأقمشة شبيهة بالأكفان لتمثيل سقوط الشهداء الفلسطينيين وغيرها، لم يرقْ ذلك أيضاً إدارةَ الجامعات، والتي استمرت برفض أبسط الحقوق الأساسية للطلاب.
ولزيادة الطين بلة، أعلنت جامعة نيويورك، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عدداً من الطلاب والأساتذة "أشخاصاً غير مرغوب فيهم"، بعد قيامهم بنشاط سلمي داخل المكتبة للاحتجاج على الحرب، وقامت بإلغاء أو تقييد دخولهم إلى عدد من البنايات الرئيسية، بما فيها المكتبة.

يطالبون بإنهاء احتلال فلسطين. 8 مايو 2024 (كيا باستراو/فرانس برس)
يطالبون بإنهاء احتلال فلسطين، 8 مايو 2024 (كيا باستراو/ فرانس برس)

واتهمت الجامعة المحتجين بالمسؤولية عن شعارات تحريضية كتبت في دورة المياه بالمكتبة من دون أن يكون هناك أي دليل حول ذلك، ومن دون أن يتم تقديم شكاوى بحق أحد، ما أثار الكثير من الاستهجان والاستغراب، وأرجعه البعض إلى كونه مرحلة جديدة من القمع والتمييز ضد المعارضين للإبادة الجماعية والاحتلال الإسرائيلي.
واحد من الأساتذة الذين تم اعتبارهم "أشخاصاً غير مرغوب فيهم" في جامعة نيويورك، هو أستاذ الإعلام، تشينغراي كومانييكا، يقول لـ"العربي الجديد": "تنص رسالة الجامعة التي وصلتني على أنه تم اتخاذ ذلك الإجراء بحقي لأنني قمت بمخالفة السياسات، وأنا أتساءل ما هي السياسة التي خالفتها؟ أعمل أستاذاً للإعلام، وجزء من اختصاصي هو العلاقة مع الشرطة (المراقبة)، وبغض النظر عن موضوع اختصاصي، كنت في المكتبة أستاذاً يقوم بمراقبة وتوثيق ما يحدث، ولا أعتقد أن هذا يمكن أن يكون مخالف لأي سياسة".
يضيف كومانييكا: "لم يزودني أحد بأي معلومات حول المخالفة؟ أو إلى متى سيتم فرض هذا المنع؟ وما هي الطريقة التي يمكنني الاعتراض بها وطلب الاستئناف على قرار تعسفي من هذا النوع؟ لست أستاذاً مُثبتاً بعد، إذ يستغرق تثبيت الأساتذة سبع سنوات. ما إن كانت هذه الخطوة من الجامعة مقدمة لأمر آخر، مثل منع تثبيتي؟ من حق الطلاب التظاهر ضد الإبادة الجماعية، والتعبير عن آرائهم من دون أي عواقب، وسوف أواصل دعمهم في ذلك".

يتابع: "ما نتعرض له من منع وعقوبات لا يقارن بما يعيشه الفلسطينيون في غزة، حيث لا يمكن للطلاب أو الأساتذة الذهاب إلى مباني الجامعات، لأنها جميعاً دمرت، ناهيك عن قتل الكثير منهم. علينا أن نعيد التركيز على الموضوع الرئيسي، وهو غزة وما يحدث فيها".
ويشار إلى أن جامعة نيويورك تراجعت لاحقاً عن عقوبات بحق الأساتذة وأغلب الطلاب، وإن كان هناك طلاب ما زالوا مفصولين.
وفي نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يهدف من خلاله إلى ترحيل طلاب الجامعات الأجانب الذين شاركوا في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين خلال العام الماضي، بزعم أن ذلك سيساعد على مكافحة معاداة السامية في جميع أنحاء البلاد، وقال إنه على رئيس كل إدارة أو وكالة تنفيذية أن يقدم خلال 60 يوماً تقريراً إلى الرئيس، يحدد فيه جميع الإجراءات المدنية والجنائية ضد مؤسسات التعليم العالي.
ويشار في هذا السياق إلى أن العديد من المنظمات الحقوقية الأميركية شككت في دستورية الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب، وأعلنت أنها مستعدة لإقامة دعاوى قضائية ضده إن اضطرت إلى ذلك.
وبغض النظر عن إشكالية الربط بين معاداة السامية والدفاع عن حقوق الفلسطينيين ومنتقدي السياسات الإسرائيلية، أعطى الأمر الرئاسي دفعةً جديدة للمعادين لحقوق الفلسطينيين والمؤيدين لحرب الإبادة الإسرائيلية للتحريض على الطلاب، بما في ذلك عن طريق الدعوة إلى التبليغ عنهم، ما يعيد إلى الأذهان تصرفات الأنظمة الشمولية، رغم تكرار الولايات المتحدة أنها دولة ديمقراطية تحترم حرية الحق في التعبير.
ولا يمكن تجاهل أن هذا الأمر يرتبط بسياسات الإدارة الأميركية الحالية لشيطنة المهاجرين، وتصويرهم على أنهم معادون للدولة، ضمن سياسة تخويف وردع أي معارض، ليس فقط في سياق الحرب على فلسطين، وإنما لترهيب المشاركين في التظاهرات السياسية عموماً.

المساهمون