التعليم في السودان... إحباطات بداية العام الدراسي

التعليم في السودان... إحباطات بداية العام الدراسي

08 سبتمبر 2021
السودانيون متمسكون بتعليم أولادهم (محمود حجاج/ الأناضول)
+ الخط -

تتكرر في كل عام مشكلات وأزمات بداية العام الدراسي في السودان، من دون أيّ معالجات جذرية، لكن مشكلات هذا العام أشد وطأة، وتهدد جدياً مصير التحصيل العلمي. في مرحلة أولى، حددت سلطات التعليم السادس من سبتمبر/ أيلول الجاري موعد بدء العام الدراسي الجديد، ثم مددته لاحقاً أسبوعين إلى 20 من سبتمبر/ أيلول. ومع اقتراب الموعد، يسود قلق وخوف الأسر السودانية بشأن مصير أبنائها ودراستهم في ظل مجموعة من الصعوبات والتعقيدات.
أولى الصعوبات تشمل خصوصاً تلاميذ الصف الأول من المرحلة المتوسطة التي أعيد إدراجها في سلم التعليم بعد نحو 30 عاماً من إبعادها بقرار من نظام الرئيس المعزول عمر البشير. وحالياً، لا يعرف التلاميذ مناهج هذه المرحلة الجديدة التي ستُطلق وتُختبَر بهم، وثمّة مخاوف من عدم وجود معلمين مؤهلين ومدربين، وافتقار المدارس إلى مقار ومبانٍ تتناسب مع متطلبات التدريس في هذه المرحلة.
يقول الزين جبريل، وهو والد تلميذ انتقل حديثاً إلى المرحلة المتوسطة من الصف السادس لـ"العربي الجديد": "أنا ولي أمر تلميذ في المرحلة المتوسطة، لكنني لا أعرف حتى اليوم طبيعة المنهج الذي سيدرسه. ولم أستطع الحصول على الكتب المقررة، رغم أنني قررت شراءها من مالي الخاص". يضيف جبريل: "الهاجس الأكبر بالنسبة إلى أولياء أمور التلاميذ في هذه المرحلة هو عدم تدريب المعلمين على مناهج لم تختبر سابقاً، ما يؤكد التخبط الكبير في إدارة عملية التعليم، وهو ما لم يتوقعه أحد بعد الثورة السودانية، خصوصاً في قطاع التعليم الذي يجب أن يكون أهم قطاعات التغيير الجذري في البلاد". ويرى جبريل أن "تجنب الإرباك في إدارة عملية التعليم يستدعي وضع حلول عاجلة وآنية، وليس مجرد وعود تذهب أدراج الرياح".

قضايا وناس
التحديثات الحية

500 في المائة زيادات
ومن الصعوبات التي تفاقم مشكلات العام الدراسي الجديد الزيادة غير المتوقعة في الرسوم التي فرضتها المدارس الخاصة، تحديداً في ولاية العاصمة الخرطوم، والتي بلغت نسبتها 500 في المائة في بعضها. ويعتمد التعليم في الخرطوم بشكل رئيسي على المدارس الخاصة التي بلغ عددها نحو 12 ألفاً، وتضم حوالى مليون تلميذ ألحقهم بها أولياء أمورهم بسبب عدم اقتناعهم بمستوى المدارس الحكومية التي تأثرت ببيئات تربوية سلبية لا توفر مقومات مناسبة للتعليم وإعداد التلاميذ للمراحل المتقدمة، وكذلك بانعدام وجود معلمين مؤهلين من أصحاب الكفاءات العالية والخبرة، وضعف علامات التلاميذ في مراحل التدرج التعلمي، وازدحام الفصول.

إحباطات
من جهتها، تقول منى عبد الله، وهي أم لتلميذة في الصف الرابع بالمرحلة الأساسية لـ"العربي الجديد": "تدرس ابنتي في مدرسة خاصة برسوم مقدارها 59 ألف جنيه سوداني (131 دولاراً أميركياً) للعام الواحد. وتُضاف إلى ذلك كلفة الذهاب إلى المدرسة والعودة منها، والوجبات ومستلزمات أخرى. لكنني فوجئت هذا العام بأن المدرسة زادت الرسوم إلى 360 ألف جنيه (800 دولار) والنقل إلى 100 ألف جنيه (222 دولاراً). وهذه المبالغ فوق طاقتي المالية وطاقة زوجي، علماً أنني توقعت أن تتدخل سلطات التعليم لإلزام المدارس الخاصة خفض النفقات، لكن ذلك لم يحصل، ما أصابني بخيبة أمل، لذا قررت تحويل ابنتي إلى مدرسة حكومية، لكنني أصبت بإحباط أيضاً من عدم إيجاد مدرسة قريبة من المنزل لها".

الصورة
في إحدى مدارس الخرطوم (محمود حجاج/ الأناضول)
في إحدى مدارس الخرطوم (محمود حجاج/ الأناضول)

جيوب خاوية
في الإطار نفسه، يشكو عوض كمال لـ "العربي الجديد" من أن أولاده "في مراحل تعليم حساسة جداً، فالأول بلغ المرحلة الثانوية، والثاني يتلمس خطاه في العام الأول للدراسة بعد الروضة، أما البنت فتخطو نحو المرحلة المتوسطة. والحقيقة أن مدرستهم فاجأتنا بفرض رسوم باهظة تفوق دخل الأسر، والتي حددتها بمتوسط 210 ألف جنيه (466 دولاراً) لكل تلميذ، فيما لم تعلن مبلغ النقل. وهكذا اضطررنا إلى بذل جهود كبيرة لتحويلهم إلى مدارس حكومية، لكن بلا جدوى لأنها مكتظة بالتلاميذ، ثم أرغمنا على البحث عن المبلغ لتجنب تركهم بلا علم". 
ويسخر كمال من إعلان السلطات موعداً لبدء العام الدراسي قائلاً: "ما زالت مدارس عدة تُستخدم كمراكز لتصحيح امتحانات الشهادة الثانوية، فيما تغرق أخرى في مياه الأمطار والفيضانات، وتواجه كلها مشكلات انقطاع الكهرباء ساعات طويلة، وافتقار القدرة على طبع المناهج، والأهم واقع أن جيوب أولياء الأمور خاوية. من هنا نطالب بتدخل الحكومة بوقف العبث الذي يحدث في المدارس الخاصة أو إلغائها نهائياً، وتوزيع التلاميذ جغرافياً على مدارس قريبة من أماكن السكن، علماً أنّ جميع السودانيين يحلمون بتعليم مجاني وبالإخلاص في أداء رسالته بعيداً عن جشع تسليع الدروس الخصوصية الذي يتفوق فيه البعض على تجار السوق وسماسرة السيارات والعقارات".
واللافت أن ثمة معلمين يساندون آراء أولياء الأمور. ويقول المعلم منتصر الفادني لـ"العربي الجديد": "المشكلة الرئيسة المرتبطة بالعام الدراسي الجديد وكل عملية التعليم تتمثل في أن الجهات المسيّرة للتعليم تنظر إليه نظرة مجتزأة ومن دون تطبيق استراتيجية واضحة في التعامل مع شؤونه ومتطلباته، كما أن لا خطة عمل ولا برنامج". يضيف الفادني: "يفترض أن يبدأ التخطيط لبدء العام الدراسي قبل نهاية العام الدراسي السابق، وهو ما لم يحدث لسببَين؛ أولهما عدم وجود قيادة مناسبة في وزارة التربية والتعليم، والثاني عدم ضم المكتب الوزاري خبراء في التخطيط التربوي". 
ويشير الفادني إلى أن "إعادة المرحلة المتوسطة شكلت مطلباً شعبياً وضرورة لتطوير التعليم. لكنّ الوزارة لم تستعد له بشكل كافٍ في مجال البنية التحتية وتوفير المقار والكتب، وحتى في إعداد المعلمين وتأهيلهم. والغريب أن الوزارة تريد طباعة آلاف الكتب من دون المرور بمرحلة تجريب، ما يتناقض مع أبسط معايير وشروط التدريس، ويهدد بخلق جو من التوتر، ويعيد حال الشد والجذب التي حصلت العام الماضي، ويتسبب في خسائر بقيمة مليارات".
وعن وضع المعلمين، يرى الفادني أنهم "في أسوأ حال خصوصاً أن هيكل رواتبهم مدمر، فالمعلم الذي قضى 30 عاماً في الخدمة لا يتجاوز راتبه 26 ألف جنيه (57.7 دولاراً) ولا يكفيه لتأمين مستلزمات أسرته أسبوعاً واحداً، فيما يتقاضى معلمون في درجات أقل رواتب لا تتجاوز 16 ألف جنيه (35.5 دولاراً) ويعانون من تعقيدات كبيرة على صعيد تغطية التأمين الصحي".

الصورة
زيادات كبيرة على رسوم النقل أيضاً (محمود حجاج/  الأناضول)
زيادات كبيرة على رسوم النقل أيضاً (محمود حجاج/ الأناضول)

خطط الوزارة
وعلى هامش مؤتمر صحافي عقدته لإعلان موعد جديد للعام الدراسي في 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، أكدت وزيرة التربية والتعليم تماضر الطريفي عوض الكريم، تجاوز عقبات كثيرة أهمها على صعيد طبع نسبة 50 في المائة من الكتب التي وعدت بتسليمها للمدارس قبل الموعد الجديد لبدء التعليم. كذلك، وعدت بإكمال طبع وتوزيع النسبة الباقية من الكتب خلال شهر كحد أقصى، ومنح كتاب لكل تلميذ. وأوضحت عوض الكريم أن الوزارة أعدت خطة طارئة لتدريب معلمي المرحلة المتوسطة في مواد اللغة الإنكليزية واللغة العربية والعلوم والرياضات، مع تنفيذ استراتيجية أخرى في الفترة المقبلة تشمل تدريب كل المعلمين، وكذلك تعليم البنات بعدما رصدت الوزارة تقديم فتاة واحدة اختبارات مرحلة الأساس في بعض المدارس.

وأعلنت عوض الكريم قرب إطلاق قناتين تلفزيونيتين لبث وشرح المناهج الدراسية، وتجهيز منصة للغرض ذاته في وسائل التواصل، مع تقديم منحة مالية لكلّ المدارس، وتوفير وجبة مدرسية مجانية في 148 مدرسة للمساعدة في حدّ من تسرب التلاميذ، وتفعيل الإجراءات الصحية المتخذة في مراكز التعليم، والمكتبة المدرسية، وتعهدت أيضاً ببذل كل الجهود لمعالجة مشكلات المعلمين وتعديل أجورهم، لأنهم الأساس".

المساهمون