استمع إلى الملخص
- ارتفاع تكاليف النقل والسكن يشكل عبئًا إضافيًا على الطلاب، حيث تقترح الطالبة سلمى العماد تحديد أجور النقل بناءً على البطاقة الجامعية وبناء مدن جامعية جديدة.
- تدهور الأوضاع المعيشية بعد سقوط نظام الأسد أثر على الطلاب، مما دفع البعض للعودة من الجامعات أو البحث عن فرص للهجرة كحل بديل.
يعتبر طلاب محافظات درعا والسويداء والقنيطرة جنوب سورية الأقل متابعة للتحصيل العلمي خارج محافظاتهم لأسباب كثيرة أهمها تردي الأوضاع الأمنية والصعوبات المالية. وهم يواجهون خيارات صعبة جداً قد تصل إلى حدّ التوقف عن الدراسة
إلى جانب القلق والخوف الذي يرافق الأهالي من استمرار العمليات الأمنية في بعض المحافظات السورية، تعتبر الأوضاع الاقتصادية المتردية والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي من أهم العوائق أمام طلاب التعليم العالي في المعاهد والجامعات.
ويدعي العديد من الطلاب أن الشائعات والتحريض المتعمد ععلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتكاليف النقل إلى الجامعات البعيدة، أو السكن في المدن التي تحتضن أهم الجامعات السورية، تمنعهم من متابعة تحصيلهم الجامعي، وتؤدي إلى اتخاذهم قرارات غير عادلة مثل عدم التسجيل، أو الانقطاع الجزئي والتخلف عن الدوام، أو الاكتفاء فقط بتقديم الامتحانات الفصلية.
يقول الطالب محمد غزاوي من ريف درعا الجنوبي لـ"العربي الجديد": "كل شيء تغير خلال الأشهر القليلة الماضية. وإلى تردي الأوضاع الأمنية والقلق الذي يرافقني في كل رحلة إلى الجامعة بدمشق، أواجه أزمة في تأمين أجور النقل التي تجاوزت الضعف خلال فترة وجيزة، فالحد الأدنى لأجور النقل إلى دمشق يومياً يناهز 60 ألف ليرة (5 دولارات) تتوزع بين أجور النقل من الريف للمدينة ومنها إلى دمشق وضمنها، وصولاً إلى الكليات والمعاهد المقصودة، لذا فضّل قسم كبير من الطلاب حضور الدوام ليومين أو ثلاثة أسبوعياً بتكاليف تتجاوز مليون ليرة (84 دولاراً) شهرياً، على دفع تكاليف السكن والمعيشة في دمشق وضواحيها.
يتابع: "لا تنحصر تكاليف الدراسة الجامعية في أجور النقل، فهناك مصاريف كثيرة لا تدخل أحياناً في الحسبان، من بينها التجهيزات التعليمية الخاصة بكل فرع بدءاً برسوم التسجيل والكتب والقرطاسية والمطبوعات والمشاريع العملية، وصولاً إلى تكاليف أجهزة الكومبيوتر وحتى باقات الاتصال بالإنترنت. وحالياً أجد نفسي، مثل كثير من زملائي، أمام احتمال العمل إلى جانب الدراسة، أو التوقف حتى تغيير الظروف الاقتصادية العامة".
وتقول سلمى العماد، وهي طالبة من السويداء تدرس في جامعة تشرين بمدينة اللاذقية، لـ"العربي الجديد": رغم بعض المعاناة في السكن الجامعي الطلابي نتيجة الازدحام وعدم الانسجام مع زملاء السكن أحياناً، لكنه أقل تكلفة من اختيار السفر اليومي مهما بعدت المسافات. ولا يمكن مقارنة أجور وتكاليف السكن الجامعي بأجور وتكاليف العيش في سكن الخاص، فالسكن الجامعي يخلو من فواتير الكهرباء والمياه والتدفئة، ويسمح للطلاب بالوصول إلى كلياتهم بأجور نقل محدودة أو حتى مشياً على الأقدام، وبالتالي اختصار زمن انتظار الحافلات والوصول للمنزل. لكن ارتفاع أجور النقل بين المحافظات عدة أضعاف أخيراً زاد أزمات المعيشية للطلاب وحرم كثيرين منهم من متابعة الدراسة، إذ ارتفعت أجور النقل من السويداء إلى اللاذقية خلال أشهر قليلة من 50 ألف ليرة (4.2 دولارات) يومياً إلى 175 ألف ليرة (14.5 دولاراً، ووصلت إلى 200 ألف ليرة (16.6 دولاراً) إلى حلب، ما يعني أن ذهاب طالب إلى جامعة والعودة منها مرة واحدة في الشهر تعادل راتب رب الأسرة إذا كان موظفاً".
وتقترح سلمى أن "تحدد الإدارة السورية الجديدة أجور نقل الطلاب في كل الأماكن استناداً إلى البطاقة الجامعية، وتبدأ وزارة التعليم في بناء مدن جامعية مناسبة تستوعب الطلاب إذا كانت مهتمة فعلياً بالعلم". وتلفت إلى أن المدينة الجامعية في منطقة المزة بدمشق بُنيت في زمن الوحدة بين سورية ومصر، وهي مكتظة بمبانٍ من زمن النظام السابق. في حين لم تحاول الحكومات السابقة بناء مدن أخرى".
ويرى منير الجاري، وهو طالب في الهندسة المعمارية، في حديثه لـ"لعربي الجديد" أن "الحل الوحيد يتمثل في وقف التسجيل في الكلية لمدة عام حتى تتضح الصورة، خصوصاً بعدما عجز آلاف الطلاب عن تأمين متطلبات الدراسة والمعيشة". يضيف: "كنت أعمل مثل العديد من الطلاب في مطاعم ومقاهٍ ليلية وأحصل على أجور تساهم إلى جانب ما تقدمه أسرتي في دفعي تكاليف التعليم والعيش، لكن معظم الأعمال حتى تلك المكتبية والفنية وغيرها التي كنت ألجأ إليها غير متوفرة حالياً، وضاقت الخيارات حتى بالنسبة إلى الطلاب الذين يعتمد جزء منهم في التعليم على مساعدات تقدمها جمعيات خيرية وأقارب، والتي باتت لا تسد إلا قسماً صغيراً من المتطلبات، لذا يبحث جزء كبير من الطلاب، أكثر من السابق، عن فرص للهجرة والسفر".
ولا شك في أن الأشهر الأربعة الماضية التي تلت سقوط نظام الأسد ترافق مع فوضى وعدم استقرار في الأسعار عموماً والسكن والرواتب، وتبدلات في أسعار صرف الدولار انعكست على معيشة المواطنين. ويرى كثيرون أن ارتفاع أسعار بعض المواد الرئيسية، مثل الوقود والخبز، وتأخر تسلّم الرواتب، أثرّا في شكل حاسم على المعيشة، وباتا عائقان مهمان للتعليم.
ويقول المدرس أيمن أبو حسن، وهو من أهالي القنيطرة، لـ"العربي الجديد": "لم يكن الوضع أحسن قبل سقوط نظام الأسد. اختلف جانب مهم من الحياة بعد التخلص من الظلم والقهر والاستغلال وممارسات الاذلال والابتزاز على الحواجز الأمنية الذي كان يعاني منه السوريون، خصوصاً أبناء محافظة القنيطرة، لكن الناس تقيس الحياة الجديدة والإصلاح من بوابة لقمة العيش والاحتياجات الأمنية والمعيشية والقانونية، وهذا في مجمله لا يزال في حدّه الأدنى، ويخشى كثيرون أن تمر ظروف أسوأ قبل أن تستقيم الأمور".
ويشير أبو الحسن إلى أن "طلاباً كثيرين عادوا من جامعات حمص وحلب واللاذقية نتيجة تردي الوضع المعيشي والأمني، وترافق ذلك مع تراجع سُبل العمل والإنتاج في محافظة القنيطرة نتيجة توغل الاحتلال الإسرائيلي وتوقف معظم أعمال البناء والعديد من المشاريع الزراعية والتجارية إلى جانب رواتب العديد من الموظفين. وأوقع ذلك الأهالي في عجز حقيقي بين تأمين متطلبات المعيشة وتلبية احتياجات أبنائهم الطلاب خصوصاُ الجامعيين، وأنا أحد من يعجزون عن تأمين أجور المواصلات ومستلزمات الدراسة والمعيشة لأبنائي الجامعيين، لذا توقف أبنائي عن الدراسة حتى تتحسّن الظروف".