التشهير بالمتحرشين... سلاح قانوني سعودي للمحاسبة

التشهير بالمتحرشين... سلاح قانوني سعودي للمحاسبة

22 أكتوبر 2020
سعوديات في أحد المقاهي (فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -

لن يمر قانون التحرش، في السعودية، من دون اعتراضات من يرون فيه "تجاوزاً للإسلام والتقاليد" إذ يجيز التشهير بالمتحرش

أحدثَ قرار مجلس الشورى السعودي بالموافقة على التعديلات التي تقدمت بها الحكومة السعودية على قانون التحرش الذي مُرّر في عام 2018، والذي ينصّ على إضافة عقوبة "التشهير بالمتحرشين بحسب جسامة الجريمة وتأثيرها على المجتمع"، ضجة كبيرة في الأوساط السعودية، بين من يرى في هذه التعديلات تقدماً كبيراً في سبيل تجريم التحرش بشكل نهائي والقضاء عليه، وبين من يراها مخالفة لأحكام الدين الإسلامي والأعراف والتقاليد المحلية التي تقوم على "ستر" مرتكبي الجرائم وعدم التشهير بهم. 

ووافق مجلس الشورى (وهو برلمان غير منتخب في السعودية)، على مقترح الحكومة السعوديّة في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي. وقالت عضو المجلس الدكتورة لطيفة الشعلان: "مجلس الشورى وافق على المقترح المقدّم من الحكومة بعد رفضه قبل ستة أشهر". تضيف الشعلان، وهي إحدى أبرز الناشطات النسويات في السعودية، وتعمل أستاذة لعلم النفس في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن: "نظام التحرش لم يبتدع شيئاً جديداً، إذ إن عقوبة التشهير موجودة داخل بعض القوانين السعودية، مثل قوانين أنظمة جرائم المعلوماتية والسياحة والآثار والمتاحف والبيانات التجارية والمناطق المحمية واستيراد المواد الكيميائية". 
وطمأنت الشعلان السعوديين بقولها إن "التشهير في نظام التحرش ليس وجوبياً، ويكون بحسب جسامة الجريمة وتأثيرها المجتمعي، وبعد اكتساب الحكم الصفة القطعية". ووصفت موافقة المجلس على التشهير بالمتحرشين بأنها "لحظة إجماع جميلة وفريدة". 
واعترض ناشطون سعوديون على عقوبة التشهير قائلين إنها قد تؤدي إلى الإضرار بالأبرياء الذين يتم الافتراء عليهم وإلصاق تهمة التحرش بهم، إضافة إلى مخالفتها تعاليم الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد العربية والسعودية التي تحث على "الستر" على من يقوم بارتكاب بعض الجرائم وعدم التشهير به وإعطائه فرصة للتوبة وإصلاح الذات. 
ويقول عبد المحسن المطيري لـ"العربي الجديد"، إن "عقوبة التشهير قد تؤدي لابتزاز الرجال داخل المجتمع السعودي وتهديدهم بالفضيحة التي ستتم بشكل قانوني وفقاً لهذا القانون نتيجة أعمال لم يقوموا بها"، مضيفاً أن "القانون اليوم بات إلى جانب المرأة حتى وإن كانت مخطئة". 
لكن الناشطة النسوية المقيمة في الخارج هيا الدوسري، تقول لـ"العربي الجديد"، إن "تصوير قوانين التشهير بالمتحرشين الأخيرة على أنها معادية للرجل وتستهدف الذكور هو تصوير بالغ السخف، ويخالف التاريخ الحقيقي الذي عاشته المرأة السعودية طوال عقود، وقد تم تصويرها كمخلوق شرير يجب التخلص منه والقضاء عليه". تضيف الدوسري: "قانون مكافحة التحرش كان إنجازاً، وقانون التشهير إنجاز أكبر، لأن بعض المرضى المتحرشين الذين قد يعاقبون بالسجن أو الغرامة لا يتورعون عن تكرار هذا العمل في مدن أو أحياء أخرى داخل السعودية لم يفتضح أمرهم فيها، لكن التشهير بهم قد يؤدي إلى ردعهم وتخويفهم من العار الاجتماعي". 
وذكرت الدوسري أن القانون لن يقوم بالتشهير إلا بعد وجود حكم نهائي من القضاء بتأكيد تهمة التحرش. وكانت الناشطات السعوديات قد أطلقن عدداً من الوسوم على مواقع التواصل الاجتماعي لفضح المتحرشين بعد تصويرهم بالفيديو، والقيام بنشر أسمائهم وأماكن عملهم، ما أوصل إلى شبكة كبيرة من المعلومات حول هؤلاء المتحرشين في عدد من المناطق. 
لكنّ العديد من المتحرشين قرروا تحريك دعاوى قضائية بتهمة التشهير غير القانوني، وكسبوا عدداً من القضايا، ما أضر بالفتيات اللواتي تعرضن للتحرش. 
ويرى الخبير القانوني السعودي أحمد القرني، أن هذا القانون جاء ليسد فراغاً تشريعياً كبيراً في مسألة التشهير بالمتحرشين. 
ويقول القرني لـ"العربي الجديد": قانون التشهير يعكس التطورات القانونية الهائلة لصالح المرأة السعودية خلال السنوات الأخيرة، كالسماح لها بقيادة السيارة، والسفر لوحدها ومن من دون إذن من ولي الأمر، والسماح لها بتسجيل أبنائها في دفتر العائلة أسوة بالزوج، إضافة إلى تمكينها من العديد من المناصب المهمة في الدولة. 
وشهد اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، والذي وافق الـ23 من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، عدداً كبيراً من حالات التحرش الجماعي، ما دفع الأجهزة الأمنية لاعتقال جميع المتحرشين وتقديمهم للمحاكمات. وسجلت المحاكم السعودية 579 قضية تحرش خلال عام 2019. لكن الناشطة هيا الدوسري تقول إن هذا الرقم بعيد عن العدد الحقيقي لجرائم التحرش الفعلية التي تحدث، وتتخوف النساء من التصعيد بسبب التهديدات التي يتعرضن لها من أصحاب المناصب والنفوذ.

ويفرض نظام مكافحة جريمة التحرش، الذي تم تمريره في عام 2018، عقوبات تصل إلى السجن عامين ودفع غرامة مالية 100 ألف ريال (26.6 ألف دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين ضد كل من يرتكب جريمة تحرش، ورفع العقوبة إلى السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تزيد على 300 ألف ريال (80 ألف دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين في حال تكرار الفعل.

المساهمون