استمع إلى الملخص
- تُظهر الدراسات العلمية أن السكن قرب خطوط الكهرباء ذات الضغط العالي يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض خطيرة مثل سرطان الدم عند الأطفال وأمراض عصبية، مما يثير القلق حول الأمان البيئي في تلك المناطق.
- يُعرف التسعير البيئي بتأثير العوامل البيئية على أسعار العقارات، حيث تكون الأراضي القريبة من مواقع التلوث أرخص، مما يطرح تساؤلات حول دور القانون والوعي البيئي في معالجة هذه القضايا.
قبل اندلاع الحرب بنحو عشرين عاماً أو أكثر، بات أحد الأحياء الحديثة في الخرطوم سوقاً مفتوحة لكل راغب في الاصطفاف إلى جوار الطبقة الصاعدة حديثاً، وقوامها هواة التفاخر الاجتماعي من أثرياء النظام السياسي القائم وقتها من عسكريين ومدنيين، وبعض التجار والمغتربين. أنشئ الحي على مساحة كانت مزارع ترفد العاصمة بمنتجات الألبان والخضار.
هاتفني أحد أقربائي فرحاً أنه حُظي بقطعة أرض في واجهة الحي، وأنه سيدفع أقل من ثلث ما دفعه سواه مقابل ذات المساحة. يمر أمام الحي خط للضغط الكهربائي العالي، وحين حدثته بخطورة الأمر ذكر أنه تحرك من تحت الأسلاك مشعلاً راديو السيارة، وقد قيل له إنه حين يتوقف التشويش سيكون قد وصل الأمان البيئي. والمعروف أنه برغم تحذيرات الخبراء نجد أن خطوط الكهرباء ذات الضغط العالي تعبر التجمعات السكنية، إما جهلاً أو تجاهلاً لآثارها الصحية الخطيرة على الإنسان. وكشفت دراسة علمية أن السكن قرب أسلاك كهرباء الضغط العالي ربما يزيد من مخاطر الإصابة بمرض سرطان الدم عند الأطفال. وأظهرت أن الأطفال الذين يعيشون على بعد 200 متر من أسلاك الضغط العالي مهددون بالإصابة بسرطان الدم بنسبة 70% أكثر من الأطفال الذين يعيشون على بعد 600 متر أو أكثر.
وتشير بعض الأبحاث إلى أن التعرض للإشعاع الكهرومغناطيسي قد يزيد من خطر الإصابة ببعض الأمراض العصبية مثل ألزهايمر والشلل الرعاش.
وفي دراسة أخرى لأربعمائة ألف شخص يسكنون بالقرب من خطوط وأبراج الضغط العالي، تبيّن إصابة العديد منهم بعدد من الأمراض، من بينها بعض الأورام وسرطان الدم والدماغ، ووضعت جميعها تحت اسم أمراض العصر أو أمراض المدنية، كما وُجد أن معدّل الإصابة بسرطان الدم اللمفاوي هو أعلى من المعدّل المتوقع لدى العاملين في مجال صناعات الطاقة الكهربائية والصناعات المشابهة.
وفي هذا تفسير لعثور قريبي وأمثاله على الأراضي والعقارات بسعر زهيد، ما اتُّفق على الإشارة إليه بالتسعير البيئي، والذي يعني أثر التغير البيئي على تسعير الوحدات العقارية، إذ يمكن أن يكون للعوامل البيئية، مثل الطقس والكوارث الطبيعية وجودة الهواء، تأثيرات كبيرة على الأسعار. يدرس الاقتصاديون العلاقة بين التلوّث وسعر الموقع من خلال إيجاد آلية عادلة لتسعير الأراضي بإضافة العوامل البيئية عاملاً مؤثراً في قيمة الأرض.
الشاهد أن الأراضي القريبة من مواقع الضرر أو التلوث (مكبّات نفايات، محطات صرف صحي، خطوط ضغط كهربائي عالٍ، أبراج اتصالات) يكون سعرها أقل من تلك البعيدة عن مواقع الضرر. أما أم المصائب أنه في حالة وقوع الضرر لن يكون أي مستوى من التعويض كافٍ.
تُرى أيكون للقانون أثره في هذا المجال، أم أن للوعي البيئي الدور الأكبر؟
(متخصص في شؤون البيئة)