التراث الفلسطيني في مواجهة الاحتلال

التراث الفلسطيني في مواجهة الاحتلال

23 مارس 2022
التراث الفلسطيني يواكب الأفراح (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -

تعود أشكال الاحتفالات التقليدية القديمة بالأعراس الفلسطينية بقوة أكثر من أي وقت مضى. وحتى أفراح فلسطينيي دول الشتات باتت تشهد إحضار ثوب تراثي فلسطيني مطرّز وشال باللون الأبيض الذي يعبر عن الفرح، وارتداء الرجل كوفية على لباس يتضمن قميصاً وبنطلوناً أبيض ورمادياً، أو قمبازاً مع كوفية فلسطينية على الكتف.
في فلسطين المحتلة، يعتبر كُثر هذه المظاهر خطوة لتأكيد تمسك الفلسطينيين بالتراث والعادات والتقاليد القديمة، خصوصاً في ظل محاولات الإسرائيليين "سرقة" الثوب الفلسطيني وبعض التقاليد الفلسطينية عبر زعم أنها من تراثهم. 
في مطلع فبراير/ شباط الماضي، تضمن عرس فيروز ضاهر (31 عاماً) في مدينة الرملة مراسم زفة تراثية استهلت أمام منزل جدها وصولاً الى حديقة منزل زوجها فادي زاهر (34 عاماً). وكما درجت العادات والتقاليد، ارتدت فيروز الثوب المطرز الفلسطيني، وزوجها القمباز مع وضع الكوفية على كتفه.
لكنّ بعض الإسرائيليين سخروا من شكل الزفة حين شاهدوها. وتوضح فيروز لـ "العربي الجديد" أنّ "إسرائيليين وصفوا زيّها في العرس بأنه متخلف، ما عكس عنصريتهم ومحاولتهم سرقة التراث الفلسطيني باعتباره جزءاً من تراثهم. لكن بهجتنا كبيرة باعتماد هذه المظاهر في أعراسنا داخل فلسطين".
وفي قطاع غزة، أقامت الناشطة الاجتماعية وباحثة الدكتوراه في علم الاجتماع والتدخل المجتمعي، حلا شومان (28 عاماً)  وزوجها الطبيب إيهاب صالح (28 عاماً) عرساً تراثياً في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وشاركا تفاصيله مع الجميع وسط تشجيع وقبول للفكرة.
وتقول حلا لـ "العربي الجديد": "قررنا إقامة عرس فلسطيني تقليدي رغبة في العودة لأصلنا والحفاظ على هويتنا وتراثنا. وقد شعرنا بالاغتراب من نماذج الأفراح الغربية المقامة في بلادنا التي لا تعبر عن هويتنا الوطنية وتراثنا الغني بالميراث الشعبي عميق. والاحتفال بهذا الشكل يعني استعادتنا الشكل القديم لأفراحنا القديمة من دون التأثر بأنماط الأفراح الغربية التي تعني التحضر للبعض". 
واختارت حلا ثوباً متعدد الألوان والنقشات من مدن فلسطينية مختلفة ومهجّرة، بهدف توحيد الماضي والظروف التي مرر بها الفلسطينيون. وارتدت النساء أثواباً قديمة في العرس والرجال كوفيات فلسطينية. 
ويقول صالح لـ"العربي الجديد" أنه طالب مع زوجته الحاضرين بارتداء أثواب تقليدية بقدر الإمكان، فتواجدت نحو 70 امرأة بلباس تقليدي، ودمجت بعضهن التطريز التراثي ضمن أزياء حديثة، وبحثت أخريات عن الملابس والأغاني رغبة منهن بالعودة العرس الفلسطيني التراثي، ومحاولة نقل هذه الثقافة إلى أفراحهن المقبلة.

يتابع: "كان العرس جميلاً ومبهجاً. أدخل السعادة إلى قلوبنا، وأعاد إلى أهلنا ذكريات الماضي. الفقرات التراثية الفنية جسّدت حياتنا وشخصيتنا الوطنية، وشملت الموسيقى أهازيج تراثية وغناءً جماعياً وزغاريد جماعية للنساء، وأغاني رحبت بالضيوف، وأخرى فلسطينية تقليدية مثل علّي الكوفية لمحمد عساف وأغاني دلال أبو آمنة التراثية، ورقصات دبكة وفرقة زفة تراثية قديمة".
وفي العاصمة الإيطالية روما، أقام سام علي (35 عاماً) مراسم عرس فلسطينية تقليدية بعدما اتفق مع زوجته الايطالية بيلا على أن تتعرف على التراث الفلسطيني من خلال البحث عن أغان فلسطينية انجذبت إليها. وتعود أصول علي إلى مدينة المجدل، لكنه لم يزر فلسطين في حياته بعدما عاش في الأردن وإيطاليا، من دون أن يمنع ذلك تعلّقه بالتراث الفلسطيني القديم.

الأحصنة حاضرة في الأعراس الفلسطينية (ماركو لونغاري/ فرانس برس)
الأحصنة حاضرة في الأعراس الفلسطينية (ماركو لونغاري/ فرانس برس)

وقد فوجئ كثر من أصدقاء العروسين بزيهما، علماً أن أصدقاء العريس ضمن الجالية الفلسطينية في إيطاليا أقاموا زفة "كنت أعزب داير". أما أسرة علي فشاركت في العرس عبر تطبيق "زوم" من داخل منزل أسرته في العاصمة الأردنية عمّان. ويقول علي لـ "العربي الجديد": "استطعت تحقيق حلمي بأن أُزَف على الطريقة الفلسطينية، وشعرت أن فلسطين تحيا في داخلي، رغم أنني لم أزرها في حياتي".
أيضاً، لم يشعر أياد السلطان (35 عاماً) بأنه غريب عن وطنه عندما احتفل بزفافه على زوجته السورية لبنى عطية (28 عاماً) بالطقوس التراثية ذاتها داخل مدينة مالمو السويدية مطلع مارس/ آذار الجاري، علماً أن زوجته نشأت قرب أسر فلسطينية داخل سورية، وتعرف عاداتها وتقاليدها قبل أن تهاجر مع عائلتها إلى السويد عام 2012. 

أما السلطان فكان هاجر إلى السويد بعد العدوان الإسرائيلي الثالث على غزة عام 2014، وواجه حتى وصوله الموت والغرق على حدود سواحل اليونان، وهو يعمل حالياً مبرمجاً للتطبيقات الذكية، في حين تزاول زوجته مهنة التعليم. وهو كان يحلم بأن يزف داخل مدينة غزة، لكن ظروف العدوان الإسرائيلي العام الماضي وعدم استقرار الظروف السياسية أحبطت آماله.
وبعدما قرر أصدقاءه والجالية الفلسطينية في السويد تحقيق حلم تنفيذ زفة فلسطينية له، ارتدت زوجته الزيّ التراثي القديم الذي أرسلته والدته لها من قطاع غزة وهو مطرز يدوياً. ويقول السلطان لـ "العربي الجديد": "عشت تفاصيل العرس التراثي من أغان وطنية التي تنقل حب الأرض، وشاركت بإحياء فرقتي دبكة وزفة استمدتا أدوات تنوعت بين طبلة ودف وشبابة، فلسطين حاضرة، حتى لو توجهنا الى القطب الجنوبي".

المساهمون