استمع إلى الملخص
- العوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثل الفقر والبطالة، والتوترات المجتمعية، تساهم في انتشار التدخين، بينما تواجه النساء المدخنات نظرة سلبية في المجتمعات المحافظة.
- تتضمن جهود الحكومة منع بيع التبغ لغير البالغين، حظر إعلانات السجائر، وتقديم الدعم الطبي، مع تشجيع استخدام بدائل النيكوتين بأسعار رمزية.
رغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ركن أساسي في حملة الإقلاع عن التدخين في بلده لبناء مجتمع سليم وصحي، تظل نسبة المدخنين "مخيفة" وتتسبب في آثار صحية واقتصادية ومجتمعية مؤذية. ولا يرى الجامعي إيمري (20 عاماً) أي مشكلة في التدخين في شكل مفرط، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أؤذي أي شخص ولا أسيء إلى أحد. التدخين حالة خاصة ومسألة شخصية، والحملات الرسمية لمحاربته وتقييد تعاطيه في الأماكن العامة والمغلقة، وحتى معالجة إدمان التدخين مجاناً مبالغ بها قليلاً، كما أن رفع أسعار التبغ باستمرار ليس حلاً لأن المدخن يشتري أو يلجأ إلى أنواع أقل جودة، وأنا أشتري تبغاً بأسعار رخيصة بعد رفع سعر العلبة إلى نحو 75 ليرة (نحو دولارين).
وتقول زورا (38 عاماً) التي تعمل في متجر بإسطنبول لـ"العربي الجديد": "أدخن باعتدال لأسباب مالية أكثر منها صحية، والعادة موجودة في حياتي منذ فترة طويلة، وهي سيئة لكنني نشأت في أسرة تدخن (أمي وأبي وجدتي)، وأرفض انتقاد تدخين المرأة باعتبارها امرأة".
وترى أن التدخين "هروب من أعباء الحياة"، لكنها تعترف بآثاره الصحية السلبية على المدخن والمحيط، "لذا لا أدخن داخل المنزل كي لا يتأثر أطفالي أو يأخذوني قدوة للتدخين لاحقاً".
وفي ظاهرة قد تكون لافتة باعتبار أن غالبية المجتمع محافظة، تعادل نسبة المدخنات في تركيا تلك للرجال. وتقول الستينية ألارا خلال تدخينها على مقعد في شارع بمنطقة اسكودار في القسم الآسيوي لإسطنبول لـ"العربي الجديد": "أدخن منذ زمن طويل رغم أنني أصبت بأمراض وعلل، وأنا لن أترك التدخين لأنه يُريحني ويشعرني بسعادة، وأرى أن رفع أسعار السجائر في تركيا يزيد الفقر والمصروف، ولا يؤدي إلى الإقلاع عن التدخين".
وتتعدى نسبة النساء المدخنات في تركيا 30%، ويتمثل الخطر في تدخين نسبة 8% من الحوامل، في وقت إن المعدل العالمي للنساء الحوامل اللواتي يُدخنّ يبلغ 1.7% بحسب ما يقوله الباحث في مركز "أكوبلتيك" بإسطنبول، إسلام أوزجان لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "التدخين عادة سيئة وخطرة تستحق الدراسة والمعالجة ورغم الحملات المستمرة وطرق معالجة إدمان التدخين في تركيا، وتقديم أدوية مجاناً، وتخصيص أجنحة كاملة للعلاج في المستشفيات، تشير الإحصاءات إلى أن 25% من الأتراك يدخنون، وهذه نسبة "مخيفة"، وحلول مواجهة هذه العادة لا تتمثل في رفع الضريبة على التبع إلى 53%، لأن المدخن يلجأ إلى تبغ سعره رخيص وذي ضرر أكبر، أو إلى السجائر الإلكترونية التي تحتوي مواد كيميائية أكثر سمّية. كما ليست الحلول في تقييد سلوك المدخنين عبر منع السجائر في الأماكن العامة والمغلقة، وتنفيذ حملات إعلامية للتوعية، وعرض نماذج عمّا يفعله التبع في أجسام المدخنين والأمراض التي تصيبهم، وبينها الجلطات المميتة والسرطان. وللأسف تمتد العادة إلى جيل الشبان الصغار".
وفي شأن أسباب زيادة عدد المدخنين في تركيا، يرى أوزجان أنها اقتصادية، "فكلما زادت نسبة الفقر والبطالة ارتفعت نسبة المدخنين، كما تلعب التوترات المجتمعية وحتى السياسية دوراً حتى في شكل غير مباشر في نشر العادة، علماً أن التدخين، حتى للسيدات، عادة غير مذمومة في مجتمعات المدن الكبرى، فيما هناك نظرة سلبية للسيدة المدخنة في المجتمعات المحافظة والمدن الصغيرة، لكن ذلك لا يمنعهن من التدخين حتى بالخفاء".
ويقول الطبيب محمد الجزار لـ"العربي الجديد": دفعت زيادة عدد المدخنين والأمراض السلطات منذ عشرين عاماً إلى زيادة حملات التوعية ومواجهة هذه العادة، فتركيا تمنع بيع التبغ لغير البالغين، ومن يخالف هذا الأمر يُعاقب بالسجن. كما تحظر إعلانات السجائر والتدخين بالأماكن المغلقة والمطاعم والمقاهي، والأهم أنها تطبق خططاً لمساعدة المدخنين على ترك العادة، وتتكفل وزارة الصحة بتزويد المدخنين مجاناً أو بأسعار رمزية مواد طبية بديلة عن مادة النيكوتين للتخلص في شكل تدريجي من إدمان السجائر، كما تخصص الرقم 182 لمن يريد مساعدة في الإقلاع عن التدخين عبر تحديد موعد في المستشفى لإجراء فحوصات دم وقلب وشرايين تمهيداً لوصف العلاج. ويُقدم كل ذلك مجاناً أو في شكل شبه مجاني، لأن الرئيس رجب طيب أردوغان من أشد معادي التدخين، ويوصي دائماً بمحاربة العادة، وتقديم كل شيء يساعد المدخنين على الإقلاع".
وتكثف تركيا حملاتها لمحاربة التدخين مع اقتراب اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ في 31 مايو/ أيار الجاري، وتفرض هذا العام استخدام مصنعي السجائر عبوة واحدة لا تتضمن شعارات ترويج. وتحتل التحذيرات الصحية 85% من حجم عبوة السجائر في تركيا، إضافة إلى صور السرطانات والأمراض المنفّرة، وهي تشمل أيضاً مبيعات القصر التي تعاقب بالسجن.
وفي كلمة ألقاها أخيراً خلال مشاركته في منتدى الاتحاد الدولي للهلال الأخضر الذي استضافه مركز أتاتورك الثقافي في مدينة إسطنبول، قال أردوغان: "ستواصل تركيا بكل تصميم مكافحة جميع أشكال الإدمان والتصدي لكل الآفات التي تضر بصحة الشعب وسلامة المجتمع. استطاع الشعب التركي المناضل دحر المخطط الخبيث لنشر الإدمان بهدف إضعاف المجتمع وكسره من الداخل، وساهمت برامج جمعية الهلال الأخضر بشكل كبير في مكافحة الإدمان وبناء مجتمع صحي".
ويُعرف عن أردوغان كرهه للتدخين وتشجيعه الرياضة. وفي كل مرة يصادف فيها مواطناً يدخن يحاول أن يقنعه بالعزوف، ويأخذ منه وعداً بذلك، ثم يكتب اسمه على علبة السجائر مدوناً التاريخ الذي أقلع فيه هذا المواطن عن التدخين.
وسبق أن استقبل أردوغان أشخاصاً أقلعوا عن التدخين في القصر الرئاسي بأنقرة حيث توجد خزانة كبيرة تتضمن علب سجائر أخذها أردوغان من مدخنين بعدما وعدوه بالإقلاع عن العادة ووقعوا على العلب. وبعدما ضاقت هذه الخزانة بعلب التبغ نظمت أنقرة العام الماضي معرضاً لها في صالة بمقر الرئاسة بشعار "وعد من أجل الحياة".
وعادت بعض علب السجائر في المعرض إلى وزراء ومسؤولين ومستشارين وأقرباء لأردوغان، وحتى لمسؤولين أجانب أحدهم وزير الخارجية البلغاري السابق دانيال ميتوف. كما احتوى المعرض على مقاطع فيديو للحظات إقناع أردوغان المواطنين بالإقلاع عن التدخين. منها تسجيل مع المذيعة الشهيرة نازلا تشيلك التي أقنعها أردوغان بترك التدخين على متن طائرة كانت في طريقها إلى قمة التعاون الاقتصادي، وعلبة أخرى أخذها أردوغان حين نزل من موكبه ليقنع سائقي الحافلات بترك التدخين أمام قصر يلدز في إسطنبول.