البطاقة التموينية... عراقيون يُحرَمون من المساعدات

البطاقة التموينية... عراقيون يُحرَمون من المساعدات

28 مارس 2021
يعاني بعض المواطنين بسبب ارتفاع سعر الدولار (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

في وقت يُطالب الشارع العراقي بدعم البطاقة التموينية الشهرية وتحسينها، أقدمت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على إيقافها لشرائح معينة من المجتمع، الأمر الذي أثار ردات فعل غاضبة، وخصوصاً أن القرار تزامن مع تقارير ارتفاع معدلات الفقر في البلاد، بسبب تفشي جائحة كورونا، والتي أثرت على القطاع الخاص بشكل كبير. في عام 1991، اعتمد العراق على البطاقة التموينية لمواجهة تداعيات الحصار الاقتصادي الذي فرض عليه، عقب حرب الخليج الأولى، الأمر الذي ساهم في الحد من تفشي الفقر في البلاد. والبطاقة التموينية كانت عبارة عن برنامج توزيع مواد غذائية بأسعار رمزية للعائلات العراقية، ويضم ما يزيد عن عشر مواد تشمل الدقيق والبقوليات والسمن والسكر والشاي والأرز بالإضافة إلى المنظفات، وتوزع بحسب عدد أفراد العائلة. وبعد عام 2003 واحتلال العراق، واصل العراق العمل بهذا النظام، إلا أن الفساد الذي ضرب مؤسسات الدولة تسبب في انكماش البرنامج واقتصاره على ثلاث مواد أو أربع شهرياً. وفي بعض الأحيان، لا تصل هذه المساعدات إلى المناطق البعيدة والنائية، فضلاً عن رداءة النوعيات التي يتم تجهيزها. ومؤخراً، أوصى مجلس الوزراء العراقي وزارة التجارة بمنع "مفردات" (مواد) البطاقة التموينية عن مجموعة من الفئات التي وصفها بـ "غير المحتاجة"، بدءاً من شهر يونيو/ حزيران المقبل، ومن بينها العائلات التي يزيد دخلها الشهري عن مليون ونصف المليون دينار عراقي (نحو ألف دولار).
وتُمنع المفردات التموينية عن مجموعة من الفئات، كأفراد الأسرة غير المتزوجين الذين يزيد دخلهم الشهري عن 1.5 مليون دينار، ونزلاء السجون المركزية (إلى حين الإفراج عنهم)، والمقاولون أصحاب التصنيف من الدرجة السادسة، وأصحاب الشركات المسجلين في دائرة تسجيل الشركات - وزارة التجارة (سواء أكانوا مدراء أم مساهمين)، والمسجلين في اتحادات الغرف التجارية حتى الدرجة الثانية، والصناعات حتى الفئة الثالثة، واتحاد رجال الأعمال، فضلاً عن نقابة الأطباء، وأطباء الأسنان، ونقابة الصيادلة، والمسافرين خارج العراق. وفي وقت ترى الحكومة أن أحوال هؤلاء المادية جيدة، يقول مواطنون إن القرار كان مجحفاً وظالماً بحقهم، إذ أن راتب المليون ونصف المليون دينار لا يكفي بعض الأسر، في حين أن العديد من العائلات الفقيرة تحتاج إلى حصص أفرادها المسجونين أو المسافرين.
من جهته، يقول طه الزويني، وهو وكيل معتمد لتوزيع مفردات البطاقة التموينية، إنّ القرار "ظلم عدداً كبيراً من العائلات"، مضيفاً في حديث لـ "العربي الجديد" أنه بعد اطلاعه على أوضاع مئات العائلات، فإن "القرار سيلحق الضرر بعدد كبير منها". يضيف: "هناك أسر فقيرة ولديها أبناء مسجونين وتعتمد في معيشتها على صدقات الآخرين. فكيف يتم قطع حصص أبنائها التي تستفيد منها الأسرة؟".

أطفال عراقيون يحصلون على الطعام (زياد العبيدي/ فرانس برس)
أطفال عراقيون يحصلون على الطعام (زياد العبيدي/ فرانس برس)

من جهته، يقول الخبير القانوني حسين الشويلي، إنّ القرار يلحق ضرراً بالغاً بعدد غير قليل من المواطنين، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن "القرار لم يراع الفئات الفقيرة وساوى بين الجميع وفقاً للراتب وهذا خطأ فادح. ولدى الاطلاع على المسوغات، نجد أنها في الغالب غير مدروسة". يضيف: "حصة الأسرة الواحدة من المواد التموينية مبنية على عدد أفرادها. فكلّما زاد عدد الأفراد زاد عدد الحصص. في القرار الجديد على سبيل المثال، فإن المسافر خارج العراق تقتطع حصته من المفردات التموينية، وبالتالي لن تستلم عائلته حصته حتى يعود، ومنهم طلاب يدرسون خارج البلاد. وفي حين أن هناك أفراد يعيشون في محافظات أخرى ويقيمون فيها لفترات طويلة بسبب العمل أو لأسباب أخرى، ويبقون لفترات طويلة قد تمتد إلى عام وأكثر، إلا أنهم غير مشمولين بالقرار. وتبقى أسرهم تستلم حصصهم التموينية. وهذه إحدى العثرات التي تؤكد أن القرار لم يدرس بصورة صحيحة".
ويرى الشويلي، أن القرار الذي اعتمد على الرواتب كأحد مقاييس حاجة الأسر من عدمها، لم يشمل عدداً كبيراً من الأثرياء وميسوري الحال كونهم لا يحصلون على رواتب من الدولة، وليسوا مسجلين كتجار، ولكن لديهم مصالح تدر عليهم أرباحاً كبيرة. 

واستغرب مواطنون هذا القرار، بل رأوا أنه يتوجب على الحكومة زيادة المواد التي تتضمنها البطاقة التموينية، على اعتبار أن هذا القرار حرم فئات واسعة منها في وقت شهدت الأسعار ارتفاعاً بسبب خفض الحكومة قيمة الدينار مطلع فبراير/ شباط الماضي، في محاولة للتمكن من دفع رواتب الموظفين بعد تسجيل أسعار النفط انخفاضاً حاداً إثر تداعيات فيروس كورونا.
ويقول عبد الله العامري، وهو موظف حكومي يتقاضى مليون و750 ألف دينار عراقي (نحو 1200 دولار)، إنّ راتبه لا يكفيه لتأمين متطلبات أسرته منذ انخفضت قيمة الدينار وزادت الأسعار، مضيفاً أن القرار الجديد المرتبط بمفردات البطاقة التموينية سيشمله، الأمر الذي سيفاقم من مشكلته. 
يضيف لـ "العربي الجديد" أنه ينفق أكثر من نصف راتبه على بدل إيجار المسكن واحتياجات أطفاله للتعليم وفواتير الإنترنت ومولد الكهرباء، ونصف الراتب المتبقي لتأمين الاحتياجات الغذائية لشهر واحد. ويؤكد أنه "في حال المرض، سأضطر إلى الاستدانة لدفع تكاليف الأطباء. فكيف تحسبني الحكومة غير محتاج لمفردات البطاقة التموينية التي تساهم في توفير بعض المواد التي سوف أضطر إلى شرائها؟". العامري، مثل كثيرين تحدثوا لـ "العربي الجديد"، يتهمون حكومة بلادهم بالفساد، ويتساءلون عن مصير عقود بمليارات الدولارات لشراء مفردات البطاقة التموينية.
ومن بين هؤلاء، حميد غازي، وهو موظف شمله قرار حجب مفردات البطاقة التموينية. يقول لـ "العربي الجديد": "لا داعي للحديث عن الفساد الحكومي. نراه علانية في كل مكان. يكفي لمن لا يعرف شيئاً عن صفقات الفساد أن يبحث في مواقع عبر الإنترنت، وستكون أمامه أدلة واعترافات لا حصر لها. لكن لا أحد يحاسب الفاسدين والخراب يقع فوق رؤوسنا".

عراقي يعاني لتأمين الرزق (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
عراقي يعاني لتأمين الرزق (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

غازي الذي يتقاضى مليون و600 ألف دينار (نحو 1094 دولار)، يقول إن راتبه لا يكفيه لتأمين متطلبات أسرته منذ ارتفعت الأسعار بعد تخفيض سعر العملة، مشيراً إلى أن "مفردات البطاقة التموينية، على الرغم من قلتها، تدعم الأسرة لأيام عدة في الشهر". يضيف: "ارتفعت الأسعار إلى الضعف، واضطررت إلى العمل بعد أوقات الدوام الرسمي في معمل لصناعة الحلويات. أتقاضى 10 آلاف دينار (نحو 6 دولارات) بدل أجرة عمل لأربعة ساعات في اليوم. بالنسبة إلي، أتمتع بصحة تعينني على العمل الإضافي. لكن بعض زملائه الذين شملهم القرار كبار في السن، في وقت يعاني آخرون من أمراض لا تعينهم حالتهم الصحية على العمل ساعات إضافية.
وتفيد أحدث الإحصائيات الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية، بأن جائحة كورونا والأزمة المالية التي تشهدها البلاد، جعلتا أكثر من مليون ونصف المليون عراقي تحت خط الفقر.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن 10 في المائة من العراقيين لا يملكون طعاماً يكفيهم، مشيراً إلى أن تخفيض قيمة العملة المحلية أمام الدولار أدى إلى ارتفاع سلة الغذاء بنسبة 14 في المائة. وشهدت أسعار السلع ارتفاعاً منذ ديسمبر/ كانون الأول 2020، بعدما وصل سعر صرف العملة المحلية بقرار حكومي إلى مستوى قياسي متدن، 1460 ديناراً في مقابل الدولار، بعدما كان يتراوح بما بين 1200 و1221 ديناراً طوال السنوات الماضية.
وبررت وزارة المالية العراقية قرار خفض قيمة الدينار بمواجهة الأزمة المالية التي تتعرض لها البلاد، إثر تراجع أسعار بيع النفط في الأسواق العالمية، بسبب تداعيات فيروس كورونا.

المساهمون