البث المباشر ملاذ عائلات لتوفير كلفة العلاج في الصين

10 مارس 2025
يدعم البث المباشر عائلات مرضى ومعوقين، 16 فبراير 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تلجأ شي دو للبث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات لعلاج ابنها المصاب بشلل كامل، حيث تعاني الأسر من تكاليف طبية باهظة تصل إلى 7000 دولار للإقامة في العناية المركزة.
- تواجه شي دو تحديات نفسية واجتماعية أثناء البث، مثل التعليقات السلبية، لكنها تستمر لتحقيق هدفها وتأمين تكاليف العلاج، وتستفيد من التواصل مع أمهات أخريات لتبادل النصائح.
- يشير الخبراء إلى أن البث المباشر يوفر فرصة للأسر المحتاجة، لكنه يتطلب جهداً ويواجه تحديات، مع دعوات لدعم هذه الأسر من قبل المجتمع المدني والحكومة.

في وقت متأخر من الليل، تجلس شي دو بجوار سرير في مستشفى، ويظهر خلفها طفلها ممدداً لا يقوى على الحركة. تضبط اتجاه الكاميرا ليراها المتابعين، ومن وقت إلى آخر تنهض لتفقد حالة الصبي، أو ترتيب أكواب المياه والمناديل والأدوية على طاولة السرير. وخلال البث المباشر تحرص على التواصل مع جمهورها الصغير، وتشرح أن الطفل لا يستطيع الوقوف، ويقول الأطباء "إنه سيظل على كرسي متحرك لبقية حياته".
شي دو، واحدة من عشرات النساء اللواتي لجأن إلى البث المباشر لإعالة أطفالهن المصابين بأمراض مزمنة مثل الإعاقة الجسدية أو العقلية، فالتكاليف المرتفعة لرعاية شخص مصاب بالنخاع الشوكي على سبيل المثال قد تكون مدمرة للأسر العادية، إذ تكلف الإقامة لمدة ثلاثة أيام فقط في وحدة العناية المركزة نحو 7000 دولار تعادل تقريباً الدخل السنوي لبعض الأسر الفقيرة. ويسعى هؤلاء النساء عبر مشاركة معاناة أبنائهن مع المتابعين إلى كسب التعاطف وجمع التبرعات اللازمة لتغطية تكاليف العلاج والرعاية الطبية.
تتحدث شيه دو لـ"العربي الجديد" عن أن ابنها البالغ ثماني سنوات تعرض لحادث سير قبل عامين، وأصيب بشلل كامل بعدما تهشّم عموده الفقري وفقد قدرته على الحركة، كما يواجه صعوبة في النطق. وبعد الحادث لم تستطع دفع تكاليف علاجه الباهظة لأن مرتب زوجها بالكاد يكفي لتغطية نفقات المعيشة، فقررت العمل بدوام جزئي (ليلاً) لكنها لم تستمر سوى ثلاثة أشهر لأن ما كانت تجنيه من أموال لم يكن يكفي لتغطية تكاليف الحفاضات لابنها المقعد. وبعد فترة من الحيرة نصحتها إحدى صديقاتها أن تلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات من خلال تعاطف مستخدمي الإنترنت مع قصة ابنها، على غرار قصص أخرى لأطفال آخرين يعانون من أمراض مشابهة.
وعن مشاعرها إزاء هذه الخطوة، تقول شي دو إنها لا تستطيع في كثير من الأحيان أن تتمالك نفسها وتنفجر من البكاء أثناء البث، خصوصاً حين تمر بعض التعليقات السلبية من المتابعين، مثل اتهامها بالتسوّل والمتاجرة بمعاناة طفلها. وتقول: "حتى في اللحظات التي أضعف فيها يتهمني آخرون بالتظاهر بالحزن لكسب المزيد من التعاطف، لكن ما يهمني في الحقيقة هو تأمين تكاليف العلاج، وإبقاء ولدي في بيئة صحية وآمنة".

ليس البث المباشر تجربة سهلة لذوي الإعاقات، 20 سبتمبر 2022 (Getty)
ليس البث المباشر تجربة سهلة لذوي الإعاقة، 20 سبتمبر 2022 (Getty)

وحول العائدات المادية من البث المباشر، توضح أن "هذا الأمر يتوقف على مدة البث. في بعض الأحيان أحصل على 500 يوان صيني (70 دولاراً) في بث لمدة ثلاث ساعات. وفي المتوسط أحصل على 200 دولار يومياً، وفي احدى المرات حصلت على 3500 يوان صيني (500 دولار) في يوم واحدة، وهذا مبلغ جيد يكفي لتسديد تكاليف العلاج اليومي".
ويلفت شيه دو إلى أن أهم ما كسبته مع البث اليومي هو التعرف إلى أمهات أخريات يعانين من نفس المشكلة، وتقول: "نتبادل التجارب في شأن كيفية رعاية أبنائهن ونصائح التدريب وإعادة التأهيل، وأيضاً خبرات في مجال البث المباشر، مثل طرق رفع عدد المتابعين وكسب التعاطف والمحاذير التي يجب أن نتجنبها في التعامل مع التعليقات السلبية وفضول بعض المستخدمين الذكور الذين يركزون أكثر على التحرش بالأمهات من خلال التغزل بمفاتنهن".
ويقول أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة شينزن، لي شانغ، لـ"العربي الجديد": "يوفر البث المباشر فرصة للهروب من قيود يفرضها المجتمع وبيئة العمل، لأنه يمثل تحرراً من كل الروابط الأسرية والاجتماعية. وتأتي هذه الخطوة من قبل الأسر المحتاجة بعد استنفاد جميع الوسائل المتاحة لطلب المساعدة التي تصطدم عادة بحواجز تتعلق بحياء ذوي المرضى واستغلال الجهات المانحة، أكانوا أشخاصاً أم مؤسسات. ويمكن أن يوفر البث المباشر عبر الإنترنت إمكانية الوصول إلى شبكات أمان وأشكال جديدة من الدعم تتجاوز القيود الجغرافية والطبقة الاجتماعية".

يضيف: "تواجه أمهات تحديات كبيرة في هذا العمل الشاق لأنه يتطلب الجلوس لساعات طويلة أمام شاشة الهاتف واللوحات الرقمية في استجداء المتابعين بطرق مختلفة، لكن غاياتهم نبيلة بطبيعة الحال، لذا لا بدّ من احترام خيارهن، فالإيرادات والعائدات المادية لا تكون دائماً كبيرة لكنهن يواصلن البث المباشر لأنهن يحتجن إلى جني المال في ظل صعوبة العثور على عمل يناسب أعمارهن، بدوام كامل وبمرتبات مجزية، ويواجهن أيضاً ضغوط الرعاية اليومية والفواتير المتزايدة".
ويشير إلى أن "هناك مسؤولية كبيرة على مؤسسات المجتمع المدني والدوائر الحكومية لتعزيز دعم هذه الأسر وتوفير شبكات أمان اجتماعية ممولة من الحكومة تمنع هذه الشريحة إلى سلوك يعتبره البعض تسوّلاً إلكترونياً، لأن تداعيات سلبية خطيرة توقع عدداً كبيراً من الشباب في شراك عمليات النصب والاحتيال من خلال استخدام أسماء مستعارة وحسابات وهمية من أجل كسب التعاطف وجني الأموال بهذه الطريقة السهلة".

المساهمون