الانتحار يهزّ المجتمع الكويتي

الانتحار يهزّ المجتمع الكويتي

18 يناير 2022
الضغوط النفسية والاجتماعية ترهق كثيرين وتدفعهم إلى الانتحار (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

تسجّل الكويت تزايداً في حالات الانتحار بين السكان، ومعظم المقدمين على وضع حدّ لحياتهم من الشباب والبدون إلى جانب  الوافدين. وقد وصل عدد الذين أقدموا على وضع حدّ لحياتهم ما بين شهرَي يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2021، إلى 120 حالة انتحار، بمعدّل 12 حالة شهرياً وهو "رقم كبير" بحسب ما يفيد متخصّصون نفسيون "العربي الجديد".
وقد أتت حوادث انتحار شبان كويتيين بسبب أزمات نفسية عانوا منها من دون تلقّيهم العلاج النفسي اللازم، بالإضافة إلى انتحار مراهقة كويتية بسبب التنمّر عليها بناءً على ملامحها الآسيوية التي ورثتها عن والدتها، إلى جانب إقدام عدد من البدون على التخلص من حياتهم، لتهزّ المجتمع الكويتي. وهو ما دفع إلى المطالبة بضرورة دراسة حالات الانتحار ومحاولة الحدّ منها، في وقت تحوّل فيه "جسر جابر" وهو الجسر الذي يربط ضفّتَي جون الكويت البحري بعضهما ببعض إلى رمز للانتحار بسبب لجوء عدد من الراغبين في إنهاء حياتهم إليه ومحاولتهم الإلقاء بأنفسهم من على هذا الجسر، الأمر الذي دعا الشرطة إلى تسيير دوريات أمنية لمنع هؤلاء من القفز عنه.

يقول ناشط من البدون فضّل عدم الكشف عن هويّته لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة 13 حالة انتحار في مجتمعنا، إحداها لطفل في الثانية عشرة من عمره. وقد أدّى انتحاره إلى موجة استنكار من منظمات حقوق الإنسان، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي يعاني منها البدون نتيجة للتضييق الذي يعمد إليه الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية ضدّهم، من منع إصدار وثائق وهويات بالإضافة إلى منع التوظيف والتعليم". يضيف الناشط نفسه أنّ "محاولات الانتحار تتزايد. وقد ألقت السلطات الأمنية القبض على شاب حاول إحراق نفسه أخيراً وبثّ ذلك عبر الإنترنت بشكل مباشر، احتجاجاً على أوضاعه المعيشية وعدم قدرته على تدبير عمل، في منطقة تيماء بمحافظة الجهراء شمالي الكويت".
ويعاقب القانون الكويتي من يحاول الانتحار ومن يساعد شخصاً أقدم على الانتحار، وفقاً للقانون الجزائي الذي تنصّ المادة 158 منه على أنّ "كلّ من حرّض أو ساعد أو اتّفق مع شخص على الانتحار، فانتحر، يعاقب بالحبس مدّة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية (عملة كويتية قديمة) أو بإحدى هاتَين العقوبتين". 
ولا يقتصر الأمر على البدون فحسب، بل يمتدّ ليطاول المواطنين الكويتيين والوافدين. وقد انتحر شاب وشابة بحادثتَين منفصلتَين قبل نحو أسبوعَين، بسبب معاناتَيهما من ضغوط نفسية واجتماعية وفق ما نقلت صحف محلية. وأقدم الشاب على الانتحار شنقاً في منطقة النعيم بمحافظة الجهراء، فيما انتحرت الشابة بواسطة بندقية صيد بدائي في سيارتها بالعاصمة الكويت.

تظاهرة بدون في الكويت (ياسر الزيات/ فرانس برس)
يكثر الانتحار بين البدون الذين لا يوفّرون مناسبة للمطالبة بحقوقهم (ياسر الزيات/ فرانس برس)

كذلك اكتشف السلطات الأمنية جثثاً في أماكن متفرّقة لوافدين أقدموا على الانتحار نتيجة سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية، في أثناء الحظر الكلي وكذلك الجزئي اللذَين فرضتهما السلطات المحلية. وفي هذا الإطار، قال رئيس لجنة الشكاوى والتظلمات في الديوان الوطني لحقوق الإنسان بالكويت علي البغلي في تصريحات سابقة إنّ الديوان يعمل على "دراسة منهجية تهدف إلى التعرّف على الأسباب الدافعة للانتحار وتحديد السلوك الانتحاري للأفراد، تحديداً في خلال وبعد جائحة كورونا، وذلك انطلاقاً من اختصاص الديوان في إعداد الدراسات والآليات التدريبية والتوعوية في إطار نشر ثقافة حقوق الإنسان". وأوضح البغلي أنّ الديوان يعمل بالتعاون والتنسيق مع جهات رسمية عدّة كوزارات الداخلية والعدل والصحة والشؤون الاجتماعية، وجهات بحثية وأكاديمية كجامعة الكويت، ومكتب الإنماء الاجتماعي، والجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية.
وفي سياق متصل، يقول الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت خليل خالد لـ"العربي الجديد" إنّ "حالات الانتحار تُسجَّل في الكويت منذ فترة طويلة، وهي عرض من أعراض المجتمعات الحديثة التي يشعر فيها الفرد بالغربة، بالإضافة إلى عدم توفّر ثقافة العلاج النفسي التي يراها كثيرون عيباً. كذلك فإنّ الراغبين في العلاج النفسي لا يستطيعون تحمّل الكلفة العالية للعلاج في العيادات الخاصة، خصوصاً أنّ هؤلاء بمعظمهم هم من الوافدين أو ذوي المداخيل الضعيفة من مجتمع البدون". ويؤكد خالد أنّ "الانتحار تحوّل إلى ظاهرة في السنوات الأخيرة بالكويت، خصوصاً مع إشارة الإحصاءات الصادرة حديثاً إلى أنّ عدد حالات الانتحار في الكويت ارتفع في عام 2021 بنسبة 60 في المائة عمّا كان عليه في عام 2020، وهو رقم يثير أسئلة كثيرة ويدفع إلى البحث بجدية في أسباب تزايد تلك الحالات".
من جهته، يقول أستاذ الطب النفسي في جامعة الكويت سليمان الخضاري لـ"العربي الجديد" إنّ "حالات الانتحار تحدث بسبب الاكتئاب الشديد واستخدام المواد الممنوعة والمخدّرة"، مضيفاً أنّ "محاولة البعض الانتحار تستلزم علاجاً نفسياً سريعاً لهم لأنّ الدراسات تشير إلى أنّ من يحاول الانتحار سوف يعاود الكرّة مرّة أخرى".

وينتقد ناشطون وقانونيون الضغط الذي يمارسه بعض نواب مجلس الأمة لإبعاد الوافدين الذين يملكون ملفات في مجال الصحة النفسية بالكويت. وقد استغرب النائب بدر الحميدي هجوم الأطباء المتخصصين في الأمراض النفسية والعقلية عليه، بعد مطالبته بإقرار قانون لإبعاد أيّ وافد يملك ملفاً في الطبّ النفسي، مؤكّداً أنّه يريد معاملتهم مثل معاملة المصابين بالأمراض السارية الذين يُبعدون عن البلاد. ويؤكد أطباء اختصاصيون أنّ إبعاد الوافدين من أصحاب تلك الملفات، سوف يؤدّي إلى إحجام هؤلاء عن العلاج النفسي، الأمر الذي سوف يزيد المشكلات التي تؤدّي إلى الانتحار.

المساهمون