الاستيلاء على مبنى "المنجرة"... توسّع استيطاني جديد في الخليل
استمع إلى الملخص
- أكد بدر الداعور أن الاحتلال يستخدم ذرائع قانونية للسيطرة على المباني الفلسطينية، ويمنع عمل معهد تدريب مهني ممول من وكالة التعاون الدولي الإسبانية، مما يثير الشكوك حول نوايا الاحتلال.
- دعا وزير الثقافة الفلسطيني إلى مواجهة الاحتلال قانونياً، مشدداً على ضرورة حملة تضامن وطني لحماية الممتلكات ودعم صمود الأهالي.
تشهد مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية تصعيداً ملحوظاً في نشاط المستوطنين. وفي 20 يوليو/ تموز الماضي استولى الاحتلال الإسرائيلي على مبنى "المنجرة" الاستراتيجي عند مدخل البلدة القديمة للمدينة، ما قد يمهد لتوسّع استيطاني جديد يسرّع وتيرة تهويد المدينة.
ويقع المبنى الذي تزيد مساحته على 300 متر، في ساحة البلدية التي تعتبر واحدة من أقدم وأكثر المواقع حساسية في قلب البلدة القديمة للخليل، وهو ملاصق لمبنى بلدية الخليل القديمة في منطقة عين عسكر، لكنه يقع أيضاً قبالة مستوطنة "بيت رومانو" التي أنشئت نهاية سبعينيات القرن الماضي. أيضاً يحاول الاحتلال السيطرة على مبنى بلدية الخليل الذي أغلق أبوابه باستخدام "لحام أوكسجيني" في مايو/ أيار 2023 تمهيداً لتسليمه مع مبانٍ أخرى للمستوطنين، وتنفيذ مشاريع التهويد للسيطرة الكاملة على المنطقة المؤدية إلى الحرم الإبراهيمي والأحياء التاريخية.
وأكد رئيس لجنة البلدة القديمة في الخليل، بدر الداعور، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الاستيلاء أخيراً على مبنى المنجرة الذي يعود لعائلة ناصر الدين، يندرج ضمن مخطط استيطاني متصاعد يُنفذ بطريقة جنونية لطرد الفلسطينيين من المنطقة، ولا سيّما بعدما تكرر اقتحامه من قبل جيش الاحتلال برفقة ضباط ومهندسين ومقاولين إسرائيليين". ولفت إلى أنّ "المبنى يحتوي على معدات خاصة بمعهد للتدريب على مهنة النجارة، الذي كان قد جُهّز بدعم وتمويل من وكالة التعاون الدولي الإسبانية عام 2009".
وأشار إلى أنّ "تضييقات الاحتلال منعت استمرار عمل المركز خلال السنوات الأخيرة، لكنّ المبنى بقي على حاله، وعمل داخله مستأجر من عائلة أبو عيشة، قبل أن يتلقى في إبريل/ نيسان 2023 إخطاراً بإخلاءٍ المنجرة بعد اقتحامها".
وفي وقت يزعم فيه الاحتلال أنه يملك المبنى المستولى عليه، وهو عبارة عن طابق منجرة مشيّد على مبنى يملكه ناصر الدين ناصر الدين الذي ترأس بلدية الخليل في ثلاثينيات القرن الماضي، قال الداعور: "تملك عائلة ناصر الدين المبنى، حيث لم يمكث يوماً أي يهودي، وتثبت وثائق رسمية من زمن الانتداب البريطاني أن المبنى لعائلة ناصر الدين، لكن الاحتلال يستخدم قانون أملاك الغائبين للاستيلاء عليه". تابع: "ما يبرهن ذلك، أنّ المبنى المستولى عليه بُني قبل نحو 30 عاماً، ولا علاقة له بأي إرث يهودي كما يزعم الاحتلال. ويُظهر ذلك حجم التلاعب الإسرائيلي بالقوانين لتكريس السيطرة الاستيطانية، لكن الاحتلال لا يحتاج إلى ذرائع للسيطرة على شيء، وقد استخدم الذريعة الأمنية لفعل ذلك".
وانتقد الداعور حصول الاستيلاء في ظل الغياب التام لكل الجهات الرسمية والأهلية الفلسطينية، والذي وصفه بأنه "تقصير غير مبرر، إذ كنّا نأمل أن تتحرك المؤسسات فوراً، لكن أحداً لم يحضر رغم أنّ الجميع علم بما جرى. وعموماً، لم تتوقف الاقتحامات منذ عامين، إذ ينفذ جيش الاحتلال جولات صباحية ومسائية بشكل شبه يومي لمنطقة عين عسكر، كذلك أحضر أكثر من مرة مهندسين ومقاولين إلى الموقع، وأوهمنا بأن هناك خطة لبناء جسر هوائي بين سطح مبنى المنجرة ومدرسة أسامة بن منقذ المجاورة، التي تحوّلت سابقاً إلى مستوطنة دينية باسم (بيت رومانو)".
وتعتبر مستوطنة "بيت رومانو" واحدة من أربع مستوطنات في قلب البلدة التاريخية للخليل، وتضم مدرسة "يشيفا شافي حبرون" الدينية اليهودية التي يرتادها أكثر من 300 طالب، إضافة إلى موقع عسكري لقوات الاحتلال من أجل حماية المستوطنة والمستوطنين ومراقبة الفلسطينيين.
ويقع سطح المبنى المستولى عليه مقابل "بيت رومانو" التي يفصلها عن الأحياء الفلسطينية جدار يخضع لحراسة مشدّدة. وأكد الداعور أن "جولات استكشافية متكررة جرت داخل المبنى، بمشاركة مستوطنين ومهندسين ومقاولين إسرائيليين، من دون أي إعلان رسمي أو تبليغ للسكان المحليين بها، ما يزيد الشكوك بشأن ما يُحضَّر للموقع". وحذر من أن "الاحتلال يستغل غياب ووفاة المالكين الأصليين للعقارات القديمة للسيطرة عليها بحجة أنّ أصحابها غائبون، رغم أن قانون حارس أملاك الغائبين الذي أصدره الاحتلال الإسرائيلي في مارس/ آذار 1950، بعد انتهاء حكم الأردن على أراضي الضفة الغربية، اعتبر أنّ كل يهودي أو فلسطيني ترك أو هجر مكانه عام 1947 غائب". وعام 2006 قررت إسرائيل أن تكون أملاك الغائبين بحسب وضعها القائم، وهكذا لو صحّ ادعاء الاحتلال أن المبنى ضمن أملاك الغائبين، لا يحقّ له الاستيلاء عليه بحسب القانون الإسرائيلي".
وذكر الداعور أن "التوسع الاستيطاني وصل إلى قلب البلدة القديمة للخليل، والسيطرة على المبنى تهدد 7 محلات تجارية أسفله". وأشار إلى أنّ "غياب الرد الرسمي والمؤسساتي ترك المنطقة مكشوفة. وكان يفترض أن تتفقد المؤسسات الموقع فوراً، لكنها لم تفعل ذلك، باستثناء لجنة إعمار الخليل التي أصدرت بياناً يتيماً لا يكفي، فنحن نحتاج إلى عمل حقيقي لوقف الزحف الاستيطاني".
من جهته، أكد وزير الثقافة الفلسطيني، رئيس لجنة إعمار الخليل، عماد حمدان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "قضية مبنى المنجرة ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى سبع سنوات، ومرّت بمراحل نزاع قانوني أمام المحاكم الإسرائيلية، قبل أن يصدر قرار المصادرة قبل نحو عامين، لكن تأجّل تنفيذه حتى بداية أغسطس/ آب الجاري حين دخل حيز التنفيذ بالقوة". تابع: "تتطلب مواجهة الاحتلال أدوات عدة، ونحن نلجأ إلى القانون، رغم أننا نعلم أن الاحتلال لا يحتكم إليه، بل يستخدم قوة السلاح. وفي أحيان كثيرة يستغل الاحتلال الثغرات القانونية، ويزور وثائق كي يثبت أنه يسيطر على عقارات فلسطينية. وما يزيد خطورة هذه القضية، أنها تحدث في قلب المدينة التاريخية للخليل، وتحديداً عند مدخلها الرئيسي وسط منطقة سكنية فلسطينية مكتظة، ما يجعل الوجود الاستيطاني هناك جسماً غريباً يُمارس كل أشكال التضييق على المواطنين الفلسطينيين المجاورين".
وحذّر أيضاً من التبعات المباشرة لهذا الاستيلاء على حق الحركة والتنقل والسكن الآمن، "فوجود المستوطنين في هذا الموقع سيفرض واقعاً قاسياً على الفلسطينيين، ويزيد عزل البلدة القديمة ويُصعّب الحياة اليومية فيها". ويصف الخطوة بأنها "انتهاك صارخ للقوانين الدولية والإنسانية يندرج ضمن سياسات الاحتلال الممنهجة لفرض السيطرة الكاملة على البلدة القديمة، وتهويد أهم مواقعها الرمزية والتجارية والتاريخية". وشدد على أن القرار "حلقة جديدة في سلسلة الإجراءات التعسفية ضد الخليل القديمة"، ويُمهّد الطريق أمام المزيد من السيطرة الاستيطانية في واحدة من أقدس المناطق الفلسطينية وأعرقها، لذا يدعو إلى أوسع حملة تضامن وطني وشعبي من أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني، لحماية الممتلكات ودعم صمود الأهالي في وجه السياسات الظالمة التي تستهدف الوجود الفلسطيني".