الاحتلال يواجه "الهجرة الداخلية السلبية" بمخططات الاستيطان والتهويد

الاحتلال يواجه "الهجرة الداخلية السلبية" بمخططات الاستيطان والتهويد

23 سبتمبر 2022
القدس ما زالت تستقطب مجموعات أصولية ومتدينة (مصطفى الخاروف/ الأناضول)
+ الخط -

يشير تقرير صادر عن دائرة الإحصاء الإسرائيلية إلى تربّع مدينة القدس المحتلة على رأس قائمة المدن التي تشهد "هجرة داخلية سلبية"، بحسب تقديرات السكان المؤقتة التي أعدت عام 2021. ويستدل من البيانات التي نشرتها صحيفة "يسرائيل هيوم" أن القدس المحتلة كانت أكثر المدن التي عانت من هذه الهجرة، إذ غادرها العام الماضي نحو 10902 شخص. كما أن النسبة الأكبر منهم توجهوا إلى مستوطنة "بيت شيمش" والبقية إلى تل أبيب وقرى مختلفة، ويدور الحديث عن هجرة سلبية مستمرة منذ سنوات عدة.
وتحتلّ أشدود المرتبة الثانية في ميزان الهجرة الداخلية السلبية، تليها مدينة حيفا التي غادرها حوالي 3569 نسمة. في المقابل، تتصدر مستوطنة حريش في منطقة وادي عارة لائحة الهجرة الداخلية الإيجابية، وقد انتقل للسكن فيها نحو 6603 أشخاص عام 2021، تليها بيت شيمش (4025 شخصاً)، وهرتسليا (2925 شخصاً). 
وتعود أسباب الهجرة السلبية، بحسب خبراء، إلى التوسع الحضري في القرن الحادي والعشرين والظروف المعيشية والأوضاع الأمنية والفرص التي توفرها المدينة لسكانها. 
يقول مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس المحتلة خليل تفكجي إن غالبية المغادرين اليهود من مدينة القدس علمانيين، لذلك يتوجهون للسكن في تل أبيب ومحيطها باحثين عن الرفاهية وجودة المعيشة، مشيراً إلى أن العاملين الأمني والاقتصادي يلعبان دوراً هاماً. كما أن إغلاق المحال التجارية يوم السبت بشكل شبه كامل وعدم وجود أماكن ترفيه ساهما في مغادرة القدس المحتلة.
يضيف تفكجي: "على الرغم من هجرة اليهود العلمانيين، إلا أن القدس والمستوطنات التي تحيطها ما زالت تستقطب مجموعات أصولية ومتدينة ومحافظة لمكانتها الدينية والسياسية، بفعل مخططات التهويد وتفريغ القدس من السكان الفلسطينيين". ويوضح أن الهجرة إلى القدس والمستوطنات، إلى جانب كونها قضية سياسية عقائدية، تحمل نواحي اجتماعية اقتصادية، منها أن أسعار الشقق في تل أبيب باهظة جداً، وهذا الواقع يدفع الكثير من اليهود للسكن في المستوطنات مثل معاليه أدوميم. وحازت مجموعة من اليهود الشرقيين عُرفت باسم الفهود السود، في أعقاب النضال الذي خاضته احتجاجاً على الإجحاف الحكومي بحقها، على امتيازات قومية للاستيطان في الضفة الغربية، أي أن الدوافع كانت اجتماعية. وفي عام 1977، حوّل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن الاستيطان من قضية اجتماعية بشرية إلى سياسية عقائدية وفرض أمر واقع، مشيراً إلى أن نسبة المستوطنين الذين يسكنون في المستوطنات على أساس عقائدي تصل إلى 30 في المائة فقط.   

ويختم تفكجي حديثه قائلاً إن "ازدياد تعداد السكان الفلسطينيين في القدس يُشكل كابوساً للحكومة الإسرائيلية. بالتالي، فإن الكثير من هذه الإحصائيات التي تُحذر من الهجرة من القدس المُحتلة تتطرق غالباً إلى ازدياد العرب في مقابل هجرة اليهود، وتهدف إلى تشجيع الاستيطان والانتقال للسكن في المدينة".
أسست النواة الأولى لمستوطنة حريش مطلع تسعينيات القرن الماضي، ضمن مخطط رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرييل شارون، كمدينة لجنود الاحتياط والمسرّحين، وتصل مساحتها الإجمالية إلى 23 ألف دونم، بهدف توطين 264 ألف إسرائيلي بحلول عام 2040. 

ازدياد تعداد السكان الفلسطينيين في القدس يُشكل كابوساً للحكومة الإسرائيلية (حازم بدر/ فرا
ازدياد تعداد السكان الفلسطينيين في القدس يُشكل كابوساً للحكومة الإسرائيلية (حازم بدر/ فرانس برس)

وتفرض مستوطنة حريش حصاراً على البلدات العربية في المنطقة وتطوقها. ويقول رئيس لجنة الدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة أحمد ملحم إن "هدف بناء حريش قطع الامتداد الديموغرافي والتواصل الجغرافي بين البلدات العربية وعرقلة توسعها وتطويرها، واستقطاب اليهود من خلال توفير مسكن بمتناول اليد وبأسعار قليلة، وتوفير بنية تحتية وخدمات بمستوى عالٍ جداً. بذلك، يحظى المستوطن بمكان للنوم وبرفاهية وبإمكانية الوصول إلى أماكن التشغيل في منطقة جغرافية قريبة من مركز البلاد والمناطق الحيوية، فضلاً عن تشجيع الأزواج الشباب اليهود على الهجرة للسكن في حريش من خلال منحهم القروض والهبات السكنية". 

يتابع ملحم أن مستوطنة حريش هي ترجمة لسياسة التهويد المنهجية في البلدات العربية في النقب والجليل والمثلث. ويقول: "لم يأخذ المخطط بالحسبان إمكانية توزيع الأراضي على البلدات العربية التي تحتاج إلى آلاف الدونمات بهدف سد النقص في مناطق النفوذ لبناء آلاف الوحدات السكنية للأزواج الشباب في منطقة المثلث الشمالي. في المقابل، حوّل قرى عربية إلى أحياء سكنية داخل المستوطنة وخلق تواصلاً جغرافياً بين البلدات الاستيطانية في المنطقة، سواء عبر بناء الوحدات السكنية والمشاريع التجارية والصناعية وشبكة الطرقات والبنى التحتية المشتركة، وذلك على حساب البلدات العربية في وادي عارة التي يبلغ عدد سكانها 160 ألف مواطن عربي".

المساهمون