الأيام التي ننجو منها

الأيام التي ننجو منها

07 أكتوبر 2020
البلد الذي لا يرحم ضعيفه ليس أحلى بلاد العالم (حسين بيضون)
+ الخط -

لبنان أحلى بلد في العالم.
لا أعرف من أطلق هذه العبارة وصدّقها، ولا في أية مناسبة جاءت. لا أعرف على ماذا استند قائلها ومن كرّرها من بعده، ولا ماذا يعرفون عن البلدان الأخرى وعن العالم خارج حدود البلد الصغير. على من تعرفوا من أمم، ولا بمن احتكوا من شعوب، ماذا قرأوا من التاريخ، وماذا زاروا من جغرافيا.
لم أفهم، لا سابقاً ولا حاضراً، تعقيدات الشخصية اللبنانية التي ارتضت التكيّف مع مختلف الظروف، مهما انحدرت هذه الظروف. مثل سائق السرفيس الذي يشتم في لحظة زعماء المنظومة الحاكمة، جميعاً، ويمجّد في اللحظة التالية زعيم طائفته الذي أتاح له أن يقبض تعويضاً مادياً، ثلاث مرات متتالية، من صندوق المهجرين بسبب تضرّر منزله في الحرب الأهلية. مع العلم أن خدشاً لم يصب جدار منزله طوال فترة الحرب، بحسب ما يؤكد الراوي نفسه.
تشبه عامل البلدية الفقير الذي يصرّ دائماً على أنه لا يتبع أي طرف سياسي، وعند كل استحقاق أمني تراه جهّز رشاشه الحربي للانقضاض على الآخرين.
تشبه المحامي مدعي الدفاع عن الحقوق المدنية والمنادي بالعلمنة، الذي أقصاه الزعيم عن القائمة الانتخابية التي شكّلها في الانتخابات النيابية الأخيرة، فقرّر أن يرفع صوته بشعارات تزعج الزعيم، علّ صدى صوته العالي يكون باب التحاقه في القائمة الجديدة، في الانتخابات التالية.
لبنان أحلى بلد في العالم. لا أعرف كيف صدّقنا هكذا كذبة. ربما لأننا كررناها كثيراً.
فالبلد الذي لا يرحم ضعيفه ليس أحلى بلاد العالم. البلد الذي يذلّ ناسه في المصارف والمدارس والصيدليات والمستشفيات حتماً ليس أحلى بلاد العالم. البلد الذي يدركك الموت فيه، وأنت جالس في منزلك، بانفجار مهول من دون أن تفهم حتى اللحظة كيف حصل ذلك ليس بالطبع أحلى بلاد العالم. البلد الذي يرمي الهاربون منه أبناءهم في البحر لم يفعلوا ذلك لأنهم تركوا أحلى بلاد في العالم. البلد الذي يقبل أهله بالزبائنية والوساطات والمحسوبيات والعصبيات أسلوباً في الحكم وممارسة وحيدة لقضاء الحاجات ويتغاضون عن كل ما سبق ليس أحلى بلاد العالم. هذا بلد يمارس الكثير من أهله النفاق ويرتضون خداع أنفسهم.

موقف
التحديثات الحية

كان صديق يردّد على مسامعنا، كلما التقينا، العبارة التالية: نحن لا نعيش أيامنا في هذه البلاد، بل ننجو منها. كنا نتهمه بالتشاؤم والمبالغة المفرطة فنحاول التخفيف من كلامه وقد ظننا أن هناك نهايةً لكل هذا الخراب. بتنا نمضي يومياتنا بالاطمئنان على الآخرين كي نتأكد أنهم ما زالوا أحياء وأن شراً مقصوداً أو طائشاً لم يصبهم بعد. 
لقد صدقت عبارة الصديق، قبل وقت طويل، لكننا نحن الذين رفضنا التصديق.

المساهمون