الأنهار تشيخ!

الأنهار تشيخ!

15 يناير 2022
مستقبل قاتم للأنهر بسبب تغيّرات المناخ (إبراهيم حميد/ فرانس برس)
+ الخط -

تجف أنهر عدة وخيران (مصبات) وتنقطع مياهها صيفاً، ثم تجري الحياة فيها مجدداً مع أول هطول للأمطار من منابع وتلال بعيدة، فتهرع حاملة الخصب والنمو وأسباب الحياة للسكان على ضفافها. لكن، أن يشيخ النهر بالكامل، وتشح مياهه عن وجه الأرض والزرع المتلهف للريّ، فحدث ذلك نادراً في الأزمنة السابقة، في حين باتت التغيّرات المناخية الحالية تهدّد بإغراق البشر قرب البحار، وتجويع أولئك على ضفاف الأنهر. وبات المستقبل قاتماً في ظل توالي مواسم الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة.
"ملوية" آخر أنهر قارة أفريقيا الذي تعجز مياهه عن بلوغ مصبها في البحر الأبيض المتوسط. وكان الناشط المغربي محمد بن عطا قد حذر من الكارثة البيئية التي تتهدد الأراضي الزراعية والتنوّع البيولوجي في المحمية الطبيعية التي يحتضنها مصب النهر، وأكد لموقع "إرم نيوز" في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن "الحيوانات البرية والنباتات لن تخرج سالمة". ويؤكد مزارعون قرب المصب أن مياه البحر المالحة دخلت مسافة 15 كيلومتراً في مجرى النهر، ما أتلف مزروعات بعدما احترقت من العطش وتأثرت بملوحة الماء.
في السودان، لم يعد "وادي المقدّم" جنوب شرق الصحراء الكبرى كما عهده السابق، حين كان بحيرة عظيمة تمثّل لساناً بحرياً للبحر الأبيض المتوسط، قبل أن يبدأ في التراجع والضمور مع تغيُّر الظروف المناخية لترفد مجاريه نهر النيل. ووفقاً لدراسة حديثة أجرتها جامعة بحري تأثر "وادي المقدّم" بفترة الجفاف الطويلة التي منعت مياهه القليلة من الوصول إلى مصبه، بعدما تأثرت بعوامل التبخُّر، وبتسرُّب مياهه إلى باطن الأرض.
وحدث الأمر ذاته لـ "وادي الملك" الذي تتجمّع مياهه خريفاً في مرتفعات أنيدي شرق تشاد، ويتغذّى بعدد من الأودية الواسعة مثل "وادي الطينة" و"كرنوي" و"مجرور"، ويمر خلال رحلته التي تمتد مسافة 1200 كيلومتر بشمال دارفور حتى مصبه في نهر النيل بالولاية الشمالية.
أما خور "ابو حبل" الذي عرف في زمان مضى باسم النهر الأب "النيل"، فلم يعد يقوى على معانقة أبيه، واكتفى بتغذية بحيرة "تُردَة الرهد"، إحدى الأكبر في شمال كردفان التي تزيد مياهها وتنقص تبعاً لوارد الخور، وخيران أخرى صغيرة في المنطقة.

موقف
التحديثات الحية

وإذا كان ما حدث لنهر "ملوية" يعود إلى شح الأمطار والإفراط في الاستهلاك وسوء التدبير، فإن التفريط في إدارة مورد المياه، وغياب استراتيجيات حصاد المياه، بالتزامن مع الهجوم الكبير على الغابات حول مجاري الأنهر، زادت وتيرة الجفاف في مناطق عدة. كما لا يمكن استبعاد تأثير ظاهرة "القحط" الذي يُعرّف بأنه حالة ناتجة عن هبوط معدل تساقط المعدل السنوي للأمطار لفترة طويلة، حيث تجف الأنهر والآبار والبرك فتنخفض الموارد المائية. ولا يمكن للمهتمين بأحوال الطقس التنبؤ بوقوع الجفاف، لكنهم يستطيعون فعل أمور متوجبة، مثل إقامة مشاريع لتجميع المياه، وإعادة الغطاء النباتي حول المنابع ومجاري الأنهر لدعوة الأمطار.
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون