الأمم المتحدة تعلن رسمياً المجاعة في غزة لأول مرة في الشرق الأوسط
استمع إلى الملخص
- انتقدت إسرائيل تقرير الأمم المتحدة واعتبرته مستنداً إلى "أكاذيب حماس"، بينما اعتبرت حماس التقرير شهادة على الجريمة الإسرائيلية بحق سكان غزة، داعية المجتمع الدولي للتحرك.
- أشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إلى أن المجاعة في غزة قد تمثل جريمة حرب، داعياً لوقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
أعلنت الأمم المتحدة، الجمعة، رسمياً المجاعة في غزة، وهو أول إعلان من نوعه في الشرق الأوسط، وقال خبراؤها إنّ 500 ألف شخص يواجهون جوعاً كارثياً. وبعد أشهر من التحذيرات بشأن الوضع الإنساني واستشراء الجوع في القطاع الفلسطيني، أكّد التصنيف المرحلي للأمن الغذائي ومقرّه في روما أنّ محافظة غزة (مدينة غزة وحدها) التي تغطي نحو 20% من قطاع غزة، تشهد مجاعة.
وقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد عالمي لمراقبة الجوع، اليوم الجمعة، إنّ المجاعة تفشت في منطقة في قطاع غزة وستنتشر على الأرجح في الشهر المقبل، في تقييم من شأنه أن يزيد الضغط على إسرائيل من أجل السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني. وأضاف التصنيف، أنّ 514 ألفاً تقريباً، أي ما يقرب من ربع سكان قطاع غزة، يعانون من المجاعة وأن هذا العدد سيرتفع إلى 641 ألفاً بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول.
ونحو 280 ألفاً تقريباً من هؤلاء يعيشون في المنطقة الشمالية بالقطاع التي تضمّ مدينة غزة، المعروفة بمحافظة غزة، التي يقول التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إنها في حالة مجاعة بالفعل، وهو أول تصنيف من نوعه في القطاع، أما الباقون فيعيشون في دير البلح في وسط القطاع وخانيونس في الجنوب. وتوقع المرصد أن تضرب المجاعة المنطقتين نهايةَ الشهر المقبل.
وأعلن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، اليوم الجمعة، أنّ المجاعة في غزة ينبغي أن "تؤرقنا جميعاً"، وكان من الممكن تفاديها بالكامل لو لم تُمنع الأمم المتحدة "على نحوٍ ممنهج" من إدخال المساعدات الغذائية. وصرّح فليتشر خلال إحاطة إعلامية في جنيف "هي مجاعة كان من الممكن تفاديها لو تسنّى لنا القيام بذلك. غير أنّ المساعدات الغذائية تتكدّس عند الحدود بسبب العرقلة الممنهجة الممارسة من إسرائيل"، وأضاف "إنها لحظة عار جماعي، وأعتقد أننا جميعنا نشعر بهذا بشكل من الأشكال".
مفوض الأمم المتحدة: ظهور المجاعة نتيجة لإجراءات إسرائيل وقد يمثل جريمة حرب
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، اليوم الجمعة، إن ظهور المجاعة في شمال قطاع غزة هو "نتيجة مباشرة لإجراءات اتّخذتها الحكومة الإسرائيلية"، وإنّ الوفيات الناجمة عن التجويع قد تمثل جريمة حرب. وأردف تورك في بيان للصحافيين "المجاعة التي أعلن عنها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي اليوم في محافظة غزة هي نتيجة مباشرة لإجراءات اتخذتها الحكومة الإسرائيلية"، وأضاف "استخدام التجويع أسلوباً من أساليب الحرب يعد جريمة حرب، وقد تمثل الوفيات الناجمة عنه أيضاً جريمة حرب هي القتل العمد".
ولتصنيف منطقة على أنها في حالة مجاعة بالفعل، يجب أن يعاني 20% على الأقل من السكان من نقص حاد في الغذاء وطفل من كل ثلاثة أطفال من سوء تغذية حاد، ويموت شخصان من بين كل عشرة آلاف يومياً بسبب الجوع أو سوء التغذية أو المرض. وحتى إذا لم تصنف منطقة ما على أنها في حالة مجاعة لعدم استيفاء هذه المعايير، يمكن للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن يحدد أن الأسر تعاني من ظروف المجاعة المتمثلة في الجوع والعوز والموت بسبب ذلك.
غوتيريس: المجاعة في غزة لا يمكن أن تستمر دون عقاب
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الجمعة، عقب إعلان الأمم المتحدة رسمياً المجاعة في غزة "لا يمكننا السماح باستمرار هذا الوضع من دون عقاب"، وأضاف "نحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج الفوري عن جميع الرهائن، ووصول المساعدات الإنسانية كلياً ودون عوائق".
وجاء تحليل المرصد العالمي للجوع بعد أن قالت بريطانيا وكندا وأستراليا والعديد من الدول الأوروبية إن الأزمة الإنسانية في القطاع وصلت إلى "مستويات لا يمكن تصوّرها" بعد ما يقرب من عامين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ولطالما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من "كارثة إنسانية هائلة" في القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة.
وتشكو الأمم المتحدة منذ فترة طويلة من عقبات تواجه إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها. وعزت تلك العوائق إلى القيود التي تفرضها إسرائيل وانعدام الأمن.
وقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، إنّ التحليل الذي صدر الجمعة لا يغطي إلّا من يعيشون في محافظات غزة ودير البلح وخانيونس. ولم يتمكّن من تصنيف الوضع في محافظة شمال غزة بسبب قيود على الوصول للمنطقة ونقص البيانات، كما استبعد السكان الباقين في منطقة رفح جنوب القطاع لأنها باتت غير مأهولة إلى حد كبير.
إسرائيل تهاجم تقرير المجاعة في غزة: سيُلقى في سلة المهملات
في المقابل، رفضت إسرائيل الجمعة نتائج تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي أعلن المجاعة في غزة، زاعمة أنه يستند إلى "أكاذيب حماس"، وأن لا وجود للمجاعة في القطاع الفلسطيني. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان "لا توجد مجاعة في غزة" مضيفة أنّ التقرير "يستند إلى أكاذيب حماس التي تعيد منظمات تدويرها خدمة لأجندتها الخاصة"، وفق ادعائها. وأضافت "في الأسابيع الأخيرة، غمر التدفق الهائل للمساعدات القطاع بالمواد الغذائية الأساسية، ما أدى إلى انخفاض حاد في أسعار الأغذية". وقالت إن التقرير "سيُلقى أيضاً في سلة المهملات المزرية للمستندات السياسية".
كما رفضت الهيئة التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية التي تُشرف على الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية، والمعروفة باسم كوغات "رفضاً قاطعاً الادعاء بوجود مجاعة في قطاع غزة، خاصة في مدينة غزة. لقد ثبت مراراً عدم دقة التقارير والتقييمات السابقة الصادرة عن تقرير التصنيف المرحلي، وبُعدها عن الواقع"، وفق قولها. وأكد مكتب كوغات أن التقرير تجاهل ما وصفها بأنها جهود إسرائيلية بُذلت في الأسابيع الأخيرة "لمنع تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة"، واتهم معدِّيه بالاستناد إلى "بيانات جزئية" وتجاهل المعلومات المقدمة لهم.
حماس: تقرير المجاعة شهادة على جريمة إسرائيل
من جهتها، اعتبرت حركة حماس أنّ ما أعلنه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة، حول تفشي المجاعة في محافظة غزة يمثل شهادة دولية دامغة على الجريمة التي ترتكبها إسرائيل. وقالت الحركة في بيان، الجمعة، إنّ "ما أعلنه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة حول تفشي المجاعة في محافظة غزة، وما أكدته منظمة الصحة العالمية من أن مدينة غزة تعاني من مجاعة تمتد في جميع أنحاء القطاع، يمثل شهادة دولية دامغة على الجريمة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أكثر من مليوني إنسان محاصر".
وأضافت أنّ ذلك يُعد "تأكيداً على حجم الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها شعبنا بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل، الذي يستخدم سياسة التجويع كأداة من أدوات الحرب والإبادة ضد المدنيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني ولكل الأعراف والمواثيق الدولية". وأكدت الحركة "أهمية هذا الإعلان الأممي، رغم أنه جاء متأخراً كثيراً بعد أشهر طويلة من التحذيرات والمعاناة التي عاشها شعبنا تحت الحصار والتجويع الممنهج". وأشارت إلى أنها "حذرت مراراً من أن سياسات الحصار والتجويع الممنهج، ومنع الغذاء والدواء والماء عن أهلنا، هي جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، واليوم جاءت تقارير الأمم المتحدة لتؤكد للعالم كله حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها شعبنا".
وتابعت أن "إنكار الاحتلال المجرم لهذه الحقيقة الموثقة، وادعاءاته الكاذبة بعدم وجود مجاعة في غزة، يكشف عن عقلية إجرامية تتعمد الكذب لتغطية جريمة القتل بالتجويع التي تُمارس ضد الأطفال والنساء والمرضى، في تحدٍّ صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية". وشددت الحركة على أن "المجتمع الدولي بكل مؤسساته يتحمّل مسؤولية قانونية وأخلاقية عاجلة لوقف الجرائم ضد الإنسانية، وإنقاذ أكثر من مليوني إنسان يواجهون الإبادة والتجويع والتدمير الممنهج لكل مقومات الحياة".
ودعت إلى "تحرك الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل فوري لوقف الحرب ورفع الحصار وفتح المعابر دون قيود لإدخال الغذاء والدواء والماء والوقود بشكل عاجل ومستمر". كما دعت إلى "محاسبة الاحتلال قانونياً على استخدامه التجويع كسلاح حرب، بوصفه جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية بموجب القانون الدولي". ودعت الحركة كذلك "الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم، إلى التحرك الفوري والضغط على الاحتلال لوقف حرب الإبادة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة".
وهذه هي المرة الخامسة خلال 14 عاماً التي يعلن فيها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن رصد مجاعة في العالم. والتصنيف المرحلي المتكامل هو مبادرة تشارك فيها 21 منظمة إغاثة ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إقليمية بتمويل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا وبريطانيا وكندا. وأعلن التصنيف من قَبل وجودَ مجاعة في مناطق في الصومال في 2011 وفي جنوب السودان في 2017 و2020 وفي السودان في 2024. ويقول إنّه لا يعلن حدوث المجاعة لكنه يقدم تحليلات للحكومات والجهات الأخرى لتتمكّن من القيام بذلك.
(رويترز، فرانس برس، الأناضول)