استمع إلى الملخص
- تعمل وزارات الإدارة المحلية والبيئة والزراعة على إزالة الركام ومكافحة الآفات، لكن هذه الجهود تحتاج إلى دعم المجتمع المدني والمسؤولين المحليين لتضافر الجهود.
- يسعى الدفاع المدني السوري للاستجابة لحالات لدغات الأفاعي وتقديم الإسعافات الأولية، مع تعزيز التوعية المجتمعية لضمان وصول المصابين إلى العلاج المناسب.
تُواجه عودة النازحين السوريين إلى بلداتهم تحدّيات كثيرة، أبرزها انتشار الأفاعي والعقارب، بعدما أدّى غياب السكان لسنوات وتراكم الركام ونمو الأعشاب البرية، خاصة في ريفي إدلب وحماة، إلى خلق بيئة مثالية لتكاثر الزواحف السامة.
كان خالد شيخو، الستيني العائد حديثا إلى قريته المهجورة منذ أكثر من سبع سنوات في ريف إدلب الجنوبي، يزيل الأعشاب اليابسة من باحة منزله، عندما فوجئ بأفعى سوداء تنقض من بين الركام وتلدغه في قدمه. ويقول من سرير المشفى لـ"العربي الجديد": "نجوت بأعجوبة، لم أتوقع أن يكون أول ما أواجهه في قريتي بعد انتهاء القصف لسعات الأفاعي".
وتكررت حوادث مشابهة في عدة مناطق عاد إليها نازحون سوريون خلال الأشهر الماضية، خاصة في ريفي إدلب وحماة. فمنذ بداية العام الجاري، عادت مئات العائلات إلى قراها في شمال غربي سورية بعد سنوات من النزوح، مدفوعةً بتحسّن نسبي في الوضع الأمني أو بتردّي الأوضاع المعيشية في المخيمات، غير أن ما لم يكن في الحسبان هو أن الطبيعة نفسها باتت خصماً، بعدما تحولت القرى المهجورة إلى بيئة خطرة بفعل الإهمال وتراكم الركام ونمو الأعشاب البرية.
وفي هذا السياق، أوضح المهندس الزراعي علاء الخليل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العديد من البلدات والمناطق المهجورة تشهد انتشاراً واسعاً للأفاعي والعقارب والحشرات، نتيجة توفّر بيئة مثالية لتكاثرها بسبب هجر الأراضي الزراعية والمنازل السكنية، وتراكم الركام الناتج عن التدمير والتخريب الممنهج الذي طاول هذه المناطق.
وتابع الخليل: "في الحقيقة، عودة المهجّرين إلى بلداتهم تتم في ظروف قاسية، سواء من حيث تدهور الوضع المعيشي، أو غياب التمويل اللازم لإعادة تأهيل الأراضي الزراعية. كما أن وجود الألغام ومخلفات الحرب أعاق بشكل كبير عمل المزارعين في استصلاح الأرض وإزالة الركام. ومن المعروف أن تخديم الأرض وتنظيفها يساهمان في القضاء على البيئة المناسبة لتكاثر هذه الآفات، وعلى رأسها الأفاعي والعقارب، إذ يُعد الركام أحد أهم العوامل التي تتيح لها الانتشار. وهناك وزارات معنية، مثل وزارة الإدارة المحلية، تضطلع بمهمة إزالة هذه المسبّبات من خلال مكاتب الخدمات الفنية المختصة بترحيل الركام وتنظيف المناطق المتضررة".
وأوضح قائلا "تساهم وزارة البيئة والكوارث في مسح الأراضي وإزالة المخلفات الحربية والألغام، وأيضا تشارك وزارة الزراعة، عن طريق مديرياتها، في حملات مكافحة فأر الحقل والحشرات الضارة بالمحاصيل، وتوزيع السموم التي تمكن من القضاء على الأفاعي والعقارب، إلى جانب مواد الصحة البيئية والمبيدات التي ترش في المنازل والحدائق المنزلية، وتشارك فيها أكثر من وزارة تابعة للحكومة، إلا أن هذه الإجراءات بحاجة إلى جهد من المجتمع المدني والمسؤولين في المناطق التي عاد إليها المهجّرون، لرفع كتب وخطابات إلى الوزارات المختصة، وهي بحاجة لتضافر جهود منظمات المجتمع المدني".
وأفاد بأن الأهالي يواجهون "مشكلة حقيقية ويتعرضون لخطر لسعات الأفاعي والعقارب والبعوض بسبب غياب الخدمات الأساسية، مثل إزالة القمامة أو النفايات ورميها في المكبات وانتشار الحاويات. كلها أسباب أدت إلى تفاقم الأزمة الصحية".
وهذا ما يؤكده الطبيب البيطري أحمد حاج يوسف، قائلا "إلى جانب مخلفات الدمار نتيجة القصف الهمجي لقوات النظام السوري البائد، وحالة النزوح التي ترافقت معه، وترك الأهالي لمعظم المؤن والغذاء خلفهم، انتشرت ظاهرة خطيرة، وهي وجود أوكار ضخمة للحيوانات الزاحفة، ولا سيما الأفاعي، أو ما يعرف بـ(الحنش)، بالإضافة إلى العقارب".
وتشكل هذه الزواحف خطراً كبيراً على حياة الأهالي، وأغلبها يسبب الوفاة في حال لدغها الإنسان، وأشار حاج يوسف إلى أن الخطر يتضاعف عند إصابة الأطفال وكبار السن، كما لوحظ انتشار كبير للحشرات والبعوض، وأخطرها أنثى ذبابة الرمل، الناقلة لآفة اللشمانيا، وانتشرت أيضاً حشرات أو آفات تضر بالأشجار المثمرة والمزروعات، مثل آفة "الكمبودس" التي تضر أشجار الفستق الحلبي بشكل كبير، وتؤدي إلى تلف الأشجار وموتها.
وأوضح حاج يوسف أنه للوقاية من هذه الآفات، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات، من بينها: إزالة الركام ومخلفات البناء والقصف إلى خارج التجمعات السكانية (القرى والمدن)، رش مبيدات حشرية طويلة الأمد لا تكون لها تأثيرات جانبية على البشر، مثل التسمم أو الحساسية، إضافة إلى محاولة ردم الحفر والآبار المهجورة وإغلاقها بشكل جيد، لأنها تُعد موطنا مناسبا لهذه الحيوانات أو الآفات. وأضاف أنه في في حال عدم توفر المبيدات الحشرية، توجد بدائل مجربة وتعتبر حلاً إسعافياً وسريعاً، مثل وضع مادة القطران وحدها أو ممزوجة بمادة المازوت حول المنازل وأماكن السكن، وحول حظائر الحيوانات، لأنها تعتبر منفرة للزواحف القاتلة.
من جانبه، قال مدير برنامج البحث والإنقاذ في منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، وسام زيدان، لـ"العربي الجديد"، إنهم في البرنامج سجلوا الكثير من حالات لدغات الأفاعي بعدة مناطق، وبالتالي فإن عودة النازحين خطرة وسط انتشار ظاهرة الأفاعي نتيجة تحديات تأخر الوصول إلى العلاج والإسعافات الأولية بسبب افتقار تلك القرى والبلدات للمراكز الطبية الجاهزة أو الأدوية الخاصة.
وأوضح أن فرق الدفاع المدني تسعى جاهدة للاستجابة الطارئة لهذه الحالات وإسعاف المصابين إلى أقرب مركز طبي وتقديم الإسعافات الأولية قبل الوصول إلى المراكز الطبية، إضافة لتوثيق هذه الحالات والتتبع لتحديد المناطق الأكثر عرضة لهذه الظاهرة تمهيداً لاتخاذ إجراءات محتملة لاحقة.
وتحدث لـ"العربي الجديد" عن جهودهم من خلال التوعية المجتمعية للوقاية من وقوع هذه الحوادث عبر تعزيزها بأنشطة وفيديوهات على معرفاتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي والتعاون والتنسيق مع المنظمات والشركاء والمراكز الطبية والمشافي، لطمأنة المصاب وإيصاله لأقرب نقطة طبية وتقديم العلاج.