استمع إلى الملخص
- دعت المنظمة التونسية للأطباء الشبان إلى تحسين ظروف العمل والأجور ومراجعة آليات تقييم التربّصات، ونشرت شهادات لزيادة الوعي حول معاناتهم والدعوة لاتخاذ إجراءات تصعيدية.
- تشهد تونس هجرة كبيرة للأطباء الشبان بحثاً عن ظروف أفضل، حيث غادر 1500 طبيب في 2023، مما يهدد بتدهور القطاع الصحي ونقص الكوادر والمعدات.
يعبّر الأطباء الشبان في تونس عن امتعاضهم من تصاعد حالات الاكتئاب في أوساطهم، نتيجة ضغوط العمل وطول ساعات حصص الاستمرار (الملزمين بتأمينها في مؤسسات رسمية معيّنة) بالإضافة إلى صعوبات التدريب في المستشفيات الحكومية. ويرى هؤلاء الأطباء ضرورة إيجاد حلول لحمايتهم من تداعيات العمل المرهق في تونس وكذلك من تدنّي الأجور.
وتحت عنوان "حالة طوارئ قصوى"، راحت المنظمة التونسية للأطباء الشبان (مدنية) تدعو منذ أيام إلى عقد اجتماعات عامة في كليات الطب يومَي السابع والثامن من إبريل/ نيسان المقبل، أي بعد عطلة عيد الفطر، من أجل طرح مشاريع المنظمة ومناقشة مجموعة من النقاط في إطار ما يعاني منه الأطباء الشبان في تونس، والبتّ في التحركات التصعيدية التي سوف تُتَّخذ ليدافع الأطباء عن مصالحهم.
في سياق متصل، تنشر المنظمة التونسية للأطباء الشبان، على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، شهادات وقصصاً يروي فيها أطباء شبان معاناتهم مع الضغوط النفسية التي تنتهي بهم إلى الاكتئاب، وذلك في تسجيلات بعنوان "طبيب شاب يحكي". ويُقدَّر عدد الأطباء الشبان في تونس بنحو سبعة آلاف طبيب، ما بين طلاب الطب والأطباء الداخليين والمقيمين، وفقاً لرئيس المنظمة وجيه ذكار.
ويقول ذكار لـ"العربي الجديد" إنّ الأطباء الشبان في تونس "يحترقون وظيفياً في سبيل التصديق على تربّصاتهم (تدريبهم) من قبل الأساتذة المؤطّرين"، شارحاً أنّ ذلك "يسبّب لهم مشكلات جسدية ونفسية ناجمة عن الإرهاق وطول حصص الاستمرار التي تصل إلى 48 ساعة متتالية". يضيف أنّ هؤلاء "الأطباء الشبان يعملون بنسق يخالف كلّ قوانين العمل والاتفاقيات ذات الصلة بها، إذ يصل معدّل ساعات عملهم أسبوعياً إلى 100 ساعة تحت ضغوط التهديد بعدم التصديق على تربّصاتهم المهنية من قبل رؤساء الأقسام الاستشفائية".
ويبيّن ذكار أنّ "التصديق على التربّصات صار سيفاً مسلطاً على رقاب الأطباء الشبان في تونس"، مشيراً إلى أنّ منظمته "سوف تطالب بإعادة نظر شاملة في طريقة تقييم التربّصات وفقاً لقواعد علمية أكاديمية حتى لا تُستخدَم وسيلة ضغط على الأطباء الشبان مستقبلاً". يضيف أنّ "الأطباء الداخليين والمقيمين يحملون صحة المواطنين على عاتقهم، في ظروف عمل صعبة وقاسية تجبرهم أحياناً على المداومة في المستشفيات لمدّة 48 ساعة من دون وقت مستقطع، الأمر الذي يسبّب لهم انهياراً عصبياً وإجهاداً كبيراً".
ويشير رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان إلى أنّ "العمل في المستشفيات محفوف بالمخاطر نتيجة نقص المعدّات والكوادر الطبية والأدوية، فيما يُطلب من الطبيب الشاب مجاراة كلّ هذه الأوضاع من دون حماية". ويوضح ذكار: "نحن في قلب العاصفة ويُدفع بنا إلى الواجهة حيث نتعرّض للعنف المادي وكذلك المعنوي بسبب أوضاع المستشفيات المزرية"، مشدّداً على أنّ "المعاناة لا تنتهي بمجرّد تخرّج الطبيب الشاب، إذ يضطر هذا الأخير إلى أداء الخدمة العسكرية والعمل في المستشفيات الحكومية لمدّة عام كامل بأجر لا يتعدّى 1400 دينار تونسياً (نحو 460 دولاراً) بعد مسار دراسي امتدّ على 11 عاماً".
وأظهرت نتائج استبيان أعدّته المنظمة التونسية للأطباء الشبان أنّ 93% من الأطباء المستجوبين يرون أنّ رواتبهم ومنح حصص الاستمرار لا تتناسب وقيمتهم العلمية، الأمر الذي يؤثّر على جودة حياتهم وظروف عيشهم. وتطالب المنظمة بضرورة بالنظر في ملف التصديق على التربّصات الاستشفائية الجامعية وآلياتها بصورة عاجلة وتشاركية، وتدعو كذلك إلى مراجعة سلّم أجور الأطباء الشبان في تونس وزيادة المنح الخاصة بحصص الاستمرار الخاصة بهم، من أجل الحدّ من هجرتهم. يُذكر أنّ الهجرة باتت ملاذ الأطباء الشبان بهدف تحسين أوضاعهم الاجتماعية.
وتُعَدّ حصص الاستمرار الليلية بالنسبة إلى الأطباء الشبان في تونس جزءاً مهماً من التكوين الطبي، تحت إشراف رؤسائهم في العمل، غير أنّ مستشفيات تونس شهدت في الأعوام العشرة الأخيرة هجرة غير مسبوقة لكبار الأطباء نحو القطاع الخاص، وسط مخاوف من تأثير ذلك على مستقبل الطب في البلاد وجودة تكوين الأطباء الشبان الذين صاروا ملزمين باجتهادهم الشخصي من أجل تحصيل الخبرة. يُذكر أنّ تونس شهدت في الأعوام الأخيرة هجرة كثيفة بين الأطباء والكوادر الطبية، نحو دول أوروبية وخليجية، بحثاً عن ظروف عمل أفضل من تلك المتوفّرة في الوطن. وقد وصل العدد إلى 1500 طبيب في عام 2023، الأمر الذي من شأنه أن يهدّد القطاع الصحي بـ"التصحّر" في الأعوام المقبلة.