الأردن: قلق من نكسات التعليم عن بعد

الأردن: قلق من نكسات التعليم عن بعد

23 اغسطس 2021
التعليم الوجاهي أمام تحديات كثيرة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة الأردنية بعودة الدراسة الوجاهية، خصوصاً بعد الإعلان عن البروتوكول الصحي بعنوان "العودة إلى المدارس"، لا يزال القلق يسيطر على أهالي الطلاب من استمرار الدراسة عن بعد، والتي رافقت أبناءهم منذ تفشي جائحة كورونا قبل عام ونصف العام. تقول منال محمد، وهي موظفة، لـ"العربي الجديد": "لم أسجل أبنائي في المدرسة حتى الآن، في انتظار وضوح الرؤية في شأن العودة إلى الانتظام في الدراسة الوجاهية أو عدمها". تضيف: "دفعنا في العام السابق مبالغ طائلة لمدرسة خاصة لم تحسم لاحقاً إلا نسبة 15 في المائة من الرسوم، رغم أن الطلاب لم يستفيدوا منها فعلياً، ونأمل ألا تتكرر هذه التجربة". يقول سعد العبادي، وهو أب لثلاثة أطفال، لـ"العربي الجديد"، إن أبناءه في مدارس حكومية، لكنه يخشى أن يفقدوا سنة دراسية أخرى. واعتبر أن "لا فائدة حقيقية من التعليم، خصوصاً أن أبنائي لا يزالون يتدرجون في صفوف التحصيل العلمي التأسيسي". 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

تنتقد حملة "ذبحتمونا" الوطنية من أجل حقوق الطلاب نشر الحكومة دليل العودة الآمنة إلى المدارس والذي رأت أنه "سيزيد تراجع مستوى التعليم ولن يقلصه، في ظل إصرار الحكومة على اعتماد التعليم المدمج الذي يمزج بين التعليم في الصف وعن بعد، في عدد كبير من المدارس الرسمية". وتتهم الحملة الحكومة بوضع دليل "يراعي مصالح المدارس الخاصة على حساب تلك الحكومية من أجل دفع الطلاب إلى التوجه إلى القطاع الخاص وليس العكس، ووقف بالتالي هجرتهم من المدارس الخاصة إلى الحكومية والتي بلغت أرقاماً قياسية العام الماضي تجاوزت 130 ألف طالب وطالبة". وتنتقد الحملة تقليص المساحة المخصصة للطالب داخل الصف من مترين مربعين في البروتوكول السابق إلى متر واحد، وتقول إن "هذا الشرط يمنع قسماً كبيراً من طلاب المدارس الحكومية من العودة الكاملة إلى التعليم الوجاهي الذي يلحظ وجود أعداد كبيرة منهم داخل غرفة الصف، ويصب بالتالي في مصلحة استقطاب المدارس الخاصة مزيداً من التلاميذ". أيضاً، تعتبر حملة "ذبحتمونا" ربط إغلاق المدارس بإصابة نسبة 10 في المائة من عدد التلاميذ بوباء كورونا "بمثابة ورقة تستخدمها الحكومة عند الحاجة إلى إغلاق مدارس والعودة إلى التعلم عن بعد"، مشددة على أن "استقرار حالة الوباء لمدة أكثر من ثلاثة أشهر والتوسع في حملة التطعيم يحتمان العودة الكاملة إلى المدارس بلا قيد أو شرط". 
من جهتها، تقول، العضو المؤسس في الحملة الوطنية للعودة الى المدارس "نحو عودة آمنة لمدارسنا"، أسيل الجلاد، لـ"العربي الجديد": "تشير تصريحات الحكومة إلى عدم جديتها واعتمادها لهجة غير واضحة وصريحة في موضوع العودة إلى الدراسة الوجاهية في المدارس، وكأنها تضع العصيّ في الدواليب". تضيف: "يشكل طلاب المدارس ربع سكان الأردن. ومن المريب تحديدها نسبة إصابات 10 بالمائة لإغلاق المدارس، خصوصاً أن أي نسب أخرى لم تعلن لباقي القطاعات الإنتاجية والخدماتية. أما البروتوكول الحكومي فلا يتناسب مع قدرات المدارس الرسمية، ويبدو أن هناك عدم جدية في العودة إلى الدراسة الوجاهية". وترى أن "تسجيل بين 3 و4 إصابات أسبوعياً في صف دراسي أمر ممكن، لذا من المرجح أن يدفع الطلاب ثمن تطبيق البروتوكول الذي سيعني استمرار التعليم عن بعد".

الصورة
الأطفال اعتادوا على "الفراغ من التعليم" (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
الأطفال اعتادوا على "الفراغ من التعليم" (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

وتعتبر الجلاد أن "قرار الحكومة الصادر في 15 أغسطس/ آب الجاري اعتماد التناوب خلال دوام تعويض المناهج يعني أن وزارة التربية لم تستعد فعلياً لعودة الدراسة الوجاهية، في حين تعلم أن أكثر من 800 مدرسة كانت تطبق نظام فترتي الدراسة قبل جائحة كورونا. كما لم تطرح الحكومة إنشاء مدارس ميدانية من أجل توسيع المساحات المرتبطة بالحفاظ على التباعد الجسدي بين الطلاب". 
وتتمسك الجلاد بحتمية تكفل الدولة بتدريس الطلاب في مراحل التأسيس، استناداً إلى الدستور والقانون المطبقين في دول عدة، واللذين يستبعدان الاعتماد على مدارس القطاع الخاص. وتشدد على أن "التمسك بالعودة إلى التعليم الوجاهي مسؤولية المجتمع كله، مع الأخذ في الاعتبار تراجع مستوى التعليم الذي تعرض له الطلاب في الفترة الماضية. فالناس يجب أن تتمتع بحسّ المسؤولية والوعي للحفاظ على سلامة المجتمع وعدم إرسال أبنائهم المصابين إلى المدارس". وتوضح أن "تدريس الأبناء في مدارس خاصة ليس رفاهية في غالبية الأحيان، إذ يضطر الأهل إلى التنازل عن أشياء كثيرة على حساب رفاهيتهم وحاجتهم لتأمين تعليم نوعي لأبنائهم". 

الصورة
أطفال كثيرون لن يعودوا إلى المدارس (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
أطفال كثيرون لن يعودوا إلى المدارس (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

من جهتها، تقول أستاذة علم النفس التربوي الدكتورة خولة القدومي إن "عدم الانتظام بالتعليم الوجاهي مشكلة كبيرة. والأكيد أن لا بديل عن المدرسة، علماً أن التعليم عن بعد جيد للكبار لكنه غير فاعل للصغار، ودور المعلم مهم جداً في إيصال المعلومات، ويختلف عن دور الأم والأب في التعليم". وتسأل عن أسباب عدم توضيح وزارة التربية والتعليم الأمور حتى الآن، رغم اقتراب بدء العام الدراسي. وتقول: "ليس ذلك أحجية، وتجربة تعويض التحصيل التعليمي لن تنجح بعدما تسجل 800 ألف من أصل 2 مليون طالب، ومن سينتظمون في الدراسة سيكونون أقل بكثير، ومن المستبعد إظهار الطلاب والمعلمين التزاماً حقيقياً". تضيف: "بدلاً من برنامج تعويض التحصيل التعليمي الذي شرعت وزارة التربية في تنفيذه، كان يجب استئناف التعليم الوجاهي بدءاً من 15 أغسطس/ آب الجاري". وحول الأسلوب الأكثر مثالية لتعامل أولياء الأمور مع هذه الظروف، ترى القدومي أن "بعضهم يظهرون اهتماماً بأبنائهم ولا يتغافلون عن تعليمهم في أي مكان مهما كانت الظروف، وهم فئة قليلة نسبياً، في حين تعتبر شريحة واسعة من أولياء الأمور أن أبناءها مثل باقي الطلاب في مواجهة الظروف التي تفرض عليهم، كما هناك شريحة لا تظهر أي اهتمام بدراسة الأبناء، ولا ترى في التعليم قيمة مضافة". 

وتلفت القدومي إلى أن "أعباء كبيرة تقع على عاتق الأهالي، خصوصاً إذا كانوا من فئة العمال ويطلبون من الأبناء الدراسة بمفردهم، في وقت يتطلب الالتزام الدراسي شخصاً قريباً لمراقبة ومتابعة عملية التعليم". وتوضح أن "الأطفال في الصفوف التمهيدية يحتاجون إلى إشراف مباشر من معلمين يمسكون بأيديهم للحصول على المعلومات وتدوينها، وهذا غير متوفر في التعليم عن بعد". وتصف مستقبل الأطفال الذين غابوا عن التعليم الوجاهي بأنه "ضبابي لأن قلة منهم حظيت باهتمام في مقابل تعرض القسم الأكبر لخسائر كبيرة بسبب التعليم عن بعد".

وتشدد القدومي على ضرورة عودة الحياة التعليمية إلى طبيعتها، بعد استعادة نمط الحياة في مختلف القطاعات كالنوادي الرياضية والأسواق وأماكن إقامة الحفلات والرحلات السياحية، "لأن المدارس أولية". وتسأل: "كيف سيعود طفل اعتاد على الفراغ الكبير لنحو عامين إلى الانتظام بالمدرسة، علماً أن بعض الصغار نسوا الصفوف. وهناك طلاب لا يعرفون كتابة أسمائهم، ما يجعلنا نصرّ على أن الدراسة الوجاهية هي سبيل التعليم الحقيقي". 

المساهمون