الأردن في زمن الثقة المفقودة

الأردن في زمن الثقة المفقودة

01 ديسمبر 2021
يكبر شعور العزلة عند الأردنيين (آرتور فيداك/ Getty)
+ الخط -

كشف استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أخيراً، فقدان الثقة المتبادلة بين الأردنيين المقيمين بنسبة 72 في المائة، ما اعتبره القائمون على الاستطلاع مؤشراً خطراً لحال المجتمع وعدم استقراره على صعيد العلاقات، محذرين من التأثيرات السلبية لهذا الواقع على بناء السياسات المستقبلية الخاصة بالاندماج الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإصلاح السياسي. في المقابل، أكد 95 في المائة ممن شملهم استطلاع الرأي أن ثقتهم تنحصر في المحيط الصغير لعائلاتهم، و66 في المائة ثقتهم بجيرانهم ومعارفهم وأصدقائهم المقربين. 
ولم تتجاوز نسبة من يثقون بحرص المجتمع أو الأفراد في الحي أو العشيرة أو الأقارب على دعمهم اقتصادياً إذا تطلب الأمر ذلك، 37 في المائة، كما اعتبر 72 في المائة منهم أنه لا يمكن الثقة بعمليات تحديد أسعار السلع والخدمات، أو حتى التخفيضات والقائمين على الأسواق، ما يشكل مؤشراً مهماً لقياس الثقة المجتمعية بالمؤسسات المعنية بتوفير المتطلبات الحياتية والقائمين عليها، ومعايير مراقبة الأجهزة الرسمية لها.
يعتبر المواطن محمد الزعبي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الثقة أصبحت مفقودة في نواحي عدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، فالناس لا يتبادلونها بين بعضهم بعضاً، وينظرون بريبة إلى التجار وأصحاب المطاعم والمهنيين. كما وصل انعدام الثقة إلى العلاقات الأسرية بين النساء والرجال، وحتى بين أولياء الأمور والأبناء". يضيف: "يبدو أن تلاشي الثقة بالآخرين هي سمة العصر الحالي الذي يشهد تغيّراً في الأخلاق، فحين بنيت منزلاً متوسط الحجم بقرض حصلت عليه من بنوك لاحظت أن الغالبية تتحين الفرصة لسرقتي واستغلالي. فالمهنيون الذي يزاولون صناعات يرفعون الأسعار لكنهم يحلفون بأنهم يطلبون أقل مبلغ، ثم يكتشف الشخص أن آخرين يقومون بالعمل ذاته وبسعر أقل وينجزوه بإتقان أكبر وبسعر أقل أيضاً. والجميع يسوقون أنفسهم بأن لا أحد يضاهيهم في جودة العمل، في حين يتوالى ظهور النتائج الكارثية. وقد جعلني ذلك أفقد الثقة بكثيرين. وأرى أن واحداً من كل أربعة مهنيين قد يتحلى بصدق، أما الباقون فيظهرون الاحتيال وعدم النزاهة في العمل". 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

ويؤكد الزعبي استياءه من الحال التي بلغها المجتمع الأردني حالياً، ويقول: "بلغ فقدان الثقة درجة أن الإنسان أصبح لا يثق إلا بنفسه، رغم أن الأردن بلد صغير يعرف ناسه بعضهم بعضاً". 
وتذهب ريم علي أبعد من ذلك، وتقول لـ"العربي الجديد" إن "الثقة المفقودة لا تشمل أبناء المجتمع فحسب، بل الأصدقاء المقربين، وقد أصبحت هاجساً بالنسبة إلى البعض الذي يسرد قصة أو حادثة بعد استحلاف الطرف الآخر بعدم روايتها لأحد، وكأنه يعرف سلفاً بأن المتلقي سينقل كلامه على الملأ، وينشره بين الناس". وتكشف أنها تحدثت إلى إحدى صديقاتها المقربات عن موقف خاص، ووثقت بأنها ستحفظ السر، لكن بعد شهر اتضح لها أن معارف كُثر يعلمون بكل تفاصيل الموقف الخاص. وتعتبر بالتالي أن فقدان الثقة بالمقربين يمتد بالتأكيد إلى المجتمع. 
ويخبر عبد الله العبادي "العربي الجديد" أن "الثقة معدومة حتى بالأقارب. والكثير من الناس لا يثقون بالآخرين، ولا يستطيعون انتقاد الجهات المسؤولة خوفاً من تبعات حديثهم. وقد دفع كثر ثمناً غالياً لثقتهم بآخرين. كما أن الثقة المفقودة للمواطنين لا تنحصر في أبناء المجتمع، بل تشمل السلطات السياسية، إذ لا يثق معظمهم بالحكومة أو مجلس النواب والأحزاب وحتى القضاء، في حين أن عدم ثقتهم بالتجار أمر مفروغ منه، والمجتمع كله مغلف بالنفاق والكذب".

في عالم مختلف عن محيطه (آرتور فيداك/ Getty)
في عالم مختلف عن محيطه (آرتور فيداك/ Getty)

ويرى العبادي أن الثقة العمياء بالآخرين تجلب المشاكل التي يدفع الشخص ثمنها غالياً، وتنعكس آثارها على كل تفاصيل حياته. ويشير إلى أن الثقة ليست مفقودة في التعاملات المالية فقط، بل حتى في قضايا اجتماعية هامشية، ويؤكد معايشة معظم أفراد المجتمع الأردني أزمة كبيرة. 
في السياق، يعتبر أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الظروف الاقتصادية في المجتمع الأردني متشابهة، فغالبية الناس من الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخل المتدني عاجزون عن دعم بعضهم بعضا، لذا فقدوا القيمة الكبيرة للثقة التي كانت تربط أفراد المجتمع. وحتى الأصدقاء لم يعودوا قادرين على المساعدة، رغم أن الجميع يردد مقولة الصديق وقت الضيق". ويشير إلى أنه "أكثر من 134 ألف شخص مديون مطلوب في قضايا مالية. وهذه الأرقام تعكس العلاقات بين الناس وتفاصيل حياتهم اليومية، وطبيعة الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع. فعدم القدرة على سداد الديون والوفاء بمتطلبات المناسبات الاجتماعية من هدايا متعلقة بالزواج والولادة والنجاح وحتى المناسبات الاجتماعية البسيطة تفتت المجتمع، وتتسبب في انخفاض منسوب الثقة".

ويتابع: "أصبح أبناء المجتمع في عزلة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها. وفي تعاملهم مع بعضهم بعضا باتت الخلافات تسيطر عليهم، من هنا تزداد بعض المظاهر المجتمعية السلبية، مثل ارتفاع معدلات الجريمة والطلاق". ويرى الخزاعي أن "الناس تتبادل السلوك الإنساني في المجتمعات. وإذا شعر أي فرد أن شخصاً لا يثق به سيبادله الشعور نفسه". ويشير إلى أن المجتمع الأردني غير متدرب على حفظ الأسرار، علماً أن إفشاءها مع تناول الحياة الخاصة لأي شخص يؤدي الى عدم الثقة بالآخر. وهذا السلوك الاجتماعي متفشٍ في مجتمعنا".

المساهمون