استمع إلى الملخص
- يوضح الخبير التربوي عايش النوايسة أن القرار جاء نتيجة فروقات في الأداء لصالح مدارس الإناث، مشيراً إلى تحديات تقبل المجتمع وقدرة المعلمات على الاندماج، مع التأكيد على أن التجربة ستظهر نتائج القرار.
- تؤكد أستاذة العلوم التربوية أسيل الشوارب على أهمية مقاربة علمية لمصلحة التلاميذ، وتوصي بخطة تطوير تربوية متكاملة تشمل تأهيل المعلمات وتعزيز ثقافة التنوع والاحترام المتبادل لضمان نجاح التجربة.
تطبق وزارة التربية والتعليم الأردنية اعتباراً من العام الدراسي المقبل، قرار تأنيث الكوادر التعليمية لمدارس الذكور حتى الصف السادس
قررت وزارة التربية والتعليم الأردنية تأنيث الكوادر التعليمية لمدارس الذكور حتى الصف السادس الأساسي اعتباراً من العام الدراسي المقبل، مشيرة إلى أن الدراسات الحديثة أظهرت تحسناً ملحوظاً في مستويات الطلبة بنسبة 73,5% عند تدريس الصفوف الأولى بواسطة معلمات، إذ يسهم وجودهم في توفير بيئة تعليمية أكثر أمناً ودعماً نفسياً للأطفال.
وبينت الوزارة في بيان، الأحد الماضي، أن "القرار سيشمل 123 مدرسة، ويشمل المدارس التي تبدأ بالصف الأول وتنتهي بالصف السادس فقط، في حين ستبقى المدارس التي تضم صفوفاً أعلى من السادس على وضعها الحالي من دون تغيير. تطبيق التأنيث سيتم بالاعتماد على رصيد المعلمات المتوافر حالياً، مع تعيين معلمات جدد إذا اقتضت الحاجة، والمعلمون الذكور سيتم الاستفادة منهم في الوظائف الإدارية والمساندة في المدارس والمديريات التعليمية. عملية تأنيث التدريس في الصفوف الثلاثة الأولى بدأت قبل عقود، وكان معظم الطلبة الذكور يتلقون تعليمهم في مدارس مختلطة حتى الصف الرابع الأساسي، قبل أن ينتقلوا إلى مدارس خاصة بالذكور يديرها معلمون ذكور".
يقول الخبير التربوي عايش النوايسة لـ"العربي الجديد"، إن "قرار وزارة التربية والتعليم تأنيث الكادر التعليمي في المدارس حتى الصف السادس جاء استناداً إلى معطيات نفذتها الوزارة على مدار سنوات. ثمة مجموعة من الأسباب المهمة التي دفعت لاتخاذ هذا القرار، أبرزها الفروقات في الأداء بين المعلمين والمعلمات، ونتائج التلاميذ في المدارس من حيث الاختبارات الوطنية والمدرسية، والتي كانت تميل دائماً لصالح مدارس الإناث".
ويشير النوايسة إلى أن "فكرة تأنيث الإدارة التربوية في مدارس الذكور ليست جديدة، بل بدأ طرحها منذ سنوات، وكانت المبادرة الأولى تتعلق بتولي قيادات مدرسية نسائية إدارة مدارس الذكور، إلا أن هذه الفكرة لم تُعتمد حينها، وبعد مشاورات ودراسات، جرى العدول عنها. جزء من خلفيات القرار يعود إلى مقارنة دقيقة بين مدارس الذكور ومدارس الإناث، فطبيعة الإناث من حيث الانضباط والهدوء والالتزام، تختلف عن طبيعة الذكور الذين يميلون إلى النشاط الزائد وقلة الانضباط، وهو ما ظهر جلياً في نتائج الدراسات المتعددة".
يتابع: "أغلب المدارس قبل الصف الخامس مؤنثة، والتوجه الجديد جاء من الواقع التربوي، كما أن هناك العديد من المدارس المؤنثة في العديد من المحافظات، ومنها الباديتان الجنوبية والشمالية، حيث أغلب المدارس الخاصة كوادرها من المعلمات. لا يمكن إصدار أحكام مسبقة من دون اختبار فعلي على أرض الواقع، فالتجربة وحدها ستُظهر نتائج القرار، سواء إيجابية أم سلبية، ويعتمد الأمر على بيئة التعلم النفسية والاجتماعية، ومدى تقبل التلاميذ وأولياء الأمور لهذه الخطوة، وفي حال عدم نجاحها يمكن التراجع عنها".
ويؤكد الخبير التربوي أن "الدراسات المختلفة أظهرت فروقاً واضحة في الأداء بين المعلمين والمعلمات، بغض النظر عن المرحلة العمرية، وهذه الفروقات تعود إلى طبيعة الفئات العمرية وطبيعة الجنس، وليس إلى العنصر البشري ذاته، وهذا ما تثبته نتائج الثانوية العامة. لكن هناك تحديات قد تواجه تنفيذ القرار، على رأسها مدى تقبل المجتمع له، وقدرة المعلمات على الاندماج في هذه العملية".
بدورها، تقول أستاذة العلوم التربوية بجامعة البتراء، أسيل الشوارب، لـ"العربي الجديد"، إن "إسناد مهمة التدريس في هذه المرحلة إلى المعلمات فقط له مؤيدون ومعارضون، وهنا تبرز الحاجة إلى مقاربة علمية موضوعية لمصلحة التلاميذ بعيداً من الانطباعات العاطفية أو الأحكام المسبقة. تشير الدراسات التربوية إلى أن مرحلة الطفولة الوسطى (6 إلى 12 سنة) تمثل فترة تأسيسية في بناء الشخصية والهوية الاجتماعية لدى الأطفال، ويتعلم الأطفال من خلال التفاعل مع المعلمين والمعلمات، ما يسهم في بناء فهم متوازن للأدوار المجتمعية".
وتضيف: "تؤكد الأبحاث الحديثة أن الأولاد والبنات يتعلمون بطرق مختلفة، لا سيما في السنوات المبكرة من الدراسة، فالأولاد غالباً ما يحتاجون إلى أنشطة تعليمية أكثر حركة وحرية، بينما تميل البنات إلى الاستجابة بشكل أفضل لأساليب التعليم القائمة على التواصل اللفظي والتنظيم، لذا فإن وجود بيئة مدرسية شاملة بجميع مرافقها وتجهيزاتها يعد أمراً أساسياً لضمان جودة التعليم، ولا يقتصر الأمر على جنس المعلم، بل يتطلب تصميم بيئات صفية مرنة تسمح بالتعلم النشط".
وترى الشوارب أنه "في السياقات الثقافية المحافظة، حيث تتسم العلاقات بين الجنسين بحساسية اجتماعية، تزداد الحاجة إلى وجود معلمين ذكور للتعامل مع الأولاد، ولكن رغم هذه التحديات النظرية، فإن العديد من المدارس الخاصة المختلطة تطبق تأنيث التعليم حتى صفوف أعلى من الصف السادس، وقد حققت نجاحات تربوية. تأنيث التعليم الأساسي قد يوفر العديد من المزايا، ومنها توفير بيئة صفية آمنة نفسياً، واستفادة التلاميذ من مهارات المعلمات في التواصل الوجداني وتنظيم المواقف، لكن في الوقت ذاته، هناك تحديات، منها الحاجة إلى تلبية احتياجات التلاميذ الذكور على الصعيدين النفسي والاجتماعي، وخطر تشكل فجوات إدراكية حول مفهوم الأدوار المجتمعية لدى التلاميذ إذا لم تتم معالجة المسألة تربوياً بذكاء".
ولنجاح التجربة، تنصح أستاذة العلوم التربوية بتبني خطة تطوير تربوية متكاملة تشمل تأهيل المعلمات، وتوفير برامج تطوير مهني تركز على فهم الفروق بين الجنسين، وإتقان استراتيجيات إدارة الصف المختلط، واعتماد أنشطة تدريسية تجمع بين التفكير الإبداعي والحركي والاجتماعي، وتوفير كوادر إرشادية من المعلمين والمعلمات لدعم التلاميذ وتوجيههم في قضايا الهوية والنمو الاجتماعي، واعتماد آلية تقييم شاملة لرصد أثر هذا القرار على التحصيل الأكاديمي والصحة النفسية.
وتشير إلى أهمية أن تترافق السياسات التربوية مع رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على تعزيز ثقافة التنوع والاحترام المتبادل بين الجنسين في المناهج والممارسات الصفية، وتجهيز معلمات متخصصات في التعامل مع الفروق الفردية والنوع الاجتماعي بطريقة تربوية واعية، وقياس أثر هذه السياسات على نمو الأطفال معرفياً ونفسياً واجتماعياً.