الأردن: الطلاب سيعودون "غرباء" إلى مدارسهم

الأردن: الطلاب سيعودون "غرباء" إلى مدارسهم

15 يونيو 2021
صف دراسي في عمّان (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

مضى أكثر من عام ونصف العام على اعتماد التعليم عن بعد في مدارس الأردن، بسبب تفشي وباء كورونا. لكن الحكومة تتجه الى استئناف الدراسة الوجاهية العام المقبل، مع تراجع عدد الوفيات والإصابات بالفيروس. وفي إطار تحضيراتها لتنفيذ هذا الأمر، أطلقت وزارة التربية والتعليم حملة لتطعيم أكثر من 160 ألف معلم ومعلمة في سبيل توفير مقومات الدراسة الآمنة العام المقبل، مع تأكيدها أهمية تطبيق البروتوكولات الصحية الوقائية من المرض. وبعد الانقطاع الطويل عن الدراسة الوجاهية، يتوقع أن يشعر طلاب كثيرون بأنهم غرباء عن مدارسهم، بسبب أسلوب الحياة الذي عرفوه خلال الأشهر السابقة. وستظهر بالتأكيد فوارق في المعرفة العلمية بين الطلاب وحالات ضعف عام في تحصيلهم، علماً أن المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان ذكر في تقرير أصدره أخيراً أن "التعليم في البلاد يشهد تراجعاً يدعو إلى القلق، بعدما لم تنجح تجربة التعليم عن بعد". 

يقول الخبير التربوي ذوقان عبيدات لـ "العربي الجديد": "سينطلق العام الدراسي المقبل بعدما تغيّر كل شيء. فالتعليم قبل مرحلة تفشي وباء كورونا ليس كما بعدها. اكتسب الطلاب عادات جديدة، وباتوا يرون أن الدوام المنتظم غير ضروري، كما اكتشفوا أنهم يمكن أن يتعلموا بلا مدرسين أو مدرسة، وبلا قوانين وقواعد. وهم تعلموا أيضاً خلال الفترة الماضية أن الغش ممكن وربما مشروع باسم المساعدة من الأم والأب والأخوة الأكبر سناً". 
يتابع: "تغيّرت المفاهيم لدى الطلاب، إذ باتوا يعتبرون أن مواد الدراسة المهمة هي اللغات والعلوم والرياضيات، بخلاف مواد الدين والتاريخ والجغرافيا، ويرون أن الكتب تحتوي على تفاصيل لا لزوم لها. كذلك من العادات والقيم الجديدة للطلاب إمكان الدرس في أي وقت، وليس بالضرورة في تمام الساعة الثامنة صباحاً". ويوضح أن التغييرات "قد يكون بعضها إيجابياً وبعضها سلبياً. لكن المعلمين مضطرّون للتعامل مع تأثيراتها، ما يعني أن المدرسة يجب أن تتغير". 
وبحسب عبيدات، سيُواجه الجميع مشكلات كبيرة مع بدء العام الدراسي المقبل في حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتهيئة المدرسة لمواجهة التغييرات عبر استبدال ثقافة المرونة بثقافة القسر والإلزام، وتعديل ثقافتها وقوانينها وقيمها من أجل استيعاب الوضع الجديد. وكي لا تحدث مفاجآت، يجب إعداد برامج تشرح التغييرات للمعلمين، وتوضيح كيفية تعاملهم معها، لأن أساليب التدريس السابقة المعتمدة على التهديد والوعيد والعنف اللفظي والجسدي لم تعد تنفع.

الصورة
الأردن 1
تباعد بين تلاميذ في مدرسة بعمّان (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

ويرى عبيدات أن "المدارس فقدت دورها خلال الأزمة. واستعادتها ما خسرته سيًضطرها الى الاصطدام بتغييرات لا تصب في صالح هذا الدور، لذا يجب أن تفكر في مهماتها الجديدة، لأنها لن تستطيع أن تفرض مجدداً دورها الصارم وتأثيره الواسع على الطلاب والمجتمع".
في هذا الإطار تقول التربوية المتخصصة في مجال الإرشاد الاجتماعي والصحة النفسية، نجوى حرزالله، لـ "العربي الجديد": "بعد عام ونصف العام من اعتماد التعليم عن بعد نسأل: هل اكتسب الطلاب سلوكيات إيجابية أم سلبية، وكيف ينظرون إلى التعلم والعودة إلى المدارس، وإلى أصدقائهم وحياتهم الاجتماعية؟ هل سيقبلون بمرحلة التأسيس الخاصة بالرجوع الى مقاعد الدراسة، وانضمام طلاب جدد إليهم داخل غرف الصفوف وخارجها، بعدما اعتادوا نمط الجلوس في البيت والعيش بطريقة مختلفة، وقضاء وقت طويل بلا فعاليات تربوية؟". 
تضيف حرزالله: "أخذت الأجهزة الإلكترونية خلال الفترة الماضية حيزاً كبيراً من حياة الطلاب، ومنحتهم سلوكيات متكررة ودائمة منها الخمول والسهر وعدم تحمل مسؤوليات الواجبات، في ظل تلقيهم مساعدة في البيت. وهم باتوا أكثر تعلقاً بالأجهزة الإلكترونية من الكتاب المدرسي، ما يُثير استياء أولياء أمورهم الذين ينشدون أشياء جديد في حياة أبنائهم تعطيهم سلوكيات تحثهم على التفكير والتصرف بحيوية والتفاعل مع أفراد الأسرة". 
وتوضح أن "بعض الأهالي لا يرون أطفالهم بشكل جيد، فهم يستيقظون في وقت نومهم وينامون في وقت يقظتهم. حتى أنهم لا يجلسون معهم على مائدة الطعام بسبب سهرهم وانشغالهم في مشكلاتهم مع أصدقائهم أو أبناء الجيران، وينصبّ بعضها على الألعاب الإلكترونية ونتائجها". 
وترى حرزالله أن التعليم الوجاهي "يجعل حياة الطلاب مليئة بالانشغال والدراسة، علماً أن الاتصال بين الطالب والمعلمين يعطي نتائج واضحة وفورية في التحصيل. فعندما يشرح المعلم الدرس مباشرة يتحمل الطالب مسؤولية فهمه وليس الأهل، وقد خسِر طلاب كثيرون مهارات تعليم عدة، خاصة أولئك في مرحلة التأسيس بسبب التعليم عن بعد". وتشير إلى أن المعلمين أنفسهم سيُعانون لدى رجوعهم إلى المدرسة من فقدان مهارات، وعليهم بالتالي أن يعوضوا هذه الخسارة، علماً أنه لا بدّ من تحديد حصص تعويضية للطلاب". 

وتؤكد حرزالله أهمية أن يطرح النظام التعليمي حلولاً للمشكلات المستجدة، خاصة في ظل وجود فروق فردية بين الطلاب وبين قدرات الأهل على تعويض هذا النقص خلال فترة التعليم عن بعد، كما أن طلاباً سيواجهون صعوبة في تقبل وجودهم في غرف الصفوف، بعدما اعتادوا التعلم من بعد.

المساهمون