الأردن: التعليم المدرسي يعاني من آثار كورونا

الأردن: التعليم المدرسي يعاني من آثار كورونا

23 مايو 2022
تلاميذ وسط كورونا في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت أزمة كورونا الوبائية تلقي بظلالها على الواقع التعليمي في الأردن. فبعد عام ونصف عام من التعليم عن بُعد، صار تلاميذ كثيرون يتهرّبون من الانتظام في الدوام المدرسي اليومي، على الرغم من إنهاء كثير من الإجراءات الحكومية الخاصة بمكافحة الوباء.
فاطمة العبادي من محافظة البلقاء شمال غربي الأردن، أمّ لأربعة تلاميذ (فتاتان وصبيان) يتابعون تعليمهم في المدارس الحكومية، تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تواجه "صعوبات كثيرة لإقناع أبنائي بالالتزام بالدوام، خصوصاً أنّ التعليم في بعض الصفوف ما زال بنظام التناوب، مع دوام حضوري لمدّة ثلاثة أيام في الأسبوع". تضيف العبادي أنّ "أبنائي لا يرغبون في الدوام، ومن وجهة نظرهم فإنّ الدوام الحضوري غير مهمّ"، لا سيّما بعد عامَين من التعطيل نتيجة الإغلاقات. وترى العبادي أنّ "ما يشجّع أبنائي على عدم الالتزام بالدوام هو تغيّب تلاميذ آخرين. فتبدأ المقارنة ويتحوّل عدم الالتزام بالدوام إلى ما يشبه العدوى. وما ينطبق على أبنائي ينطبق على كثيرين من سكان حيّنا كذلك". وتؤكد العبادي أنّ "هذه المشكلة ليست مشكلتي وحدي، فكثيرون من أقاربي يؤكّدون أنّهم يواجهون المشكلة ذاتها"، مبيّنة أنّ "هذا الجيل مختلف عن الذي سبقه ولا يستجيب بسهولة لنصائح الأهل وطلباتهم، وينظر باستخفاف إلى المدرّسين والمدرّسات وتوجيهاتهم".

من جهتها، تقول عبير حسن، وهي أمّ لتلميذَين في إحدى المدارس الخاصة في العاصمة عمّان، إنّها تواجه صعوبة في إقناعهما بالدوام الحضوري بعد التعطيل الطويل والدراسة عن بُعد في خلال أزمة كورونا. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الأمر لا يتعلّق بالدوام فحسب، فهما لا يهتمّان بالدراسة للامتحانات وتأدية الواجبات كما قبل أزمة كورونا"، لكنّها ترى أنّ "المدارس الخاصة أكثر متابعة للتلاميذ من المدارس الحكومية، بناءً على ما تخبرني به صديقات أبناؤهنّ في مدارس حكومية".
أمّا علي علوان، وهو أب لثلاثة تلاميذ في المدارس الحكومية، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التلاميذ عموماً صاروا مهمِلين بعد أزمة كورونا، ولا يتابعون تعليمهم مثلما يجب ولا يهتمّون إلا بالألعاب الإلكترونية". ويظنّ أنّه "بسبب الأزمة، خسر التلاميذ كثيراً من اهتمامهم بالتعليم، وأتوقّع أن يكون الجيل الحالي ضعيفاً على المستوى الدراسي باستثناء تلاميذ بعض المدارس الخاصة المميّزة"، محمّلاً مسؤولية ذلك إلى "إدارات المدارس ووزارة التربية والتعليم بشكل رئيسي، من دون إعفاء الأهل من المسؤولية". ويؤكد: "لم أعد أستطيع السيطرة على أبنائي، مثلما كان الأهل يسيطرون على أبنائهم ويوجّهونهم قبل 20 عاماً".
في سياق متصل، يقول المتحدث الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم الأردنية أحمد المساعفة لـ"العربي الجديد" إنّ "الوزارة ممثّلة بإدارات المدارس تتابع بشكل مستمرّ حضور التلاميذ وغيابهم"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة منظومة إلكترونية لرصد غياب التلاميذ. وفي حال تكرّر غياب أحد التلاميذ، يتابع المرشد المدرسي الأمر مع ذويه". ويوضح المساعفة أنّ "ثمّة عدداً محدداً من أيام الغياب المسموح بها لكلّ تلميذ، سواءً أكانت بعذر أو من دون عذر، ولا يجوز تجاوزها، وهي مرتبطة بأسس النجاح والرسوب". يضيف أنّ "التلاميذ منتظمون بالدراسة في مختلف مدارس البلاد، ولم تصل الوزارة أيّ ملاحظات فارقة حول الغياب الذي يبقى بحدّه المقبول"، مشدّداً على أنّه يُصار إلى "متابعة التلاميذ بشكل مستمر".
وكانت وزارة التربية والتعليم قد أصدرت توجيهات خاصة بالنجاح والرسوب وإكمال العام الدراسي 2020 - 2021، أبرزها أنّ التلميذ يُعَدّ راسباً في مرحلتَي التعليم الأساسي والثانوي في حال تجاوزت نسبة غيابه عن المدرسة 10 في المائة  من دون عذر مقبول، من أيام الدوام الرسمي المقدّر بنحو 200 يوم دراسة فعلية.

الصورة
تلاميذ وكورونا في مدرسة في الأردن (Getty)
التعطيل في أزمة كورونا أثّر سلباً على مزاج التلاميذ (Getty)

وترى المتخصصة في أصول التربية هبة أبو حليمة في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "ثمّة تلاميذ في المدارس الحكومية والخاصة لا يرغبون في عودة انتظام العملية التعليمية بعد عام ونصف عام من غياب التعليم الحضوري"، مشيرة إلى أنّ "من بين هؤلاء من يدّعي المرض من أجل التهرب من الدوام. ومن خلال متابعاتي، أرى أنّ هذه المشكلة تأتي أكثر بروزاً في المدارس الحكومية مقارنة بالمدارس الخاصة". تضيف أبو حليمة أنّ "الأمر لا يقتصر على التلاميذ، فثمّة مدرّسون صاروا يتهرّبون من دوامهم وأداء واجبهم بالطريقة المثلى، الأمر الذي ينعكس كذلك على التلاميذ"، لافتة إلى أنّ "السبب الأهمّ في التسرّب هو عدم قدرة المدرّس على تقديم إضافة إلى التلميذ وزيادة رغبته في الانتظام بالحصص". وتؤكد أبو حليمة أنّ "ثمّة تسرّباً من المدارس. فالتلميذ يخبر والدَيه بأنّه يذهب إلى المدرسة لكنّه لا يصل إليها. وهنا يأتي دور المدرسة التي تتوجّب عليها متابعة الحضور والغياب يومياً وبشكل مستمرّ، والتواصل مع أولياء الأمور عند تغيّب أحد أبنائهم التلاميذ".
وتشدّد أبو حليمة على "وجوب مواجهة هذه الظاهرة. فالمنظومة التعليمية تنهار منذ بداية أزمة كورونا شيئاً فشيئاً، وكثيرون من التلاميذ هم في حالة ضياع. بالتالي لا بدّ من رقابة ومتابعة للتلاميذ من قبل المدارس والمدرّسين". وتوضح أبو حليمة أنّ "ثمّة تلاميذ صاروا يواجهون مشكلات ويرفضون العودة إلى الدوام"، لافتة إلى "أهمية الإرشاد النفسي وحسن تعامل المدرّسين لتجاوز مثل هذه القضايا، فالعام الدراسي الجاري صعب... لكنّه يبقى أفضل مع العام الماضي".
وتتابع أبو حليمة أنّه "لا يمكن لوم المدارس فقط. فعندما يزيد عدد التلاميذ المتغيّبين، لا بدّ من أن يأتي العمل مشتركاً ما بين إدارة المدرسة والأهالي". وترى أنّ "الآباء غير قادرين على السيطرة على أبنائهم، لا بل صار الأبناء، وللمفارقة، يفرضون قراراتهم على أهاليهم"، مؤكدة أنّ "عالم السوشال ميديا دمّر التلاميذ، خصوصاً في خلال أزمة كورونا، إذ كانوا يقضون ساعات طويلة على مواقع التواصل والإنترنت عموماً، وقد استمرّوا في ذلك بعد تراجع حدّة الأزمة".

وتأسف أبو حليمة، إذ إنّ "هذا الجيل خسر الكثير. فالمدارس تحاول السيطرة على الوضع والعودة الحقيقية إلى العملية التعليمية، فيما يبحث التلاميذ عن حصص الفنون والرياضة من أجل الراحة، غير راغبين في تلقّي المواد الأكاديمية". وتكمل أنّ "هذا العام، لا فائدة حقيقية من التدريس والعمل ينصبّ على عدم حدوث مشكلات وعودة التلاميذ إلى طبيعتهم بعدما زاد العنف والتنمّر بينهم. وفي حال لم نتدارك هذا الجيل كمدرّسين، وبمساعدة أولياء الأمور، فسوف نخسره. والمدرّس لا يستطيع أن يكون الفانوس السحري للتلاميذ وإنجاز كامل المهام المتعلقة بالتربية والتعليم لوحده من دون مشاركة أولياء أمور هؤلاء".

المساهمون