الأجنّة ليست أضراراً جانبية في العدوان الإسرائيلي على غزة

08 ابريل 2025
معاناة النساء الحوامل كبيرة في غزة، 29 فبراير 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني النساء الحوامل في غزة من ظروف صحية كارثية بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الإجهاض نتيجة القصف والنزوح وسوء التغذية، مع نقص حاد في الأدوية والمثبتات الضرورية للحمل.

- تروي نساء مثل نهالي محمد الحرازين وريم أبو سالم ومها سعد تجاربهن المؤلمة مع الإجهاض نتيجة الظروف القاسية، حيث يعانين من نقص التغذية وعدم توفر الأدوية، ويضطررن لتحمل أعباء جسدية ونفسية كبيرة.

- أدى خروج العديد من المستشفيات عن الخدمة إلى تفاقم الوضع الصحي للحوامل، حيث تقتصر خدمات الولادة على عدد محدود من المستشفيات، مما يجعل غزة من أخطر الأماكن على حياة النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة.

ارتفعت نسبة الإجهاض بين الحوامل في غزة كثيرا منذ بدء العدوان الإسرائيلي، كذلك فإنّ 90% من الحوامل والمرضعات هناك يعانين من سوء تغذية حاد، ليظهر أن الحرب على الأجنّة هدف أساسي للحرب

وسط ظروف مأساوية وأوضاع كارثية تحت وطأة القصف، والنزوح والتشرّد والتجويع وسوء التغذية، تعيش النساء الحوامل في قطاع غزة أوضاعاً صحية صعبة، أدت إلى ارتفاع نسبة الإجهاض بينهن. وتعيش النساء في بيئة غير ملائمة لهن ولأجنتهن، عدا عن مشاركتهن في أعمال شاقة فرضتها ظروف الحرب، كحمل المياه، وغسل الملابس بوسائل بدائية منهكة، وانقطاع الأدوية والمثبّتات والمضادات الحيوية اللازمة مع استمرار إغلاق المعابر.
عاشت نهالي محمد الحرازين ليلة عصيبة مع اشتداد القصف الإسرائيلي الجوي والمدفعي على حيها السكني الواقع في شارع المنصورة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. في تلك الليلة، اهتزت جدران منزلها مرات عدة، وفُتحت أبواب المنزل جراء شدة الانفجارات. ظُهر اليوم التالي، ومع اشتداد القصف، قررت الحرازين، الحامل بشهرها الثاني، النزوح من المنزل. حمل زوجها أمه المسنّة التي تبلغ من العمر سبعين عاماً، وأمسك بيد أطفاله وركض بهم، بينما حملت طفلتها البالغة من العمر أربع سنوات. وخلال هروبهم، كانت الصواريخ تسقط قربهم.  
في النهاية، نجا الجميع إلا الجنين في رحمها. في لحظة ما، سال الدم منها وشعرت بألم شديد. تقول لـ "العربي الجديد": "لم أعتقد بداية أن النزيف ناتج من الإجهاض. في اليوم التالي، اشتد الألم وبدأت أشعر بالوهن والتعب والوجع في منطقة البطن، فتوجهت إلى المستشفى. كان نبض الجنين لا يزال يُسمع. لكن مع استمرار النزيف والوجع، اضطروا إلى إجراء عملية الإجهاض".
تستريح الحرازين على أحد الأسرّة بعد إجراء العملية في مجمع الصحابة الطبي في مدينة غزة للتعافي. تقول: "كنت آمل أن يكتمل الحمل وأرزق بطفلي الرابع، لكن قدر الله وما شاء فعل".

أعمال شاقة

في أحد ممرات قسم العمليات الجراحية في مجمع الصحابة الطبي، كانت ريم أبو سالم تستعد لمتابعة عملية تنظيف الرحم بعد إجرائها عملية إجهاض في اليوم الذي سبقه، هي التي كانت حاملاً في شهرها الثاني أيضاً. لم يكن السبب بعيداً عن مآسي الحرب وويلاتها. إذ تشارك أبو سالم أطفالها مرتين في الأسبوع في حمل غالونات المياه إلى الطابق الثاني، حيث شقتها في حي الدرج شرق مدينة غزة. تقول لـ "العربي الجديد" إنه قبل الدخول إلى غرفة العمليات، كانت تشعر بتعب شديد وألم. وتوضح: "منذ أكثر من شهر، نعيش مجاعة شديدة. لم آكل البيض أو السمك أو الحليب أو الدواجن. الطعام عبارة عن معكرونة وعدس وفاصولياء وأرز. كما أنني لم أستطع شراء أدوية مثبتة للحمل نتيجة ارتفاع سعرها أو لعدم توفرها".

وبشكل مستمر، تحمل أبو سالم غالونات المياه. وتقول: "ربما هذا هو السبب الأساسي للإجهاض. من الصعب على الحامل حمل أشياء ثقيلة. كنت أتولى وأطفالي تعبئة خزان داخل الشقة بسعة 500 لترٍ، وهذا أمر مرهق جداً".
أما مها سعد التي أجهضت في اليوم نفسه، فتسكن في خيمة فوق سطح مركز إيواء يقع بالقرب من مفترق جباليا. يومياً، تشاهد القصف المتواصل على حي الشجاعية، الذي يؤدي إلى اهتزاز جدران المدرسة، فتشعر وكأن خيمتها توشك على السقوط. بالإضافة إلى الخوف والتوتر اليومي، تعاني من الجوع. بحسرة، تروي لـ "العربي الجديد" ما حدث معها، هي التي كانت تتمنى اكتمال الحمل وإنجاب طفلها الثاني. تقول: "لاحظت أنني أنزف وأنا حامل في الشهر الثاني. وكانت الأيام التي سبقت الإجهاض مليئة بالخوف جراء القصف المستمر، عدا عن صعوبة الحياة في المركز في ظل غياب النظافة وانتشار مياه الصرف الصحي في أماكن عدة. يضاف إلى ما سبق المجاعة التي نعيشها. أتقاسم رغيف الخبز مع زوجي وطفلتي، ونحصل على الطعام من التكايا الخيرية، وهو عبارة عن معكرونة وأرز".
تتابع: "أمنيتي هي أن أتمكن من شرب الحليب وتناول الدجاج. إلا أن هذا غير ممكن وخصوصاً أن زوجي لا يعمل، حتى أن وزني انخفض من 70 إلى 50 كيلوغراماً. وبطبيعة الحال، لم يزدد وزني خلال الحمل".

داخل مستشفى في غزة، 8 يناير 2025 (خليل رمزي الكحلوت/الأناضول)
خلال فحص طفل حديث الولادة في مستشفى في غزة، 8 يناير 2025 (خليل رمزي الكحلوت/الأناضول)

بالإضافة إلى كل تلك المعاناة، لا تتوفر مياه شرب كافية. وتعتمد على مياه شاحنات توزيع المياه التي تصطف داخل ساحة المدرسة، وتشهد ازدحاماً وتدافعاً بين النازحين. أحياناً تحرم من الحصول على المياه، فتشرب مياهاً غير صالحة نتيجة العطش.
وبحسب معطيات وزارة الصحة، تلد النساء الحوامل وسط ظروف صعبة. وتشير إلى أن أكثر من 100 ألف امرأة حامل أو أنجبن حديثاً يعشن ظروفاً سيئة وغير طبيعية، بعد خروج مستشفيات عن الخدمة، مثل المستشفى الإماراتي للولادة في رفح في مايو/ أيار 2024، ومجمع ناصر الطبي ما بين يناير/ كانون الثاني ومايو/ أيار 2024، قبل عودة الخدمة إليه، بالإضافة إلى مستشفى كمال عدوان. وتقتصر خدمة الولادة على مستشفى العودة في النصيرات (وسط) ومجمع الصحابة الطبي ومستشفى الأهلي العربي ومستشفى الحلو الدولي ومستشفى أصدقاء المريض بمدينة غزة، ومجمع ناصر الطبي بخانيونس (جنوب).

خروج مستشفيات عن الخدمة

ويفيد مجمع الصحابة الطبي، والذي يعد ضمن ثلاثة مستشفيات مختصة بالولادة في مدينة غزة وشمال القطاع، وأكبرها حالياً، بأن حالات الولادة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بلغت1821 حالة ولادة، من ضمنها 389 ولادة قيصرية، و1432 ولادة طبيعية، فيما بلغت حالات الإجهاض خلال الفترة نفسها 83 حالة.
ويقول مدير المجمع الطبيب نعيم أيوب، إنّ معدلات الإجهاض المسجلة في المجمع ارتفعت نتيجة تكرار حالة النزوح. ويقدر أن نسبة 30% من النساء الحوامل أجهضن بسبب الحرب والقصف المستمر، وغياب الأدوية والفيتامينات وخروج الكثير من المستشفيات المتخصصة بالولادات عن الخدمة، فضلاً عن مغادرة العديد من أطباء النساء والتوليد. 
وقبل إجراء المقابلة مع "العربي الجديد"، كان أيوب المتخصص بأمراض النساء والولادة قد أجرى ست عمليات ولادة قيصرية، وأربع عمليات تنظيف لحالات إجهاض، بمساعدة طبيب وطبيبة غير متخصصين، بالإضافة إلى طاقم تمريضي. وتوزعت النساء على ثلاث غرف عمليات جراحية، ما يشكل ضغطاً كبيراً.

ويوضح أيوب أن الإجهاض يحدث منذ بداية فترة الحمل وحتى الأسبوع السابع والعشرين، نتيجة الحرب والنزوح والقصف. يضيف أن أماكن النزوح التي تلجأ إليها النساء الحوامل غير صالحة للعيش الآدمي، ويجب أن تحظى الحامل برعاية خاصة، عدا عن أحوال الطقس في ظل العيش في برد شديد أو حرارة مرتفعة، وقلة التغذية بسبب إغلاق المعابر وعدم دخول المساعدات. ويلفت إلى أنه "قبل بدء العدوان الإسرائيلي، كانت لدى النساء الحوامل ملفات متابعة في المستشفيات والعيادات، وكن يراجعن الطبيب كل أسبوعين. إلا أن هذا لم يعد متوفراً خلال الحرب، وتعجز الحامل عن متابعة وضع جنينها. يضاف إلى ما سبق عدم حصول الأم على الفيتامينات اللازمة. وبدلاً من أن يزداد وزنها، نلاحظ أنها تخسر الوزن ما يؤثر على حياة الجنين".
ويذكر أن للغارات تأثيرا كبيرا أيضاً، فقد ألقى الاحتلال عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات على القطاع، ما أدى إلى  الإجهاض أو تشوه الأجنّة. يتابع: "في كثير من الحالات، هدمت بيوت فوق أو على مقربة من نساء حوامل، ما أدى إلى حدوث إصابات أو استشهادهن مع الجنين أو الإجهاض في حال النجاة. ولنقص الأدوية تأثير أيضاً على الحمل. وتعاني النساء الحوامل من غياب حقن الهيبارين لمنع التجلطات".
وكانت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، قد أعلنت أن 90% من النساء الحوامل والمرضعات في قطاع غزة يعانين من سوء تغذية حاد، وأن نقص المعدات الطبية يحول دون حصولهن على العلاج اللازم. كما حذرت المنظمة من أن قطاع غزة أصبح من أخطر الأماكن في العالم على حياة النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة.

المساهمون