استمع إلى الملخص
- التحديات الاقتصادية والاجتماعية: يعاني السكان من ارتفاع تكاليف المعيشة في المدن الكبرى، حيث يؤثر الاكتظاظ على الصحة والتعليم وحركة المرور، وزيادة الطلب على المساكن ترفع الإيجارات وتصعب العثور على سكن مناسب.
- جهود إعادة الإعمار والتكيف: تشهد المنطقة حركة لإعادة إعمار البيوت، لكن الظروف القاسية تعيق العودة. تأقلم النازحون مع الحياة الجديدة، مثل محمد سمعان الذي بدأ مشروعًا سكنيًا في سرمدا.
مع عودة اللاجئين وبقاء النازحين في محافظتي إدلب وحلب في سورية، زاد الاكتظاظ السكاني الذي فاقم مشكلات الأهالي
بعد سقوط النظام السوري، شهدت المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة المعارضة في محافظتي إدلب وحلب، عودةً للاجئين من لبنان وتركيا بأعداد كبيرة. لكن تسلّم العائدين لبيوتهم التي يسكنها نازحو بقية المحافظات وبقاء الخيام، فاقم الاكتظاظ السكاني في المنطقة التي تضم أكثر من ستة ملايين نسمة.
كان النازحون السوريون يأملون التخلّص من حياة الخيام في شمال غرب سورية والعودة إلى مناطقهم الأصلية. لكن البيوت المنهوبة في مناطق سيطرة النظام السابق والبنى التحتية غير المجهزة جعلت من تجهيزات العودة إجراء مُربكاً.
لم يتغير الواقع كثيراً عند القاطنين في الخيام. لكن أولئك الساكنين في بيوت مستأجرة يواجهون ارتفاع بدلات الإيجار نتيجة عودة سكان إدلب وحلب الأصليين إلى بيوتهم بأعداد كبيرة من لبنان وتركيا.
جعفر القاسم لاجئ عائد حديثاً من لبنان إلى مدينته المسطومة في ريف إدلب، يقول لـ "العربي الجديد": "نحن في منطقة ريف إدلب كنا نقصد لبنان للعمل منذ سنوات طويلة. والدي كان يعمل هناك، ومعظم الذين كنت ألتقيهم في لبنان هم من سكان منطقتي. فور سقوط النظام، جمعت أغراضي للعودة مع الكثير من معارفي، ودخلنا عبر منطقة حدودية مع محافظة حمص كونها أقرب إلينا. قبل ذلك، اتصلت بالعائلة الساكنة في منزلي وهم نازحون من سراقب المدمرة وطلبت منهم إخلاء المنزل. شعرت بالأسف، لكنني لا أملك بيتاً آخر أعود إليه".
ويزيد الاكتظاظ السكاني من المشكلات التي يعانيها سكان المنطقة أصلاً، من بينها غلاء بدلات الإيجار وقلة توفرها. كما أن عودة السكان الأصليين إلى بيوتهم يضع النازحين أمام خيارات صعبة، منها التوجه إلى المخيمات أو العودة إلى بيوتهم في مناطق لا تزال غير صالحة للسكن والاستقرار.
ولا تؤثر أزمة البيوت على النازحين المقيمين فقط، بل تمتد إلى سكان المنطقة الذين لا يملكون شيئاً فيها، كحال سامح فضل من تفتناز، الذي اضطر إلى مغادرة قريته بعد انتهاء عقد الإيجار والانتقال إلى السكن في إدلب المدينة مع عائلته، بعدما عانى لإيجاد منزل.
وتبدو مظاهر الاكتظاظ أكثر وضوحاً في القرى الكبيرة والمدن مثل إدلب المدينة وسرمدا والدانا وبنش وأريحا، وفي عفرين وأعزاز وجنديرس وغيرها في شمالي حلب. ويؤثر ذلك على قطاعات مثل الصحة والتعليم وحركة المرور. عبد الرحيم حفاظ ممرض مقيم في عفرين، يقول لـ "العربي الجديد": "أقابل يومياً حوالي عشرين مريضاً في المستشفى الذي أعمل فيه، ومعظمهم نازحون من محافظات أخرى. تضم المنطقة نسبة من السكان تتجاوز حد الخدمات الموجودة، كما أن القادمين من تركيا إلى مناطقهم في الشهر الأخير زاد من أعداد المراجعين. نحن بحاجة إلى مستشفيات جديدة أو عودة النازحين إلى مناطقها الأصلية. وهذا ما يتوقعه الجميع منذ سقوط النظام. لم أتمكن من العودة إلى قريتي في ريف حمص وأنتظر استقرار الأمن أكثر ربما في غضون أشهر".
بحسب مراقبين، فإن الاكتظاظ السكاني الحالي والذي تراكم على مدار سنوات من الحرب والتهجير لن يدوم طويلاً. فالتوازن السكاني يحتاج إلى مزيد من الوقت وتوفر الأجواء المناسبة، كما أن ظروف المخيمات وسقوط النظام يجعلان معظم النازحين يتجهزون للعودة.
وتشهد المنطقة حركة إصلاح للبيوت وإعادة إعمارها. ويقول محمد العزو من مدينة سراقب، لـ "العربي الجديد": "70٪ من بيوت مدينتي مدمرة ومنهوبة كلياً أو جزئياً. نعمل منذ سقوط النظام على إعادة تأهيلها وقد انتهينا بالفعل من إصلاح الكثير من البيوت والبدء بإعمار المهدم منها. لكن ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت. بعض العائلات تركت الخيام وعادت إلى بيوتها المهدمة، لكن البرد القارس جعلهم يعيدون النظر في ذلك".
وتشهد مراكز بيع الإسمنت والحديد زيادة في حركة الشراء والمبيع بحسب مصطفى السمعو، صاحب مركز مواد بناء في الأتارب في ريف حلب. ويقول عابد حج حمدون، وهو متعهد بناء، لـ "العربي الجديد": "منذ شهر، وقعت ثلاثة عقود لبناء منازل ومبانٍ. وبدأت مشروعين في آن. الناس متعطشة للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد سقوط النظام وتوقف القصف. شعروا بالطمأنينة. كما أن منطقتي إدلب وريف حلب بعيدتان عن أماكن النزاع الحالية، ما يشجع الناس على إصلاح المنازل أو إنشاء مبانٍ جديدة من شأنها تخفيف حالة الاكتظاظ الحالي وتوزع السكان".
لدى النازحين رغبة جامحة في العودة إلى مناطقهم، إلا أن كثيرين تأقلموا على البقاء في شمال غرب سورية ويشعرون بالاستقرار في ظل طول المدة التي قضوها واستقرار أعمالهم وامتلاكهم بيوتاً. ويقول محمد سمعان، وهو نازح من حماة ومقيم في سرمدا شمال إدلب، لـ "العربي الجديد": "أقيم في إدلب منذ 12 عاماً، ولدي وأقاربي مشروع سكني من أربعة مبانٍ قرب مدينة سرمدا، وأعمل في التجارة. لا أستطيع العودة إلى حماة ولا أريد ذلك بعدما بنيت حياة جديدة هنا. كما أن أولادي ولدوا هنا".