اغتصاب أطفال السودان... صدمة ودعوات لوقف الانتهاكات

05 مارس 2025
شرائح الأطفال الأكثر تضرراً في حرب السودان، 4 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشف تقرير "يونيسف" عن تعرض 221 طفلًا للاغتصاب في السودان منذ بداية 2024، مع صعوبة الإبلاغ بسبب الخوف من الوصم أو الانتقام، مما يعيق الوصول إلى الخدمات اللازمة للناجين.
- تعمل "يونيسف" على إنشاء مساحات آمنة وتقديم خدمات للناجين، مع دمجها في المراكز الصحية، وتطالب الحكومة باحترام القانون الإنساني ووقف العنف الجندري.
- تؤكد المتخصصة ابتسام محمود على الآثار النفسية للاغتصاب، وتشدد على أهمية الدعم النفسي والقانوني، فيما تدعو الناشطة أسماء التوم لتدخل المنظمات الدولية لكسب ثقة الضحايا.

شكّل تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الذي كشف عن تعرض أطفال لم تتجاوز أعمارهم السنة للاغتصاب خلال الحرب الدائرة في السودان، وتسجيل 221 حالة اغتصاب للأطفال على يد مسلحين منذ بداية عام 2024، صدمة لدى الناشطين والمعنيين بحقوق الأطفال، الذين نادوا بالتحرك للتصدي لهذه الانتهاكات، محذرين من آثاره النفسية والمجتمعية في المستقبل. 
وأوضحت المنظمة، وفقاً لبيانات جمعها مقدمو الخدمات للناجين من العنف الجندري في السودان، أنه "من بين 221 طفلاً أبلغ عن تعرضهم للاغتصاب، هناك 147 فتاة، أي إن نسبة 66% هي إناث. أما كون 34% من الأطفال المغتصبين من الذكور فهو أمر ملحوظ أيضاً، إذ قد يواجهون وصمة العار وتحديات فريدة في الإبلاغ وطلب المساعدة والوصول إلى الخدمات. ومما يثير الدهشة والاستنكار أن هناك 16 ناجياً تحت سن 5 سنوات، منهم 4 أطفال بعمر سنة واحدة. وقد تم الإبلاغ عن حالات في تسع ولايات سودانية مختلفة، في الجنوب والشمال والشرق والغرب. كما أبلغ عن 77 حالة إضافية من الاعتداء الجنسي على الأطفال، معظمها محاولات اغتصاب".
ووفقاً لـ"يونيسف"، فإن أغلب الناجين وأسرهم لا يرغبون في الإبلاغ عمّا جرى أو لا يستطيعون ذلك بسبب صعوبة الوصول إلى مقدمي الخدمات للناجين من العنف الجندري في السودان والتابعين للمنظمة، أو الخوف من الوصم، أو الخوف أن تلفظهم أسرهم أو مجتمعاتهم، أو الخوف من انتقام الجماعات المسلحة، أو الخوف من تسرب المعلومات.
ووصفت المديرة التنفيذية لـ"يونيسف" كاثرين راسل، تعرّض أطفال بعمر السنة للاغتصاب من قبل رجال مسلحين بأنه "أمر جلل يجب أن يهزّ أركان كل إنسان ويدفعه إلى اتخاذ إجراءات فورية".
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إبريل/ نيسان عام 2023، كانت شرائح الأطفال والفتيات والنساء الأكثر تضرراً وتأثراً. وبات ملايين الأطفال خارج المدارس، فيما فقد آخرون أهلهم أو قتلوا نتيجة احتدام المعارك وسط المدن والقرى. كما افتقد الأطفال والنساء خدمات الرعاية الصحية بعد خروج غالبية المؤسسات الصحية الموجودة في مناطق النزاع عن الخدمة. وبرز العنف الجنسي باعتباره أحد أسلحة الحرب، وهو سلاح لم يسلم منه حتى الأطفال. وتأتي هذه الاعتداءات في إطار جرائم الحرب والانتهاكات المروعة للقانون الدولي. 
في هذا الإطار، تعمل "يونيسف" مع شركائها على إنشاء مساحات آمنة تقدّم خدمات للناجين من العنف الجندري، ودمج هذه الخدمات في خدمات الصحة في المراكز الصحية والعيادات المتنقلة وعلى توفير المستلزمات الطبية ذات الصلة. وتقوم أيضاً ببناء قدرات العاملين في الخطوط الأمامية، بمن في ذلك المختصون الاجتماعيون والخبراء النفسيون والصحيون لنشرهم عبر السودان، لتقديم خدمات مجتمعية منها خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي والإحالة، والعمل داخل المجتمعات المحلية للتصدي للأعراف والممارسات الاجتماعية الضارة.

وواصلت "يونيسف" مطالبتها حكومة السودان وجميع الأطراف باحترام القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في حماية المدنيين خاصة منهم الأطفال، ووقف استخدام العنف الجندري بما في ذلك العنف الجنسي تكتيكاً من تكتيكات الحرب. كما طالبت بوجوب حماية البنى التحتية للخدمات الأساسية ومقدميها ليتمكنوا من مواصلة عملهم المنقذ للأرواح، وبالسماح للعاملين في المجال الإنساني بتقديم المساعدات والخدمات المنقذة للحياة بأمان، وأن يتاح للأسر الوصول بأمان إلى الدعم الذي تحتاج إليه، وأن تكون أنظمة البيانات الآمنة والأخلاقية أولوية، فهي تساهم في تعزيز جهود الاستجابة الإنسانية كما قد تكون جزءاً من جهود أوسع لمحاسبة الجناة. كما يجب على المانحين عند اتخاذ قرارات التمويل اعتبار برامج العنف الجندري برامج منقذة للأرواح. والوقت ينفد لوقف أزمة العنف الجنسي في السودان التي تستشري وتضرّ بالأطفال وتترك إرثاً وخيماً مستداماً.
تقول مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في الحكومة السودانية، سليمى إسحق، إن الأرقام الواردة في تقرير "يونيسف" مثيرة للقلق، مشيرة إلى أن وحدتها جمعت أرقاماً تتضمن حالات اغتصاب موثقة بحق فتيات ونساء بلغت 193 حالة، من بينها جرائم بحق فتيات تحت الـ 18 والـ 15 عاماً. ووقعت بعض حالات الاغتصاب هذه في مناطق آمنة، كما أن هناك حالات استغلال جنسي وتحرش بالأطفال من الجنسين، مشيرة في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أنهم وثقوا جريمة اغتصاب طفلة في الثانية من عمرها، ما سبّب لها مشكلات صحية كبيرة.

أطفال سودانيون يغادرون ولاية الجزيرة، 2 نوفمبر 2024 (فرانس برس)
أطفال سودانيون يغادرون ولاية الجزيرة، 2 نوفمبر 2024 (فرانس برس)

وتقول إسحق إن العنف الجندري يتطلب دعماً نفسياً من قبل متخصصين، مشيرة إلى أن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل تتعاون مع "يونيسف" لتدريب الفتيات تحت سن الـ 15 في مخيمات إيواء النازحين، لتجنب الاعتداءات الجنسية والاستغلال الجنسي. كما يركز التدريب على جوانب أخرى منها السرد الذي يساعد على الشفاء، ويركز على قوة الفتاة من الداخل، بالإضافة إلى برامج أخرى للتوعية حول مخاطر الزواج المبكر للفتيات، خصوصاً أن بعض العائلات تلجأ إلى تزويج الفتيات على اعتبار أن ذلك قد يحميهن من الاغتصاب. كما تعمل الوحدة على التوعية حول مكافحة عادة تشوية الأعضاء التناسلية. وتلفت إلى أن الأطفال الذين فقدوا أسرهم خلال الحرب يتعرضون لأخطار عدة، منها التجنيد الإجباري بواسطة المليشيات، ما يشكل خطراً عليهم وعلى الأمن القومي كله.
من جهتها، تقول المتخصصة في علم النفس والمسؤولة في منظمة تنمية الصحة النفسية للمرأة والطفل، ابتسام محمود، إن الاغتصاب خلال الحروب هو جريمة ضد الإنسانية، ويؤثر بشكل كبير على الأطفال والشباب، ويقود إلى آثار نفسية ومجتمعية خطيرة على الضحايا، خصوصاً الأطفال. وتشير في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أن "أبرز تلك الآثار النفسية هي القلق والخوف، وغالباً ما يواجه الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي الاكتئاب، خصوصاً إذا لم يتلقوا الدعم النفسي اللازم. وقد يصابون باضطراب ما بعد الصدمة، عدا عن الشعور بالذنب والعار، ما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في العلاقات الاجتماعية".

وحول الآثار المجتمعية، توضح محمود أن الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي يمكن أن يعانوا جراء التمييز المجتمعي، ما قد يؤدي إلى مشكلات في العلاقات الاجتماعية، إذ يؤثر على الثقة والانفتاح، وقد يواجهون مشكلات في التعليم والتوظيف. كما تتأثر الأسرة والمجتمع بشكل عام إذا لم يحصل الضحايا على الدعم النفسي اللازم.
وتشدد على أهمية الدعم النفسي للضحايا، مع التركيز على ضرورة حماية الأطفال من الاعتداء الجنسي أثناء الحروب، وتقديم الدعم القانوني للضحايا في ما يتعلق بالتحقيق والمحاكمة. وتشير إلى أن بعض العائلات ترفض بناتها اللواتي تعرضن للاغتصاب، ومن ثم يجب زيادة الوعي في المجتمع حتى يجد الضحايا الدعم من الأسر، مع الاهتمام بالجوانب الطبية والعلاجية لتجنب الأمراض المنقولة جنسياً.
أما الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الطفل، أسماء التوم، فترى أن تلك النسب المعلنة من "يونيسف" وغيرها من المنظمات بشأن انتهاك حقوق الطفل مخيفة. وتبدي خشيتها من أن تكون الحالات المعلنة أقل بكثير من العدد الفعلي، مبينة في حديثها لـ "العربي الجديد" أن ما جاء في تقرير "يونيسف" يحتاج إلى الرد والتوضيح من كل الجهات المعنية، ولا سيما في ظل صعوبة الحصول على تأكيدات أو نفي من الأسر التي قد يخاف بعضها من الوصمة، "وإن كانت الحرب قد كسرت تلك الوصمة في ما يتعلق باغتضاب النساء، لكن غالبية الأسر تخشى الإفصاح عن تعرض بناتها للعنف الجنسي". 
تضيف لـ "العربي الجديد" أنه لا بد من تدخل المنظمة الدولية للضغط علي الجهات المعنية بالطفل كالمجلس القومي لرعاية الطفولة ووزارة الصحة للإفصاح عن المعلومات، مع حث المنظمات العاملة في المجال على إيجاد سبل لكسب ثقة من تعرضوا لهذه المآسي، والعمل على رفع الصوت عالياً ومناصرة أمن وأمان هؤلاء الأطفال.

المساهمون