اعتداءات على مواقع أثرية في تونس

اعتداءات على مواقع أثرية في تونس

19 مارس 2021
منطقة مصنّفة أثرية مهدّدة (العربي الجديد)
+ الخط -

 

ما زال ملف الاعتداءات على المواقع الأثرية في تونس يثير جدالاً كبيراً في ما يخصّ غياب الرقابة التي تسبّبت في تشويه بعض الآثار وتخريبها. وقد حذّرت جمعيات ومنظمات عدّة من مغبّة عدم تدخّل السلطات المحلية والمركزية ووزارة الثقافة في هذا المجال، لا سيّما أنّ تواصل هذه الاعتداءات فيه تهديد بخروج بعض المواقع الأثرية من التصنيف العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

ولعلّ أكثر المواقع الأثرية التي شهدت اعتداءات كبيرة في خلال السنوات الأخيرة، هي في قرطاج، بعد تعمّد تشييد مبانٍ فوضوية على أراض مصنفة أثرية. وقد أصدرت بلدية قرطاج، في أكثر من مناسبة، قرارات تقضي بهدم مبانٍ مخالفة، لكنّها لم تُنفَّذ بمعظمها، وهو الأمر الذي دفع المساعد الأول لرئيس بلدية قرطاج، محمد علي الحمامي، إلى الاستقالة من رئاسة لجنة المحافظة وتثمين التراث في عام 2019. يُذكر أنّ 300 قرار صدرت لهدم بناءات شُيّدت على مواقع أثرية في الجهة منذ عام 2011، من دون أن تُنفَّذ بمعظمها.

وفي رد على انتقادات بعض المنظمات، أوضح المعهد الوطني لحماية التراث أنّ "التجاوزات في هذه المنطقة من موقع قرطاج حصلت بمعظمها في الفترة الممتدة ما بين عام 2013 وعام 2015، أي قبل صدور أمر انتزاع القطعة وتحويلها إلى المعهد الوطني للتراث"، علماً أنّ "النيابة الخصوصية لم تقم (حينها) بتطبيق قرارات الهدم، وإنّما منحت أيضاً بعض رخص البناء في هذا المجال وفي غيره من قرطاج من دون أخذ رأي المعهد الوطني للتراث، وهو مخالف تماماً للترتيبات الجاري بها العمل''. أضاف المعهد أنّه "أصدر أكثر من 40 قرار هدم لم يُنفَّذ منها إلا القليل"، مؤكّدا أنّه لا يملك السلطة التنفيذية وهو "يتولى دوماً وفي وقت سريع إشعار البلدية بكل تجاوز، وهي المخوّلة قانوناً تنفيذ قرارات الهدم بالتنسيق مع مصالح الولاية".

من جهتها، أفادت وزارة الداخلية بأنّ "الوحدات الأمنيّة التابعة لإدارة الشرطة البلديّة تولّت تنفيذ 10 قرارات هدم شملت بناءات فوضويّة شُيّدت في المنطقة الأثريّة في قرطاج، وذلك في إطار "إحكام إجراءات التصدّي للبناء الفوضوي وكل مظاهر الاستيلاء على الملك العمومي". أضافت أنّ "عملية تنفيذ قرارات الهدم تمّت بالتنسيق مع مختلف الوحدات الأمنيّة التابعة لإقليم الأمن الوطني في قرطاج، وبحضور مُمثّلين عن المعهد الوطني للتراث وعدل منفذ عن بلديّة قرطاج".

وينصّ قانون عدد 35 لسنة 1986 على حماية الآثار والمعالم التاريخية والمواقع الطبيعية والعمرانية، على أن تتولّى البلاد التونسية في داخل حدودها البرية والبحرية المحافظة، وفقاً لأحكام هذا القانون، على الآثار والمعالم التاريخية والمواقع الطبيعية والعمرانية القائمة في المدن والأرياف، وذلك صيانة لتراثها الحضاري والثقافي والجمالي الذي خلفته الأجيال البشرية المتعاقبة. كذلك، تسهر على حماية وصيانة آثار الشعوب الأخرى ومواقعها ومعالمها التاريخية القائمة لديها، واحترام ما يوجد منها في خارج حدودها، وفقاً للاتفاقيات الدولية التي التزمت بها، وعملاً بقواعد القانون الدولي. كذلك يضبط القانون إجراءات الصيانة والمحافظة على الخاصيات الموجودة للآثار والمعالم التاريخية والمواقع الطبيعية والعمرانية ذات الأهمية التاريخية ومناطق الحماية المحيطة بها، ويعمل على إعادة ما اندثر منها، حتى تسترجع مظهرها الأصلي بالترميم والإحياء، وكذلك على صيانة حرمتها. ويتولى الوزير الذي ترجع إليه شؤون الآثار حماية الآثار وصيانتها والمحافظة عليها، وكذلك المواقع الطبيعية والعمرانية ومناطق الحماية المحيطة بها.

الصورة
منطقة أثرية في تونس 2 (العربي الجديد)
لا بدّ من الحرص على حمايتها (العربي الجديد)

على الرغم من القانون المشار إليه، فإنّ مواقع أثرية عدّة تعرّضت لأعمال تخريبية، تمثّل بعضها في تشييد بناءات على أراضٍ مصنّفة من ضمن الأراضي الأثرية، وأخرى على مواقع أثرية فتسبّبت في طمس عدد منها، من قبيل تشييد أكشاك على سور الحنايا في العاصمة، وأكشاك على سور القلعة في مدينة الحمامات وفي محافظة سوسة، وفي المواقع الأثرية في مدينة قليبية، وتحديداً في المنطقة الاثرية قبالة البرج الأثري في وسط المدينة. وفي هذا الإطار، يؤكد محمد بن حميدة، وهو ناشط مجتمع مدني في قليبية، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أشغال عدّة أقيمت في نقاط أثرية بالمنطقة في خلال الأشهر الأخيرة، على الرغم من أنّ النظر في الأمر يعود إلى المعهد الوطني لحماية التراث، في حين ما زالت بمعظمها غير مكتشفة ولم تجرِ فيها حفريات لاكتشاف باطنها". يضيف أنّ "الجرافات استخدمت لحفر الأرض وتشييد أعمدة مبانِ عدّة". ويشير بن حميدة إلى "غياب أيّ تدخل من قبل المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث لحماية هذا المخزون التراثي في قليبية. وعلى الرغم من شكاوى عدّة قدّمها ناشطون مدافعون عن حماية التراث والآثار في المنطقة، فإنّها لم تلقَ أيّ ردود فعل من أيّ جهة رسمية في البلاد".

في سياق متصل، أنشئ المعهد الثانوي في سبيطلة فوق منطقة أثرية، فيما غطّى سدّ نهر الزرقة عدداً كبيراً من الضيع الرومانية القديمة. يأتي ذلك لأنّ القانون ينصّ على ضرورة ضبط قائمة بالمعالم التاريخية المحميّة، إن كانت منقولات أو عقارات، وذلك كل خمس سنوات، ويتعيّن أن تُنشر في الرائد الرسمي. لكنّ ذلك لا يتم بشكل دوري ومنتظم، ما جعل مباني عدّة تُشيّد على أراضٍ تُعَدّ أثرية، بحسب ما يؤكده مختصون في الحفريات.

المساهمون