استمع إلى الملخص
- يطالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي بطرح القضية في البرلمان لوضع إطار قانوني، بينما تواجه المبادرة انتقادات من وزارة الخارجية وتعتبرها غير عملية.
- تستمر النقاشات حول تنفيذ المبادرة، مع استعداد هانوفر لاستقبال 20 طفلًا، وسط دعوات من منظمات إنسانية لألمانيا لتحمل مسؤولياتها الإنسانية.
تعتزم مدن ألمانية نقل عدد من أطفال غزة المصابين والمرضى لمعالجتهم في مستشفياتها، غير أن الحكومة الاتحادية متردّدة بحجة أنها "بوابة جديدة" للهجرة.
بعد 22 شهراً على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، أعلنت مدن ألمانية عدّة رغبتها توفير العلاج الطبي لعدد من الأطفال الفلسطينيين المصابين والمرضى من ذوي الحالات الحرجة أو من يعانون صدمات نفسية، من خلال نقلهم جوّاً من القطاع إلى مستشفيات داخل ألمانيا. غير أن الحكومة الاتحادية ما زالت مترددة في الموافقة على هذا التوجه، خصوصاً مع تفضيل وزارتَي الخارجية والداخلية التركيز على دعم جهود الإغاثة محلياً. الأمر الذي أثار اعتراض الأحزاب والجمعيات الداعمة لتوفير العلاج للأطفال، خصوصاً وسط المعاناة الإنسانية التي يقاسيها أهالي غزة.
وينوي الحزب الاشتراكي الديمقراطي طرح القضية داخل البرلمان الألماني (البوندستاغ) بمجرد وضع إطار قانوني لهذه المبادرة الطبية الطارئة. وفي حين يجري الحديث عن مدن أخرى ستنضم إلى المبادرة، أبدى رئيس ديوان المستشارية الألمانية، تورستن فراي، حذره تجاه مخططات خمس مدن ألمانية باستقبال أطفال من غزة، وهي هانوفر، دوسلدورف، كيل، بون، ودويسبورغ، مشدداً لشبكة "إن تي في" الإخبارية على أنه من المهم تقديم المساعدة هناك، مبرزاً عدداً من الهواجس بينها إمكانية السفر جواً، وإن كان الأمر سيقتصر على المصابين فقط، والحاجة إلى توضيحات وتقييمات فيما يتعلق بالعديد من الأمور.
وانتقدت وزارة الخارجية الألمانية المبادرة بشدة، واعتبرت وزيرة الدولة في الخارجية الألمانية، سراب غولر، في تصريح لصحيفة كولنر شتات أنتسايغر، أن "الفكرة جيدة للمنافسة الانتخابية أو لكسب النقاط، لكنها لا تخدم مصالح الناس، فالمطلوب مساعدتهم وليس استغلالهم انتخابياً وإجبارهم على تحمل هذه الرحلة الطويلة، والأهم والأكثر فائدة تشجيع دول المنطقة على استقبالهم، حيث إن ألمانيا تقدم الكثير من الدعم هناك".
تحتاج المدن الراغبة بمساعدة أطفال غزة إلى دعم الحكومة الاتحادية، التي تنظر إلى المبادرة بحذر وتميل للتركيز على توسيع المساعدات الطبية في الموقع، وفي المنطقة المحيطة. فقد اتّضح من خلال مراسلة عدد من بلديات هذه المدن أن عملية الإجلاء ستمرّ في نهاية المطاف عبر وزارتَي الخارجية والداخلية، وستكون السلطات الاتحادية مسؤولة عن إجراءات الدخول واختيارالأطفال وتنسيق جهود الإغاثة.
وكان وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبراندت، أكد لمنصة "تابل ميديا" أنه "يجب توخي الحذر الشديد في كل التدابير المتعلقة بالمبادرة، لأن تقديمات ألمانيا لأهالي غزة مستمرة، معتبراً أن الأولوية تبقى للمساعدة الميدانية ومساعدة أكبر عدد ممكن من الأهالي". وبما أن الأمور تنطوي على اعتبارات ومخاطر، كشف متحدث باسم وزارة الداخلية في 6 أغسطس/ آب الجاري أن الدعم يعتمد بشكل أساسي على الوضع الأمني، وإمكانية مغادرة الأطفال المعنيين من غزة، فضلاً عن عوامل لوجستية وغيرها.
وفي ظل الحديث عن أن الخارجية الألمانية لا تزال تدرس المسألة، كشف محلّلون أن الحكومة تخشى موجة هجرة جديدة، ولو أن الأمر سيقتصر على عشرات الأطفال المرضى، وهذا الهاجس يقلق الاتحاد المسيحي الحاكم، خصوصاً أن ملف الهجرة واللجوء كان في صلب برنامجه الانتخابي للعودة مجدداً إلى المستشارية، وسط خشية من أن يستفيد حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، ولو نسبيّاً، من هذا القرار ويوجّه سهامه تجاه الحكومة، بحجة أنها تدفع البلاد نحو بوابة هجرة جديدة للفلسطينيين.
وهذا ما عبّر عنه عدد من السياسيين، بينهم ألكسندر هوفمان، المنتمي إلى الحزب المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا، حيث أكد لصحيفة بيلد أنه "لا يمكن أن تكون حركة الهجرة إلى ألمانيا هي الحل"، بينما يبدي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني انفتاحاً أكبر على استقبال أطفال من غزة، باعتبار أنها "خطوة إنسانية". ويبرز مُعطى قانوني يخصّ الفلسطينيين في ألمانيا، حيث يُعتبر هؤلاء من عديمي الجنسية، كون ألمانيا لم تعترف بعد بفلسطين دولة، وهذا ما يقلق السلطات أكثر، لأنّ وصول أطفال مصابين من غزة لن يقتصرعلى العلاج الطبي فحسب، بل سيُستتبع عملياً بضرورة نقل أقاربهم من خلال لمّ شمل الأسرة والعيش في ألمانيا بشكل دائم.
وأمام هذا التردد الحكومي ووسط مطالبة منظمات إغاثية بضرورة تحرك الحكومات الأوروبية بشكل عاجل، كون العديد من أطفال غزة يلقون حتفهم، رفض عضو حزب الخضر، بيليت أوناي، اعتبارات الخارجية الألمانية، وهو كذلك رئيس بلدية هانوفر، إحدى المدن التي تخطط لاستقبال أطفال من غزة. وأعلن لـ"وكالة الأنباء الإنجيلية" أن المبادرة تحظى بدعم واسع من غالبية التوجهات الحزبية والجهات المعنية، مذكراً أن ألمانيا استقبلت في الماضي جرحى من أوكرانيا، وأيزيديين من العراق وغيرهم، مضيفاً أنه "إجراء راسخ لدينا، ويكفي أن تكون راغباً بذلك. وبطبيعة الحال، تريد مدينة هانوفر أن تبعث برسالة إنسانية، وأن تمدّ يد العون للفئات الأكثر ضعفاً من الأطفال والشباب، وهم أكثر مَن يعانون في هذه الحرب. لذلك، نبادر إلى القول إنّنا نريد المساعدة أينما استطعنا". وعبّر عن انزعاجه من اتهامه بالدعاية الانتخابية، واصفاً الأمر بـ"المثير للسخرية"، خصوصاً في هذه القضية.
وصرّحت لارا دوفيفات من منظمة "أطباء بلا حدود" لشبكة "التحريرالألمانية"، أن على ألمانيا اتخاذ زمام المبادرة وتحمل مسؤولياتها لبذل المزيد من الجهد والمساعدة في استقبال المرضى والمصابين ذوي الحاجات الحرجة من غزة.
وكتبت مارغريت غالرسدورفر في صحيفة تاغس تسايتونغ، إنه "أمام الصورالوحشية في غزة يجب ألا تتنصّل برلين من مسؤولياتها، وألا تدعم فئة من الأطفال المرضى، إذ سيكون من المخيف أن تغفل عن المعاناة الهائلة لهؤلاء، لدرجة رفض تقديم المساعدة حتى لمَن لا يزال لديهم فرصة البقاء على قيد الحياة في منطقة يواجه فيها مئات الآلاف من السكان الموت جراء الجوع والأوبئة والقصف الصاروخي الإسرائيلي. لذلك، فإنّ تلقّي العشرات منهم العلاج والرعاية الطبية والغذاء المناسب والكافي في ألمانيا يستحق كل هذا العناء، إنه على الأقل بصيص أمل ضئيل وسط الكارثة الإنسانية".
أما زعيمة حزب اليسار الألماني المعارض، إينيس شفيردتنر، فأكدت أنه لا يمكن لألمانيا ومن بين باقي الدول الأوروبية، أن تكتفي بمشاهدة الناس يموتون. فقد استقبلت إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا أطفالاً مصابين بجروح خطيرة من غزة، لتلقي العلاج.
وكانت مدينة هانوفر أعلنت نيّتها استقبال 20 طفلاً مع إمكانية توسيع المبادرة من خلال الاستعانة بالأسر المضيفة أو الإيواء لدى أسر حاضنة، فيما لا يزال حجم المساعدة غير واضح في دوسلدورف، ولا تزال النقاشات متواصلة مع أبناء الجاليات في المدينة، ومن بينها الجاليات المسلمة واليهودية. أما في مدن دويسبورغ، كيل، وبون، فقد أفيد بأن كلاً منها بصدد التحضير لنقل 20 طفلاً وشاباً مصاباً من غزة.