استيلاء مستوطنين على عقار بقلب مدينة الخليل: تهديد مباشر للفلسطينيين
استمع إلى الملخص
- العقار المستولى عليه يقع في موقع حيوي، بدعم من جمعية "وسّعي مساحة خيمتك"، ويعكس نية المستوطنين لتحويله إلى نقطة توسع استيطاني جديدة.
- يواجه سكان الخليل تحديات متزايدة، مع تأكيد الجعبري على صمود الأهالي ورفضهم التنازل عن حقوقهم الشرعية.
يشكل استيلاء المستوطنين أمس الأحد، على عقار بحارة الجعبري في قلب البلدة القديمة من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية سلسلة أخرى من تعميق معاناة الأهالي، حيث لم يكن الأمر مجرد حادث عابر، بل صدمة إنسانية لأهالي البلدة القديمة خاصة أن العقار في موقع استراتيجي يجعل وجود المستوطنين تهديدًا مباشرًا لحياة العائلات الفلسطينية وصمودها اليومي.
واستولى مستوطنون، مساء أمس الأحد، على عقار في قلب البلدة القديمة بالخليل، جنوبي الضفة الغربية على مقربة من الحرم الإبراهيمي، وذلك بالتزامن مع اقتحام وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، للحرم وإطلاقه تصريحات داعمة لفرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة. وكان عشرات المستوطنين قد اقتحموا "حارة الجعبري" في الأحياء الشمالية للحرم الإبراهيمي، واستولوا على غرفة قيد الإنشاء مقامة على سطح مبنى فلسطيني وسط المنطقة، وهي موقع استراتيجي يربط العديد من الأحياء المغلقة في محيط الحرم الإبراهيمي ببعضها البعض، وتعتبر مسار تنقل رئيسياً للسكان، ولا يوجد فيها توسع للبؤر الاستيطانية، ما يعني أنّ الموقع يحمل دلالات خطيرة غير مسبوقة.
ويوضح أحد سكّان المنطقة (فضل عدم ذكر اسمه) في حديث مع "العربي الجديد"، أن الموقع الذي استولى عليه المستوطنون يقع وسط أحياء سكنية فلسطينية، وهو عبارة عن غرفة محاذية لمنزل فلسطيني قائم، لافتاً إلى أن مالك العقار الذي جرى تسريبه يقيم حاليًا في العاصمة الأردنية عمّان، بينما كان بعض أقاربه قد اعتُقلوا في وقت سابق من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتهمة التعاون في الصفقة، قبل أن يجري الإفراج عنهم لاحقًا، دون إفصاح الأجهزة الأمنية عمّا إذا كانوا على علاقة بالتسريب أم لا. ويشير المصدر إلى أنّ أحد أفراد العائلة كان يسكن المنزل المحاذي للغرفة المسرّبة، لكنه أجبر على إخلائه كونه مستأجرا وليس من الملّاك الأصليين، وكان ذلك عبر عدد من الأشخاص المقرّبين من المتهم بالتسريب، قائلا: "جرى اعتقالهم، وأسماؤهم معروفة لدى الجميع، لكن لاحقًا أفرج عنهم".
والقضية يتم الحديث عنها منذ فترة، لكن لم يتوقع أحد أن تكون دقيقة وأن يستولي عليها المستوطنون بهذا الشكل عبر الاقتحام الواسع، وإدخال المقتنيات للغرفة، ونصب سلالم حديدية تصل إلى الغرفة مباشرة، وتنفيذ حفلات راقصة وكلمات احتفالية بالاستيلاء ورفع الأعلام الإسرائيلية، وفق المصدر.
توسع استيطاني في الخليل
ويبيّن المصدر أن العقار يطل على أحياء سكنية واسعة، وهي: "حارة جابر، وحارة الجعبري، وحارة السلايمة، ومحيط الحرم الإبراهيمي". وبحسب المصدر، فقد أحضر المستوطنون معهم أثاثًا ومقاعد وكراسي، أدخلوها للغرفة في مشهد استفزازي يعكس نياتهم بالاستقرار فيه. ويؤكد المصدر أن وجود المستوطنين في المنطقة سيؤثر بشكل مباشر على سكان الحي، الذين يتوقعون اعتداءات متكررة واقتحامات دورية. ويشير المصدر إلى أن خطورة الأمر تكمن في أن هذه المنطقة ليست كبقية المناطق المغلقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي، بل مفتوحة على امتداد المدينة دون حواجز، وتشكل الممر الأساسي لسكان الأحياء المجاورة.
وعقب انتهاء الاحتفال غادر المستوطنون المكان دون إقامة مباشرة فيه، وبرأي المصدر، فإن مغادرتهم المؤقتة لا تعني شيئًا، قائلاً: "لقد وضعوا اليد عمليًا على العقار، في محاولة لتثبيت ملكيتهم له، وتحويله إلى نقطة توسع استيطاني جديدة في قلب البلدة القديمة".
الاحتلال بعد حرب غزة فرض سيطرة كاملة على الحرم الإبراهيمي ومحيطه، وسحب صلاحيات وزارة الأوقاف التي كانت تديره
ويشير المصدر إلى أن الحارة تقع على تلة مقابلة للحرم الإبراهيمي مباشرة، وأنها تجاور بناية "الرجبي" التي سبق أن استولى عليها المستوطنون خلال عامي 2007–2008، ما جعل حياة الفلسطينيين آنذاك شديدة الصعوبة. ويقول المصدر: "اليوم يعيش الأهالي حالة خوف حقيقي من تكرار تلك التجربة، ومن موجة جديدة من العنف والانتهاكات على يد المستوطنين". وبحسب المصدر، فقد جرى الاستيلاء على العقار بدعم من جمعية استيطانية تُدعى "وسّعي مساحة خيمتك"، وهي مسؤولة عن صفقات شراء عقارات فلسطينية في الخليل. وقد أطلق على العقار اسم "مَعَله دورون"، نسبةً إلى المستوطن "دورون نير-تسفي" الذي توفي قبل فترة وكان من أبرز المستوطنين الذين نشطوا في مجال تسريب العقارات، وكان محاميًا قانونيًا للجمعية الاستيطانية التي دعمت الاستيلاء على المنزل.
بدوره، يعتبر مساعد محافظ محافظة الخليل، رفيق الجعبري، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ما جرى "منغّص جديد" على حياة الفلسطينيين في مدينة الخليل، موضحًا أن عملية تسريب العقار تزامنت مع اقتحام وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس للحرم الإبراهيمي، في وقت تتوالى اعترافات دولية جديدة بالحقوق الفلسطينية. ويشير الجعبري إلى أن الاحتلال يوظف مثل هذه الأحداث كردة فعل على أي تقدم سياسي لمصلحة الفلسطينيين. ويبيّن الجعبري أن التسريب في هذه الحالة كان فرديًا، قام به أحد "ضعاف النفوس" عبر مؤسسات استيطانية أو جهات غير فلسطينية تعمل من داخل الأراضي المحتلة.
ويؤكد الجعبري أن مالك العقار المسَرَّب يقيم في الأردن، وأن القضية ليست جديدة بل جزء من مخطط قديم، حيث أظهرت مراسلات جرى تتبعها أن المتهم بالتسريب لا يعيش في الخليل ولا يحمل الهوية الفلسطينية، بل هو واحد من مجموعة ورثة، ولا يزال الغموض يكتنف ما إذا كان قد باع أو تنازل عن حصته بالفعل. ويشير الجعبري إلى أن الاحتلال يسعى دائمًا لاستغلال ضعاف النفوس المقيمين خارج المدينة لتمرير مثل هذه الصفقات.
ويشدد الجعبري على أن "المنطلقات الوطنية والدينية لدى الأهالي قوية جدًا في تلك المنطقة"، مؤكّدًا أنهم صامدون في منازلهم ولن يغادروها مهما كانت الإغراءات التي يقدمها الاحتلال. موضحا أن محافظة الخليل تتواصل مع الجهات الرسمية لوضعها في صورة التطورات وتوثيق الانتهاكات، معربًا عن أمله في أن تصب المتغيرات الإقليمية الراهنة في مصلحة الفلسطينيين. وأكد أن "الحقائق على الأرض واضحة، فنحن شعب موجود ولن نتنازل عن حقوقنا الشرعية"، لافتًا إلى أن ما يجري من اعتداءات متزامنة مع الحرب على غزة ومحاولات السيطرة على ممتلكات الفلسطينيين بالخليل ليس مستغربًا من حكومة إسرائيلية متطرفة.
ويذكّر الجعبري بأن الاحتلال بعد حرب غزة فرض سيطرة كاملة على الحرم الإبراهيمي ومحيطه، وسحب صلاحيات وزارة الأوقاف التي كانت تديره وفق بروتوكول الخليل الموقع عام 1997، قائلاً: "إنهم قوة احتلال يستخدمون الإرهاب بقوة السلاح". ويؤكد أن هذه التطورات تثير العديد من التساؤلات حول مخططات إسرائيلية لتمرير مشاريع تهويدية بلا أي رادع، معتبرًا أن كل ما يحدث في الحرم الإبراهيمي ومحيطه يتم وفق تعليمات رسمية تستند إلى مرجعيات تلمودية "لا أساس لها". ويتوقع الجعبري أن تشهد الأيام المقبلة تشديدًا جديدًا على الأهالي في محيط الحرم الإبراهيمي، قد يصل إلى فرض منع للتجول بالتزامن مع الأعياد اليهودية المرتقبة، مشددًا على أن "صمود الأهالي في وجه هذه المخططات هو الرهان الحقيقي".