استنفار أمني في القاهرة خشية الاحتجاجات عقب مباراة مصر والسنغال

القاهرة تشهد استنفاراً أمنياً غير مسبوق خشية الاحتجاج الجماهيري عقب مباراة مصر والسنغال

25 مارس 2022
تشهد القاهرة استنفاراً أمنياً مكثفاً مع كلّ قلق من السلطة تجاه المصريين (العربي الجديد)
+ الخط -

تشهد شوارع القاهرة الكبرى وعواصم المحافظات المصرية حالة استنفار أمني قصوى، وقد فسّر متابعون هذه الحالة الملحوظة بمخاوف لدى السلطة من تجمهر المواطنين عقب مباراة كرة القدم المتوقّعة بين مصر والسنغال مساء اليوم الجمعة، للاعتراض على غلاء الأسعار وتدهور الأحوال المعيشية، لا سيّما مع تكرار وانتشار واسعَين لوسوم تدعو للاحتجاج على سياسات الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية.

وانتشرت عربات أمن مصفّحة وناقلات جند مدجّجين بالأسلحة من قوات فضّ الشغب في الأمن المركزي بالميادين الكبرى وحولها، وقد أفاد شهود عيان "العربي الجديد" بأنّ تلك القوات تمركزت حول ميدان التحرير وعبد المنعم رياض والأوبرا وسط القاهرة، والعباسية وعين شمس شرقاً، وشبرا شمالاً.

ووصف هؤلاء الشوارع بأنّها "مقفلة"، كما لاحظوا توقيف بعض المارة للاطلاع على هوياتهم الشخصية وتفتيش هواتفهم المحمولة، خصوصاً ما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، للتأكد من توجّهاتهم. ومن التجارب السابقة، ففي خلال مثل هذه الإجراءات، يُحتجَز من يُشتبه في معارضته السلطة من خلال منشوراته.

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت إطلاق وسوم تدعو المصريين إلى الاحتجاج وإلى عدم الانشغال بمباراة كرة قدم، أياً كانت نتيجتها، عن نتائج كارثية تحيق بهم نتيجة سياسات الدولة. وتصدّرت موقع التدوينات المصغّرة "تويتر" وسوم #اتحرك_انت_الثورة و #ثورة_الغلابة وكذلك #متشجعش_وانت_جعان، في إشارة إلى بلوغ الأزمة الاقتصادية مداها غير المسبوق لدى كلّ فئات المصريين، إلى حدّ عدم قدرة كثيرين على شراء رغيف خبز الذي يُعَدّ أساس حياة المصريين إلى درجة أنّهم أسموه "رغيف العيش".

يُذكر أنّ الأسعار كانت قد شهدت ارتفاعات متوالية وكبيرة منذ أسابيع، وبرّرت الأذرع الإعلامية للسلطة ذلك باندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا اللتَين تُعَدّان مورد مصر الرئيسي للقمح، علماً أنّ إعلاناً سابقاً للحكومة كان قد أفاد بتوفّر مخزون من القمح يكفي لستة شهور، وهو ما يدحض تلك التبريرات بحسب مراقبين.

وقد فاقم الأزمة قيام البنك المركزي المصري في منتصف الأسبوع بخفض مفاجئ لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، بواقع ثلاثة جنيهات، أي أكثر من دولار ونصف تقريباً، وذلك من 15.60 قرشاً للدولار إلى 18.50 قرشاً للدولار، ما أدّى إلى قفزة أخرى في الأسعار برّرتها أذرع السلطة الإعلامية بأنّها ناجمة عن جشع التجار، لا سيّما مع ارتفاع الأسعار في سلع وخضراوات تنتجها مصر ولا تستوردها، فضلاً عن أنّها من مخازن التجار.

ومع تخوّف السلطة من المصريين، يبرز قلق المصريين من السلطة خشية أن تباغتهم ـ كما دأبت ـ برفع أسعار خدمات أو سلع بالتزامن مع المباراة، خصوصاً سعر البنزين. يُذكر أنّ مباراة المنتخب المصري الأخيرة تزامنت قبل شهور مع رفع سعر لتر البنزين بواقع ربع جنيه (سنت ونصف).

ودفعت تخوّفات المواطنين من انعكاسات المباراة وفوز المنتخب هذه الليلة واستغلال السلطة لذلك في زيادات بالأسعار، إلى توجّه بعضهم بالدعاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بألا يفوز المنتخب الوطني خشية تكرار ذلك سيناريو، رفع أسعار البنزين الذي اعتادوه مع كلّ مباراة، وتداول مستخدمو التواصل صوراً لهم وهم يقومون بملء خزانات وقود سياراتهم قبل المباراة استمتاعاً بالسعر القديم.

واستدعت حالة الاستنفار الأمني للأذهان حالات مشابهة عند كلّ مباراة مهمة، إذ كانت البلاد قد شهدت أقوى احتجاج للمصريين منذ تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الحكم في سبتمبر/ أيلول 2019، عقب دعوة للفنان والمقاول محمد علي للتظاهر ضدّ ما أسماه فساد السلطة بإهدار المال العام في مشاريع غير ذات جدوى وتستهدف فقط مجاملات للمقرّبين من الرئاسة، فضلاً عن تزايد نفوذ محمود السيسي نجل الرئيس. ومن هذه المشاريع التي أشار إليها محمد علي قصور وفنادق فخمة في العاصمة الإدارية والتجمّع الخامس شرقي القاهرة، وكذلك في مدينة العلمين الجديدة التي تُعَدّ العاصمة الصيفية الموعودة للسيسي.

وممّا زاد الغضب تعقيب السيسي على تلك الدعوة بالاعتراف بأنّه "يبني وسيبني مزيداً من القصور الرئاسية"، كما فسّر مراقبون التساهل الأمني وقتها تجاه المتظاهرين الذين احتشدوا - للمرّة الأولى منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 ثمّ تظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013 في ميدان التحرير ـ  بأنّ أجهزة الأمن غاضبة من تصريحه بأنّهم "قبّلوا يدَيه لكي لا يتحدّث في مسألة القصور الرئاسية ولا يردّ على محمد علي لكنّه فعلها متجاهلاً نصائحهم".

وامتدّت شرارة التظاهرات من القاهرة إلى مدن المحلة الكبرى العمالية شمالاً والسويس التي اشتهرت تاريخياً بأنّها حاملة شعلة المقاومة الشعبية والثورات، فضلاً عن ميدان التحرير وسط القاهرة ومناطق عدّة بالقاهرة الكبرى، واستمرّت في بعض المناطق لأيام عدّة، وشهدت تمزيق ودهس وحرق لافتات وصور للسيسي. وعقب هذه التظاهرات، اعتُقل الآلاف قبل أن يُفرَج عنهم لاحقاً بعدما تبيّن أنّهم مواطنون عاديون يعبّرون عن غضبهم من سياسات السلطة المتقشّفة في حقّهم والمبذّرة في ما يتعلق بنفقات السلطة.

تجدر الإشارة إلى أنّه في سبتمبر/ أيلول من كلّ عام، يجدّد علي ـ المقيم في أسبانيا مهدّداً بالملاحقة الأمنية ـ الدعوة إلى التظاهر. وفي عام 2020 شهدت مصر ما عُرف بثورة "القرى" التي عمد فيها مواطنون إلى إحراق سيارات شرطة وقذف قوات الشرطة بالحجارة، وشهدت سقوط قتلى وجرحى في مناطق عدّة منها محافظة الأقصر جنوباً.

المساهمون