اختبار بيئي

اختبار بيئي

21 سبتمبر 2021
ثمّة ثلاثة آلاف نوع من الثعابين في العالم (كيكيه كالفو/ Getty)
+ الخط -

 

كنت حديث العهد في العمل البيئي حين اختبرني الأستاذ عيسى مادبو، رئيس فرع الجمعية السودانية لحماية البيئة بالضعين شرقي دارفور، أمام الدارسين في حفل ختام الدورة التدريبية حول مناصرة قضايا البيئة لعضوية الفرع، إذ تقدّم ليشكرني ويقدّم لي هدية من الصناعة المحلية، كانت عبارة عن حذاء مصنوع من جلد الثعبان. فاعتذرت وأعدت الهدية، ذاكراً أنّ من يلتزم تجاه بيئته لن يساهم في خرق القوانين البيئية الدولية، وكنت أعني اتفاقية التجارة الدولية بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض (سايتس) الموقّعة في عام 1975 قبل عشرين عاماً من ذلك الموقف.

تذكّرت الحادثة ومنصات التواصل الاجتماعي تورد في استنكار بيّن حادثة ضبط أكثر من ثلاثة آلاف جلد ثعبان مهرّبة إلى الأسواق المحلية. والشاهد أنّ انتشار المصنوعات الجلدية أدّى إلى هجمة شرسة على الثعابين بأنواعها لجمال جلودها ومتانتها. وأكّد لي أحد المسؤولين في شرطة حماية الحياة البرية عقب عملية ضبط الجلود المهرّبة أنّها وصلتنا في الغالب عبر الحدود الغربية للسودان، وأنّ في الأمر شبهة غسل أموال. فالثعابين تقع في القائمة الثالثة من قوائم التهديد بالانقراض، ويُسمح باصطيادها في حدود ضيقة وفقاً للقانون.

يؤمن بعض مستخدمي المشغولات الجلدية المصنوعة من جلد الثعابين كالأحذية والحقائب ومختلف الأكسسوارات بأنّها تجلب الحظ. ففي بعض الثقافات التقليدية يرمز الثعبان إلى الثروة والمال، وثمّة من يعتقد أنّ قتلها يذهب بالأموال... فما بال هؤلاء يتسابقون على الاتّجار بها؟

الأمر في شرق آسيا يتّخذ بُعداً آخر، إذ نشأت جمعية تعاونية صناعية لصائدي الثعابين في عام 1978 بالهند، بهدف تنظيم عمليات الصيد واستخراج السموم التي يُصنع منها المصل المضاد للدغاتها التي كانت تودي بحياة عشرات الآلاف في كل عام. وهكذا تنتج ستّ شركات نحو 1.5 مليون قارورة مصل في كلّ عام، وفق القانون الذي يمنح الجمعية حقّ احتجاز 800 ثعبان في كلّ مرة، ولمدّة ثلاثة أسابيع يُستخرَج في خلالها السمّ منها ثم تُطلَق مجدداً في البرية.

موقف
التحديثات الحية

ومن فوائد الثعابين التي أثبتتها الدراسات تناولها الأعشاب السامة وتنظيفها الحقول من الفئران والقوارض الأخرى والحشرات الضارة، إلى جانب استخراج الأدوية من سمومها الطبيعية. وقد رُصد 375 نوعاً ساماً من بين ثلاثة آلاف نوع من الثعابين في جميع أنحاء العالم، خصوصاً في المناطق الدافئة. لكنّ ثمّة دولاً تخلو من الثعابين، وتُحرّم القوانين المحلية استيرادها في أيسلندا وأيرلندا ونيوزيلندا وغرينلاند، حتى لا تُحدث أضراراً في الأنظمة الإيكولوجية التي وُجدت من دونها.

والغريب في الأمر أنّه ثبتت محاكاة الثعابين لحياة الطيور والحيوانات، إذ إنّ 70 في المائة منها تضع بيضاً، و30 في المائة منها تلد، بل إنّ من بينها نوعاً يطير، وقد شهدت الأمر بأمّ عيني في طفولتي، غير أنّني أمسكت خوف تكذيبي أو حرماني الاقتراب من شجرة الليمون غزيرة الإنتاج في حقل أبي. فأنا يومها، تابعته ينزلق من فرعٍ علوي، ويتدلّى مشكّلاً حرف لام، ثمّ اندفع في الهواء إلى فرع آخر، وكنت حينها قد بلغت آخر الحقل.

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون