احتياجات أهل غزة... كل وسائل الحياة ناقصة أو غائبة

21 يناير 2025
يحتاج سكان غزة إلى مزيد من المساعدات. 19 يناير 2025 (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني سكان غزة من أزمات حادة بسبب الحصار والعدوان، حيث أدى إغلاق المعابر إلى تفشي المجاعة وانتشار الأمراض، مما أثر بشكل كبير على الأطفال وكبار السن، مع استمرار نقص الاحتياجات الأساسية.

- تعيش العائلات في ظروف صعبة، معتمدين على الأطعمة المعلبة بسبب نقص الخضراوات واللحوم، مما أثر على صحتهم. كما يواجهون صعوبات في الحصول على المياه النظيفة ومواد التنظيف.

- يواجه السكان تحديات صحية وتعليمية كبيرة، مع نقص الأدوية وانقطاع التعليم، مما يؤثر على مستقبلهم. يأملون في تحسن الأوضاع مع تدفق المساعدات.

يعيش سكان قطاع غزة أزمات عدة منذ نحو عقدين من الزمان بفعل الحصار المتواصل الذي فرضه الاحتلال على القطاع، لكن الأزمات تفاقمت منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

في اليوم الثالث من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، لا يزال سكان القطاع ينتظرون وصول مزيد من المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية التي حرموا منها لنحو 15 شهراً متصلة، بينما سكان محافظتي غزة وشمال القطاع ينتظرون بفارغ الصبر توفر الحاجات الأساسية، وعلى رأسها المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب، وغير ذلك من مقومات الحياة.
ومنذ اليوم الأول للعدوان، قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعابر الحدودية، ومنع إدخال البضائع والمساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تفشي المجاعة، وانتشار أمراض أبرزها سوء التغذية الذي أزهق أرواح عددٍ من الأطفال، كما دمّر الاحتلال جميع المرافق الخدمية والصحية.
وقال رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، ديفيد ميليباند، الاثنين، إن تدفق المساعدات إلى غزة قد يستغرق وقتاً قبل أن يزداد، وإنه يجري العمل على تسريع وتيرة إدخال المساعدات. موضحاً أن "لجنة الإنقاذ الدولية تركز على تقديم المياه وخدمات الصرف الصحي، وحماية الأطفال، وتوفير خدمات الرعاية الصحية، وما يهم فعلياً هو الدواء والماء والوقود، مع ضرورة توفير التمويل من أجل استمرار عمليات الاستجابة بسبب الحاجة إلى زيادة المساعدات لأن حالة الطوارئ هائلة".
وينص اتفاق وقف إطلاق النار على إدخال 600 شاحنة مساعدات يومياً إلى غزة، من بينها 50 صهريجاً من الوقود، خلال المرحلة الأولى التي تستمر ستة أسابيع، وكشفت الأمم المتحدة عن دخول 630 شاحنة مساعدات إلى القطاع في اليوم الأول، الأحد، منها 300 شاحنة على الأقل وصلت إلى شمالي القطاع، وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 915 شاحنة مساعدات دخلت أمس الأول الاثنين.
لكن تلك الكميات لم يظهر لها أي أثر حقيقي بعد على أوضاع الناس في غزة، وأكد كثيرون في مناطق شمال القطاع أنهم لم يلمسوا أي تحسن في توفر الاحتياجات الأساسية، إذ يعيش نحو 700 ألف فلسطيني في محافظتي غزة والشمال معاناة شديدة تفوق معاناة بقية سكان القطاع.
وخلال أشهر الحرب، افتقدت أسواق محافظتي غزة والشمال أصنافاً كثيرة من الخضراوات والفواكه واللحوم والأجبان والألبان، فضلاً عن جميع احتياجات الأطفال، واقتصرت السلع المتوفرة على الأطعمة المُعلبة.
وكانت سلطات الاحتلال تسمح خلال فترات متباعدة بدخول أصناف قليلة من الخضراوات، مثل البطاطا والبندورة والباذنجان، عبر تنسيق خاص لعددٍ محدود من تجار شمالي القطاع، لكنها كانت تباع بأسعار خيالية تفوق قدرة المواطنين على الشراء.

عائدون إلى رفح من خانيونس. 20 يناير 2025 (بشار طالب/فرانس برس)
عائدون إلى رفح من خانيونس. 20 يناير 2025 (بشار طالب/فرانس برس)

تعيش الفلسطينية آية أبو قمر (26 سنة)، وهي أم لطفلين، من منطقة الشيخ زايد في بلدة بيت لاهيا (شمال)، ظروفاً صعبة منذ بداية الحرب، إذ اضطرت إلى الاعتماد على طعام المعلبات بسبب عدم توفر الخضراوات واللحوم، الأمر الذي زاد معاناة عائلتها التي دمّر الاحتلال بيتها في الأيام الأولى من الحرب.
تقول أبو قمر لـ "العربي الجديد"، إنها سئمت من روتين الحياة التي فرضتها الحرب قسراً على عائلتها، وإنها بعد عودة الهدوء إلى القطاع، باتت تحتاج إلى تناول الكثير مما افتقدته على مدار شهور، ومن ذلك اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك، لتعويض نقص البروتينات والفيتامينات التي أصابتها وأطفالها بالهزال. وتوضح: "أعاني نقصاً في الحليب، وفي الحفاضات اللازمة لطفلي الذين لا تتجاوز أعمارهما السنتين، وكنت أعتمد على توفيرها عن طريق المتبرعين، وأملي في أن تتوفر بكميات أكبر خلال الأيام المقبلة. تبقى المشكلة القائمة هي تردي أوضاعنا المادية، ولا سيما بعد تعرض زوجها للإصابة".
بدوره، يأمل الطفل خطاب الزين (14 سنة) في توفر لحوم الدواجن والبيض والأجبان، والتي أُجبر على عدم تناولها خلال أشهر الحرب بسبب انقطاعها بعد قرار إغلاق المعابر، إضافة إلى رغبته في تناول الفواكه التي يفضلها، وأبرزها التفاح والموز، والتي تعد وجبات غذائية مفيدة للجسم، وفق قوله.
وتقول الطفلة ماريا سويلم (10 سنوات) إنها تحلم بتناول الشوكولاتة ورقائق البطاطس بعدما حُرمت منها طوال فترة الحرب، علماً أنها كانت تتناولها بشكل شبه يومي في السابق، كما تحلُم بالذهاب إلى المتنزهات العامة والملاهي بعد إعادة إعمار ما دمره الاحتلال منها. تضيف: "قبل يوم من اندلاع الحرب، كنت اتفقت مع العائلة على الذهاب إلى الملاهي، لكن اندلاع الحرب حرمني من ذلك".

المئات يعودون إلى جباليا. 19 يناير 2025 (رمزي محمود/الأناضول)
المئات يعودون إلى جباليا. 19 يناير 2025 (رمزي محمود/الأناضول)

من جانبها، تفتقد الفلسطينية أسماء طنطيش (35 سنة) توفر المياه النظيفة الصالحة للشرب، وتوفر مياه الاستخدام اليومي، والقدرة على الاستحمام بالمياه الساخنة. تقول لـ "العربي الجديد": "نعيش معاناة كبيرة نتيجة تكرار النزوح، إذ تركنا منزلنا الواقع في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، ونزحنا إلى أماكن متعددة. كانت المياه متوفرة بشكل غير محدود قبل الحرب، وخلال الحرب فُقدت رغم أنها من المتطلبات الأساسية للحياة".
وتوضح طنطيش أنها ملّت من إشعال النار للطهي وتسخين المياه بواسطة الأخشاب التي ارتفعت أسعارها أيضاً، وتأمل توفر غاز الطهي الذي حُرمت منه محافظتا غزة والشمال طوال أشهر الحرب، ولا سيّما أن الأدخنة الناجمة عن إشعال النار سببت لها ولأطفالها ضيقاً في التنفس. كما تأمل توفر مواد التنظيف الخاصة بالملابس وأدوات المطبخ، خصوصاً أنها تستعمل صابون اليدين في كل ما يتعلق بالتنظيف بسبب عدم توفر البدائل، عدا عن أن سعر القطعة الواحدة من الصابون وصل إلى 7 شواكل، ما يعني أضعاف السعر قبل الحرب.
أما الفلسطيني سائد الشافعي (47 سنة)، فيتمنى أن تنتهي فترة الجوع التي عاشها غالبية سكان قطاع غزة، خصوصاً سكان الشمال، وتوفر أصناف الأغذية والخضراوات والفواكه، والتي شكّلت عبئاً كبيراً على عائلته يُضاف إلى تردي الأوضاع المعيشية. ويبدي خلال حديثه مع "العربي الجديد" تفاؤله بأن يتم جمع القمامة التي تراكمت في الشوارع بواسطة السلطات المحلية في القطاع، وإزالة الركام والحجارة التي سبّبت إغلاق الكثير من الشوارع.
فيما تقول الفلسطينية عفاف الحوراني (40 سنة): "أنا مُصابة بأمراض السكري والضغط وقصور في القلب، وأحتاج إلى توفر العلاج بشكل دائم، وبسبب الحرب لم أحصل على العلاج اللازم منذ 6 أشهر متواصلة، ما ضاعف من تردي حالتي الصحية". وتبيّن لـ "العربي الجديد"، أنها تحتاج إلى دواء "كونكورد 5 ملم" للقلب، ونوع دواء آخر للضغط، وحُقن السكري، وجميعها غير متوفرة منذ بداية الحرب، وأصبحت أمنيتها الوحيدة تتمثل في توفر العلاج.
تتابع: "نقص الأغذية المدعمة بالبروتينات أثّر على حالتي الصحية، ويرفع نسبة السكري لدي بشكل شبه دائم، كما أحتاج إلى مراجعة الأطباء للاطمئنان على حالتي الصحية، إضافة إلى توفر المياه النظيفة، فتناول المياه الملوثة سبّبت لي مشكلات في وظائف الكلى".

ومنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال السولار الخاص بتشغيل محطات تحلية المياه ضمن سياسة التجويع والتعطيش التي مارسها ضد سكان محافظتي غزة وشمال القطاع، في إطار سياسة العقاب الجماعي على عدم نزوحهم إلى جنوب ووسط القطاع، ما شكّل تهديداً لحياة كثيرين، خاصة فئتي الأطفال وكبار السن، وهم الأكثر عُرضة للإصابة بالأمراض.
يبدو على ملامح الفتى كرم محمد (17 سنة) التفاؤل بتوفر القرطاسية والعودة إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع دام نحو عامين، قضى فيهما الاحتلال على أحلام آلاف الطلبة من خلال تدمير عشرات المدارس في غزة. يقول لـ "العربي الجديد": "حاولت خلال الحرب البحث عن قرطاسية وكتب بعدما ضاعت أغراضي الدراسية تحت ركام منزلنا المدمر، لكني لم أجد شيئاً، ما أدخلني في حالة من اليأس التي أتمنى أن تزول مع توقف العدوان".
تعيش الطفلة غزل حامد (12 سنة) في حي الشيخ رضوان بوسط مدينة غزة، وقد بددت الحرب أحلامها بمواصلة ممارسة موهبة الرسم التي تمتلكها. تقول: "لم أمارس هواية الرسم لأنني فقدت أدواتي الخاصة من كراسات وأوراق وألوان، وأتمنى مع سريان وقف إطلاق النار أن تتوفر جميع الأدوات، وأعود إلى ممارسة موهبتي".

المساهمون