ابتزاز جنسي في أوروبا... أطفال وفتيات ضحايا أصحاب النفوذ

ابتزاز جنسي في أوروبا... أطفال وفتيات ضحايا أصحاب النفوذ

28 أكتوبر 2020
زاد الابتزاز الجنسي في أوروبا أكثر من مليون حالة عام 2020 (Getty)
+ الخط -

تنتشر ظاهرة "هارتكور" في أوروبا والتي يقع ضحيتها أطفال وفتيات ونساء. هؤلاء يتعرضون للابتزاز الجنسي والتهديدات، وهو ما له تداعيات نفسية كبيرة 

تنتشر في عدد من الدول الأوروبية ظاهرة الاستعباد الجنسي بحق الفتيات بشكل عام، وبعضهن قاصرات. ظاهرة يُطلق عليها اسم "هارتكور"، وهي استغلال جنسي يصفه متخصصون في علم النفس بأنه "ابتزاز نفسي وجسدي للضحايا". وتذكر فتيات ونساء في شهاداتهن عن تعرضهن للابتزاز للقيام بأشياء تفوق الخيال، كتعذيب النفس بآلات حادة تحت تهديد "فضح الضحايا أمام العائلة والأصدقاء". ويحدث الأمر في العالم الافتراضي من خلال الدخول في محادثات عادية في البداية، سرعان ما تتحول إلى طلب التعري وغير ذلك. ثمّ يُهدّد المبتزون ضحاياهم بعد مفاجأتهن بتصويرهن، ليبدأ بعدها مسلسل من الإذلال النفسي والجنسي، ما يسبب إجهاداً نفسياً شديداً للضحايا الخائفات من افتضاح أمرهن، ليستجبن أكثر فأكثر للمبتزين. 

وعلى الرغم من أن الظاهرة، بحسب تقرير صادر عن وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول)، في يونيو/ حزيران الماضي، تعود إلى عام 2018، شهد العام الجاري ما يمكن وصفه بـ"الانفجار" لناحية نسبة الابتزاز الجنسي في مختلف الدول الأوروبية وذلك بالمقارنة مع العام السابق، 2019، وزيادة هائلة تجاوزت مليون حالة في دول أوروبية مختلفة، وذلك حتى شهر مايو/ أيار الماضي. وهذا يعني أن الأرقام يمكن أن تزداد أكثر فأكثر مع استمرار تفشي كورونا، بحسب وكالة الشرطة الأوروبية. 
التركيز الأوروبي هذه الأيام على الابتزاز الجنسي، الذي يشبهه بعض علماء النفس والاجتماع في أكثر من دولة بأنه أقرب إلى "استعباد جنسي رقمي"، يأتي في سياق موجة من الفضائح تضرب أوساطاً سياسية وإعلامية تعمد إلى ابتزاز النساء، وانتهاك حقوقهن وعدم احترام الحدود التي يضعنها من قبل أصحاب النفوذ.
وفي الوقت الحالي، تشهد الدنمارك اعتراف آلاف النساء بما تعرضن له وتوقيع عريضة (ضحايا التحرش الجنسي)، التي انطلقت بعدما شكت شابة متدربة في التلفزيون الدنماركي من تعرضها لاعتداء جنسي لتظل في منصبها. وكشف توقيع آلاف السيدات على العريضة عن وجود "ثقافة تحرش وانتهاك مسكوت عنهما" في هذا البلد الاسكندينافي، ما شكل صدمة مجتمعية وسياسية وإعلامية تستمر تبعاتها بمزيد من الاتهامات التي تطاول شخصيات برلمانية وقيادية في الدولة والأحزاب السياسية. 
وخلال العام الماضي، كشفت هولندا بعضاً من العالم الخفي للابتزاز الجنسي، وكيفية انتهاك حقوق الأطفال والإساءة إليهم "بشكل فظيع جداً"، بحسب تقرير لمحطة "آر تي أل" الهولندية. وعملت المحطة لأشهر عدة، وبشكل سري، على الكشف عن تلك الجرائم التي تصفها بـ"الفظيعة جداً، إذ تستمر الانتهاكات الجنسية بحق الأطفال على الرغم من تدخل الشرطة". وفي الكثير من الأحيان، يعمد أصحاب المناصب العليا والنفوذ إلى طلب أشياء محددة من الأطفال، على أن يتولى الابتزاز آخرون لصالح أصحاب النفوذ الذين يطلق عليهم اسم "غرف المهمين جداً" (VIP rooms). وشهدت هولندا حتى مايو/ أيار عام 2019، استغلال أكثر من 1700 ضحية قاصر سنوياً من خلال العالم الرقمي الخفي أو ما يسمى الشبكة المظلمة، حيث يتشارك أعضاء الشبكة تلك الصور الفظيعة للأطفال أو استغلال الأطفال إباحياً، بحسب "آر تي أل".
وبحسب تقرير "يوروبول"، شهدت ألمانيا نحو 20 ألف حالة استغلال جنسي من خلال منصات رقمية مظلمة، بالإضافة إلى تبادل صور جنسية وابتزاز النساء للقيام بأشياء رغم إرادتهن. وتجدر الإشارة إلى أن القضايا التي تتحدث عنها التقارير الأمنية والصحافية هي فقط أرقام جرى الوصول إليها من خلال شكاوى وتتبّع الأمن الرقمي الأوروبي، مع اعتراف صريح بأن الأرقام أكبر من تلك المعلن عنها. وفيما سجلت السويد نحو 4 آلاف حالة ابتزاز في شهر مارس/ آذار الماضي، فقد انخفض الرقم في مايو/ أيار الماضي إلى أقل من ألفي حالة. وفي ما يتعلق بالأرقام الأوروبية المتعلقة بعمليات الاستغلال والضغط على النساء لتصوير أنفسهن في وضعيات مخلة بالآداب، فقد تجاوزت كل من بولندا وإيطاليا 20 ألف حالة في شهر إبريل/ نيسان الماضي، فيما لم تتجاوز الحالات التي اكتشفتها الشرطة أو التي تقدم أصحابها بشكاوى عن العام الماضي، 2019، بضعة آلاف من الحالات. وخلال ثلاثة أشهر (ما بين مارس/ آذار ومايو/ أيار)، تجاوزت الحالات في فرنسا الـ45 ألف حالة انتهاك جنسي واستغلال عبر الشبكة الإلكترونية. 

عمليات الابتزاز 
تحدث عمليات الابتزاز من خلال التهديد، وكثيراً ما تكون الفئة المستهدفة هي الأطفال. وبحسب شهادات بعض الفتيات، فقد تم تهديدهن بقتل الأهل أو فضحهن أمام الأسرة في حال عدم الاستجابة لما يُطلب منهن. ويقول متخصصون دنماركيون في علم النفس إن ذلك الابتزاز أشد خطورة على الفتيات من الناحية النفسية. وعادة ما يجبرن على تصوير أنفسهن بوضعيات مخلة بالآداب ولا تراعي حقوق الأطفال. من هنا، يتوجب على الأهل التحدث بشكل صريح مع أطفالهم عن هذه الظاهرة ومدى خطورة الغرف المظلمة على الإنترنت. 
وتشير دراسة أعدتها القناة التلفزيونية الدنماركية بمشاركة منظمات تربوية و"أنقذوا الطفولة"، إلى زيادة نسبة الجرائم الجنسية المنظمة من خلال المنصات الرقمية. وبعد استطلاع آراء فتيات ونساء، تبين أن المبتزين حول العالم يعتمدون أسلوباً معيناً ومتشابهاً، إذ يجري أولا الإيقاع بالضحايا، ثم يطلب منهن القيام ببعض الأمور والتقاط صور وفيديوهات لهن تحت التهديد. 
وتؤكّد الدراسة زيادة نسبة الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للابتزاز خلال العامين الماضيين في دول غربية. وتضمنت الدراسة توجيه أسئلة لـ145 منهن يقيم معظمهن في الدنمارك وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. وأجابت فتيات بعمر 13 عن تعرضهن لعمليات ابتزاز مهينة جداً، يصعب نقل تفاصيلها، بحسب مواقع غربية. 
إلى ذلك، تقول الطبيبة النفسية في منظمة "أنقذوا الطفولة" كونو سورنسن، المتخصصة بقضايا العنف والاعتداء الجنسي على الأطفال، إن الابتزاز والاعتداء الرقمي الجنسي على الصغار أمر مدمّر نفسياً لهن/ لهم. وتذكر للتلفزيون الدنماركي والصحافة المحلية، أن "الاعتداء الجنسي عادة ما يكون مشبعاً بالشعور بالعار والإذلال. إذ يشعر الضحايا بفقدان السيطرة على صورهن الخارجية تحت الابتزاز والتهديد بنشر الصور أمام الأسرة والمحيط العائلي، وبالتالي يفقدن القدرة على وقف أو كسر دائرة الابتزاز التي وقعن ضحيتها". 

وتشهد الدنمارك هذه الأيام بدء محاكمة شاب (22 عاماً)، عمد خلال عامين إلى ابتزاز 170 سيدة وفتاة قاصر تحت التهديد ومن خلال استخدام أسماء وهمية متعددة على الشبكة، وهي القضية التي يصفها الادعاء في الجرائم الجنسية الرقمية "الأكبر في تاريخ الدنمارك". يشار إلى أن المعتدي موقوف على ذمة القضية منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي.  

المساهمون