إيران في "وداع كورونا"... هل من تسرّع في التفاؤل؟

إيران في "وداع كورونا"... هل من تسرّع في التفاؤل؟

14 يونيو 2022
الالتزام الشعبي بالبروتوكولات الصحية ساهم في الحدّ من تفشّي الوباء (عطا كناره/ فرانس برس)
+ الخط -

يبدو الإيرانيون متفائلين مع انحسار حدّة وباء كورونا في البلاد، على الرغم من أن أهل الاختصاص، محلياً وعالمياً، ما زالوا حذرين في التفاؤل، لا سيما أن مفاجآت فيروس كورونا الجديد ومتحوّراته كثيرة.

"الحمد لله، زال أخيراً عنصر ضغط كبير علينا، واستعدنا بعضاً من الحيوية والنشاط في حياتنا اليومية، على الرغم من تفاقم الأزمة المعيشية المستمر". تبدو المواطنة الإيرانية شهره صادقي، القاطنة غربي العاصمة الإيرانية طهران، متفائلة أكثر من اللزوم وهي تعبّر عن فرحتها إزاء تراجع وباء كورونا في البلاد إلى مستويات قياسية في الأيام الأخيرة. وتخبر صادقي "العربي الجديد" أنّها عادت إلى "ممارسة حياتي العادية والطبيعية"، كأن أزمة فيروس كورونا الجديد انتهت في إيران، مشيرة إلى أنّ "الناس توقّفوا عن وضع الكمامات وكسرنا كورونا".

لكنّ المواطن بابك، الذي فضّل عدم الكشف عن اسم شهرته، لا يبدو كثيراً مهتماً بالنجاح المحقّق في ما يتعلّق بكبح جماح الوباء، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يعنيني بقاء كورونا أو زواله ما دمت أعيش تحت ضغوط يومية، اقتصادية ونفسية، أكبر من كورونا، بسبب الأزمة. فأنا أعمل لأعيل أسرتي، ليلاً ونهاراً، سواء كنّا في أيام ذروة كورونا أم وسط التراجع الكبير المسجّل في هذا الإطار". مع ذلك، يشير بابك، وهو عامل تنظيف، إلى أنّ تراجع كورونا القياسي في إيران "وفّر لي ولسواي فرص عمل أكثر، مقارنة بما كانت الحال عليه في خلال التفشي الكبير. فالبيوت بمعظمها كانت تتجنّب حينها استخدام عمّال التنظيف خوفاً من الإصابة بالعدوى".

الصورة
إيرانيون في مترو وسط انحسار أزمة كورونا في إيران (عطا كناره/ فرانس برس)
عادت الحركة في إيران إلى طبيعتها أخيراً (عطا كناره/ فرانس برس)

وفي إيران التي مثّلت في بداية الجائحة بؤرة التفشي الأولى المرصودة في الشرق الأوسط، راح الوباء يتراجع منذ أشهر، علماً أنّها سجّلت، بحسب البيانات الأخيرة، نحو 141 ألفاً و353 وفاة، فيما تخطّى إجمالي عدد المصابين سبعة ملايين مصاب، منذ دخول الفيروس البلاد وتأكيد الإصابات الأولى في التاسع عشر من فبراير/شباط 2020.

ومنذ بداية يونيو/حزيران 2022، سجّلت إيران يومَين (الثاني والعاشر) من دون أيّ وفاة بكوفيد-19، الأمر الذي كان له وقع إيجابي كبير على الإيرانيين، وهو ما حدا بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى تهنئة الشعب بتحقق "صفر وفيات كورونا في إيران للمرّة الأولى" منذ بداية الأزمة الوبائية، "على الرغم من تعرّضها (إيران) للعقوبات الأميركية المشدّدة والاتّكال على القدرات الداخلية". وقد وصف رئيسي الأمر بأنه "إنجاز عظيم"، قائلاً إنّه تحقّق بفضل "الإدارة الشاملة لمواجهة كورونا" في حكومته.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وقد عايشت إيران ستّ موجات صعبة من الوباء، لعلّ أكثرها شدّة كانت الأولى والثانية، لا سيما على الصعيد النفسي، ثم تلك التي تفشّى في خلالها متحوّر "دلتا" ثم متحوّر "أوميكرون". ففي خلال الموجتَين الأوليَين، كانت البلاد هي الأكثر تضرّراً في الشرق الأوسط، ومن ضمن الدول الأولى عالمياً في التفشّي إلى جانب الصين وإيطاليا. في ذلك الحين، كان الفيروس ما زال غير معروف كلياً على مستوى العالم كله، وذلك في غياب أيّ تصوّر واضح حول طبيعته وسرعة انتشاره وعدواه وطرق انتقاله وما إلى ذلك. بالتالي، لم تتّخذ السلطات الإيرانية، كما سلطات دول كثيرة، الإجراءات المسبقة اللازمة لاحتوائه، فواجهت البلاد في الأيام والأسابيع الأولى، نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية المطلوبة من كمامات وكحول (إيثانول) ومواد معقّمة وغيرها.

في سياق متصل، أتت الموجة الخامسة التي بدأت في يوليو/تموز 2021 الأشدّ وطأة لجهة أعداد الوفيات والإصابات اليومية، فسُجّلت أرقام محلية قياسية في البلاد، مع تجاوز عدد الوفيات 700 والإصابات 50 ألفاً يومياً. لكنّ هذه الموجة دخلت مساراً تراجعياً مع بدء حملة التحصين الواسعة في أغسطس/آب 2021، وذلك مع تشكيل حكومة إيرانية جديدة، فيما كان عدد متلقّي اللقاحات ستة ملايين فقط، علماً أنّ عدد سكان البلاد يبلغ 85 مليون نسمة. أمّا اليوم، فقد وصل عدد الجرعات التي زُوّد بها المواطنون إلى نحو 140 مليوناً، من بينها أكثر من 61 مليون جرعة أولى، ونحو 55 مليون جرعة ثانية، و21 مليون جرعة ثالثة.

الصورة
شابات إيرانيات وسط انحسار أزمة كورونا في إيران (عطا كناره/ فرانس برس)
تراجع تفشي كورونا في إيران إلى مستويات قياسية (عطا كناره/ فرانس برس)

وعن سبب تراجع كورونا في إيران إلى هذه المستويات القياسية، يقول رئيس مستشفى "ابن سينا"، غربي طهران، آرش أنيسيان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إيران كانت من ضمن الدول التي سجّلت إقبالاً عاماً جيداً لتلقي اللقاحات، وقامت حملة تحصين واسعة النطاق في مدّة قصيرة لم تصل إلى ثلاثة أشهر"، مضيفاً أنّ ذلك "سبّب انقطاع سلسلة كورونا إلى حدّ كبير". ويشير أنيسيان إلى "عاملَين آخرَين؛ الأوّل تحقق المناعة العامة المجتمعية (مناعة القطيع) في مواجهة الفيروس بعد إصابة أعداد كبيرة من السكان به"، والثاني استمرار الالتزام الشعبي المقبول بالبروتوكولات الصحية مثل وضع الكمامات في الأماكن العامة، ولذلك دور في خفض الإصابات وانتقال الفيروس".

وفي ردّ على سؤال بشأن مدى إمكانية الاستمرار في كبح الوباء، يقول رئيس أنيسيان إنّ ذلك "يتوقّف على ظهور متحوّرات جديدة من الفيروس". وإذ يتوقّع "عدم تسجيل موجة أخرى في البلد في الفترة المقبلة القريبة"، لا ينفي احتمال "حصول قفزة جينية في الفيروس تصعّب على جهاز المناعة مقاومتها كما ينبغي". لكنّه يلفت إلى "احتمال استمرار هذا الوضع، لا سيّما أنّ كوفيد-19 سوف يصير كما الإنفلونزا".

من جهته، لم يخفِ الطبيب جواد حسيني، رئيس قسم الصحة في جامعة مشهد للعلوم الطبية في محافظة خراسان الرضوية، قلقه من احتمال تسجيل موجة جديدة من الوباء في إيران في الأشهر الثلاثة المقبلة بالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد، موضحاً أنّ 16 في المائة فقط من تلاميذ المدارس الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 أعوام و11 عاماً، تلقّوا اللقاحات المضادة لكوفيد-19، وهي نسبة ضئيلة جداً. ودعا حسيني، في تصريحات أوردتها وكالة "إيسنا" الإيرانية، إلى تحصين التلاميذ جميعاً لمنع ظهور موجة جديدة.

المساهمون