إيران تدرس نقل العاصمة إلى "الجنة المفقودة" على الساحل الجنوبي

18 فبراير 2025
نصب الحرية في غرب العاصمة الإيرانية طهران، 8 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدرس إيران نقل عاصمتها من طهران إلى منطقة مكران الساحلية لحل مشاكل مثل التلوث والازدحام، رغم المعارضة بسبب الأهمية التاريخية لطهران.
- مكران تُعتبر موقعًا محتملاً بفضل موقعها الساحلي وإمكانية أن تصبح مركزًا اقتصاديًا، لكن تواجه تحديات أمنية واستراتيجية.
- نقل العاصمة يحمل فوائد مثل التنمية الإقليمية، لكنه يواجه عقبات مالية ولوجستية، مع قلق حول قدرة مكران على دعم التنمية بسبب نقص الموارد المائية.

تدرس إيران نقل العاصمة إلى مكران على ساحل خليج عمان، في إطار سعيها لحلّ جذري لمشاكل كثيرة تواجه عاصمتها الحالية طهران، بما في ذلك الاختناقات المرورية، وانخساف الأرض. ورغم أنّ فكرة نقل العاصمة ظهرت في مناسبات مختلفة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979، فإنّه جرى تأجيل المقترحات بهذا الشأن مراراً، على اعتبار أنّها غير واقعية بسبب العقبات المالية واللوجستية الهائلة. لكنّ الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان الذي تولّى منصبه في يوليو/تمّوز أعاد إحياء الفكرة مؤخراً، مشيراً إلى التحديات المتزايدة التي تواجهها طهران.

ومن بين التحديات التي تواجهها طهران، الاختناقات المرورية، وشحّ المياه، وسوء إدارة الموارد، والتلوّث الجوي الشديد، فضلاً عن الانخساف التدريجي في الكتلة الأرضية إمّا بسبب العوامل الطبيعية أو جراء النشاط البشري. وفي يناير/كانون الثاني، قالت المتحدّثة باسم الحكومة، فاطمة موهاجراني، إنّ السلطات تدرس احتمال نقل العاصمة. وأشارت إلى أنّه "تجري دراسة منطقة مكران بجدية" لهذا الهدف، من دون أن تحدّد جدولاً زمنياً.

أين تقع مكران؟

ومكران منطقة ساحلية على خليج عمان، تمتد عبر محافظة سيستان بلوشستان في جنوب إيران وجزء من محافظة هرمزغان المجاورة. جرى الترويج لها مراراً على أنّها الموقع الأوفر حظاً ليحلّ مكان العاصمة طهران. وقال وزير الخارجية عباس عراقجي في خطاب الأحد إنّ "الجنّة المفقودة في مكران يجب أن تتحوّل إلى المركز الاقتصادي المستقبلي لإيران والمنطقة". وفي خطاب ألقاه في سبتمبر/أيلول، قال بزشكيان: "ليس أمامنا خيار إلا نقل المركز السياسي والاقتصادي للبلاد إلى الجنوب، وبالقرب من البحر". وأكّد أنّ مشاكل طهران "تفاقمت مع استمرار السياسات القائمة".

وأدّت إعادة إحياء الخطط بشأن نقل العاصمة إلى إثارة جدل بشأن ضرورتها، إذ سلّط كثيرون الضوء على أهمية طهران التاريخية والاستراتيجية. وقال النائب علي خزاعي إنّه بغضّ النظر عن المدينة المستقبلية التي سيجري اختيارها، يجب أن تؤخذ في الاعتبار "الثقافة الغنية" التي تتمتّع بها البلاد.

أهمية طهران عاصمة لإيران

وطهران التي اختارها محمد خان آخا قاجار عاصمة في عام 1786 تمثّل مركزاً سياسياً وإدارياً وثقافياً للبلاد منذ أكثر من قرنين. وتضمّ محافظة طهران حالياً حوالي 18 مليون شخص، فضلاً عن حوالي مليوني شخص يدخلونها خلال النهار، وفق المحافظ محمد صادق معتمديان. وتقع مدينة طهران غير الساحلية على هضبة منحدرة عند سفح سلسلة جبال ألبرز المغطاة بالثلوج. وفي داخلها، تجتمع ناطحات سحاب عصرية مع قصور تاريخية وبازارات مكتظة وحدائق مورقة. أما مكران فتشتهر بقرى يعتاش معظم أهلها من صيد السمك وشواطئ رملية وتاريخ قديم يعود إلى عهد الإسكندر الأكبر. مع ذلك، لا يزال كثيرون يعارضون نقل العاصمة.

 

وقال كميار بابائي (28 عاماً) وهو مهندس يقطن في طهران: "ستكون هذه خطوة خاطئة تماماً لأنّ طهران تمثّل إيران حقاً". وأضاف أنّ "هذه المدينة ترمز لسلالة قاجار التاريخية... رمز للحداثة والحياة المتمدّنة". ويشاركه الرأي أستاذ التخطيط المدني علي خاكسار رفسنجاني، الذي أشار إلى "موقع طهران الاستراتيجي". وقال لصحيفة اعتماد الإصلاحية، إنّ المدينة "آمنة ومناسبة في حالات الطوارئ والحرب"، مشيراً من ناحية أخرى إلى أنّ مكران ذات موقع "ضعيف للغاية"، لأنّها تقع على خليج عمّان.

من جانبه، أكّد رئيس بلدية طهران السابق، بيروز حناجي، أنّه "يمكن حلّ" مشاكل العاصمة، موضحاً أنّ الأمر يتطلّب فقط "استثماراً" واتّخاذ تدابير لتطوير المدينة. ولا توجد تقديرات رسمية بشأن الميزانية المطلوبة لمواجهة التحديات المرتبطة بطهران. لكن في إبريل/نيسان 2024، قال وزير الداخلية السابق أحمد وحيدي إنّ نقل العاصمة قد يتطلّب ميزانية تبلغ "حوالي مئة مليار دولار"، بناء على ما ذكره موقع "همشهري" التابع لبلدية طهران.

إيجابيات وسلبيات نقل العاصمة إلى مكران

من جانبها، أجرت وكالة "إيسنا" للأنباء تقييماً لإيجابيات وسلبيات نقل العاصمة إلى مكران، لافتة إلى أنّ المنطقة تتمتّع "بالقدرة على أن تصبح مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً". لكنّ التقييم لفت كذلك إلى أنّ نقل العاصمة قد يزيد من الأعباء المالية الثقيلة التي ترزح تحتها إيران، والناتجة بشكل رئيسي عن عقود من العقوبات الدولية. كذلك، نشرت صحيفة "اعتماد" إيجابيات وسلبيات نقل العاصمة إلى مكران، مشيرة إلى "تنمية إقليمية ووصول إلى المياه المفتوحة وخطر أقل للتعرّض للزلازل"، مقارنة بطهران المعرّضة للنشاط الزلزالي. لكنّ الصحيفة ذكرت أيضاً الأكلاف المرتفعة والاضطرابات التي ستشهدها حياة الناس، موضحة أنّ هذه الخطوة من شأنها أن تفرض تحدّيات لوجستية هائلة.

بدوره، أشار موقع "خبر أونلاين" إلى تعرّض منطقة مكران للتغيّر المناخي. ونقل الموقع عن الخبير البيئي حسين مرادي قوله إنّ "التغييرات المناخية ونقص الموارد المائية في منطقة مكران، بالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة وتراجع هطول الأمطار، خلقت ظروفاً بيئية هشّة للغاية تحدّ من إمكانات التنمية الواسعة".

وبالنسبة إلى بانافشه كينوش، الخبيرة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، فإنّ اختيار مكران قد يعكس طموحات استراتيجية واسعة. وقالت في منشور على منصة إكس: "من خلال اختيار مكران لتكون العاصمة المحتملة المقبلة، تهدف إيران إلى التنافس مع موانئ بحرية مثل دبي وجوادر" في باكستان المجاورة. وأضافت أنّ هذا الأمر من شأنه أن يعطي دفعة قوية لمدينة تشابهار الساحلية القريبة "على الرغم من العقوبات"، والأهمّ من ذلك أن "يعيد التأكيد على دور (إيران) في الممر المائي للخليج".

 (فرانس برس)

المساهمون