إيران: تحديات التعليم عن بعد

إيران: تحديات التعليم عن بعد

07 فبراير 2021
قبل إغلاق المدارس (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -

فرض تفشي فيروس كورونا في إيران تحديات كثيرة على مستوى القطاع التربوي،  وخصوصاً أن البلاد لم تكن مجهزة، كغيرها، للانتقال إلى التعليم عن بعد. ويخشى تربويون من تراجع المستوى الأكاديمي

"بيتنا اليوم لم يعد ذلك البيت التقليدي الذي يعود إليه الأب بعدما ينهي عمله، ويعود إليه الأولاد بعد انتهاء دوام المدرسة. فيروس كورونا حوّل بيتنا إلى مساحة للعمل والدراسة في آن، ما تسبّب بمشاكل كثيرة لنا. يفقد البيت معناه التقليدي والأساسي، ويتحول إلى مؤسسة جديدة تُحمّل الأمهات مسؤوليات جديدة". هكذا تصف الإيرانية زليخا حسيني، القاطنة في العاصمة طهران، تغير نمط الحياة داخل البيت في ظل تفشي كورونا. 

حسيني، الحاصلة على بكالوريوس في الأدب الفارسي، هي أم لثلاثة أولاد، تقول لـ"العربي الجديد"، إن اثنين من أولادها في المرحلة الأساسية، وابنتها البكر في الثانوية العامة، مشيرة إلى أن التعليم عن بعد ليس سهلاً بالنسبة لتلاميذ المرحلة الأساسية، لأن الكثيرين منهم لا يتقنون استخدام الأجهزة الإلكترونية، بالإضافة إلى صعوبة فهم الدروس. كذلك، تتحدث عن  صعوبات كبيرة لدى بعض الأسر في مساعدة أولادها.  
فترة دوام المدرسة كانت محددة من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة والنصف ظهراً. لكن في ظروف كورونا، "باتت هناك فوضى في ساعات التعليم، كونها غير محددة، وأحياناً تستمر حتى المساء"، تقول حسيني. تضيف أن ابنتها في الثانوية العامة قادرة على التعلم بنفسها، لكن "الوقت الذي أُخصّصه لتعليم ولديّ الأصغر سناً منها يحول دون القيام في أحيان كثيرة بأعمالي المنزلية وتحضير طعام الغداء". بالإضافة إلى ما سبق، تخشى حسيني من تراجع مستوى أولادها الأكاديمي، خصوصاً ابنتها الكبرى المقبلة على امتحان دخول الجامعة هذا العام.  
من جهته، يقول المدرس يوسف رضا زادة، لـ"العربي الجديد"، إن "البنية التحتية الافتراضية ليست جاهزة لمواجهة كورونا". يضيف: "على الرغم من مرور عام على تفشي كورونا في البلاد، إلا أن التعليم الافتراضي في البلاد يفتقر إلى التقنيات اللازمة، ويواجه المدرسون والكادر التعليمي والتلاميذ مشاكل عدة"، فضلاً عن أن 30 في المائة من التلاميذ الإيرانيين لا يمتلكون أي جهاز ذكي للتعليم عن البعد.
وفي وقت سابق، أعلن نائب وزير التعليم جواد حسيني أن مليوني تلميذ يستخدمون هواتف أهلهم للدراسة، ولا يمكنهم الاستفادة من كل الدروس الافتراضية، بحسب وكالة "تسنيم". في هذا الإطار، يشير رضا زادة، الذي يدرّس في مدارس شرق طهران، إلى عدم وجود "تطبيق شامل أو موقع خاص متطور يلبي كل الاحتياجات التقنية للتعليم الافتراضي"، لافتاً إلى أنّ المعلمين "يضطرون إلى ابتكار أساليب خاصة تقليدية وحديثة لمواجهة هذه التحديات". ويؤكد أن "اللوح التقليدي يلعب دوراً مهماً في التعليم"، مشيراً إلى أن "الشبكة الافتراضية تفتقر إلى تقنية التواصل المباشر، ونضطر إلى شرح بعض الدروس عبر الكتابة على الأوراق وتصويرها وتوزيعها داخل الشبكة".  
يضيف أن "التعليم الافتراضي لن يغني عن التعليم التقليدي، واستمراره سيؤدي إلى تراجع المستوى الأكاديمي". ويشير رضا زادة إلى عدم وجود آلية محددة للإشراف على الامتحانات، وهذا ما فتح الباب أمام التلاميذ للغش. كذلك، فإن الانضباط خلال التعليم الافتراضي أمر صعب للغاية، ويلجأ البعض إلى اللعب على الأجهزة الذكية أحياناً، أو ينشغلون في الدردشة بعضهم مع بعض.  
ودفعت المخاوف من تراجع المستوى التعليمي للأولاد عائلات ثرية للجوء إلى الدروس الخصوصية والاستعانة بالمعلمين لتدريس أولادهم بشكل خاص. في المقابل، ثمة فوائد أيضاً للتعليم الافتراضي، كما يقول أستاذ علم النفس الإيراني محيي الدين محمد خاني، من محافظة كرمانشاه (غربي إيران)، لـ"العربي الجديد"، ويشير إلى تراجع الاضطرابات النفسية لدى بعض التلاميذ، في ظل تراجع التنافس السلبي. 
وزاد التعليم عن بعد اهتمام الوالدين بحصول أولادهم على التعليم الجيد، وذلك من خلال إجراء امتحانات منزلية أحياناً، بحسب محمد خاني، قائلاً إن "ذلك يستدعي إجراء أبحاث تثري الطلاب أكاديمياً". وعن السلبيات، يتحدث محمد خاني عن عدم إمكانية تدريب الطلاب على المهارات الاجتماعية وانعدام التواصل بين المدرس والتلميذ، فضلاً عن تراجع المستوى الأكاديمي وتحوله إلى أمر ثانوي لـ"عدم وجود تفاعل مباشر وجهاً للوجه" بين المدرس والتلميذ.

وتبقى معاناة التلاميذ ذوي الإعاقة في زمن كورونا أكبر من غيرهم، ومن بينهم المصابون بالتوحد، إذ إن التواصل مع الآخرين هو أكبر تحد لهؤلاء، بحسب الأكاديمي مهدي مقدسي نيا، الذي تعاني ابنته من التوحد. يقول لـ"العربي الجديد"، إن عائلته ومنذ إغلاق المدراس، تواجه مشاكل كبيرة في تعليم ابنتها، لافتاً إلى أن "هؤلاء التلاميذ في حاجة ماسة إلى التواصل الحقيقي مع المدرسين القادرين على التواصل معهم".   
وبحسرة، يقول قدسي نيا إنه كان لكورونا تأثير كبير على ما تعلمته ابنته، "كانت تشعر بسعادة بالغة عندما تعلمت طريقة التواصل مع الغير، لكنها اليوم تقضي وقتها في مشاهدة الهاتف الذكي". يضيف أن "الطفل المصاب بالتوحد أصبح ينسى اليوم أن عليه أن ينام ويستيقظ في ساعات محددة ويرتدي الزي المدرسي ويذهب إلى المدرسة"، لافتاً إلى أن "كورونا لا يستهدف صحتنا فقط، بل حاضرنا ومستقبلنا، وخصوصاً أولادنا".

المساهمون