إهدار "قيم الأسرة" المصرية... هلع أخلاقي في العصر الرقمي

20 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 22 أغسطس 2025 - 01:48 (توقيت القدس)
ملاحقة المؤثرين متواصلة في مصر، 28 يوليو 2020 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في أغسطس 2023، شنت السلطات المصرية حملة ضد صناع المحتوى على "تيك توك"، متهمة إياهم بإهدار قيم الأسرة، مما يعكس التداخل بين القانون والسياسة والطبقية في مصر.
- أستاذة علم الاجتماع سمر محمود ترى أن هذه الحملات تغذي "الهلع الأخلاقي"، وتؤدي إلى استخدام القانون والإعلام ضد فئات معينة، مشيرة إلى أن الحلول تكمن في تحسين التعليم وزيادة الوعي.
- تقارير حقوقية تشير إلى استخدام القوانين لمعاقبة فئات معينة، مع صراع بين خوارزميات المنصات والقوانين المحلية، وتعتبر "فريدوم هاوس" هذا النهج جزءاً من سياسة أوسع للسيطرة الرقمية.

خلال شهر أغسطس/آب الحالي، قبضت السلطات الأمنية المصرية على عدد من صناع المحتوى، في إطار حملة أمنية استهدفت ناشطين على منصة "تيك توك" بتهمة "إهدار قيم الأسرة المصرية". وتكشف تلك الحملة عن التداخل بين القانون والسياسة والطبقية في مصر، كما تؤثر على قطاعات شعبية ترفض فئات مثل مجتمع الميم والمتحولين والعابرين جنسياً، وتعتبرهم خطراً.
ومن بين الموقوفين، تواجه صانعة المحتوى "ياسمين" تهماً إضافية، إذ قيل إنها "شاب متحول جنسياً"، وقيل إنها "رجل أجاد تمثيل دور الفتاة"، وتتهم بالتالي بـ"خدش الحياء"، و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، فضلاً عن "التحريض على الفسق والفجور" بموجب قانون مكافحة الدعارة الصادر في سنة 1961.
وتعود جذور الهجوم على نشطاء منصات البث مثل "تيك توك" إلى عام 2020، حين بدأت السلطات استدعاء مفهوم "القيم الأسرية" بوصفها أداة أمنية، خاصة مع صعود المنصات التي منحت شرائح اجتماعية واسعة، بمن فيهم الطبقات الوسطى والفقيرة، فرصاً لتقديم أنفسهم بعيداً عن القوالب الإعلامية التقليدية.

من جانبها، تعتبر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سمر محمود، أن تلك الحملات الأمنية تغذي المجموعات الشعبية التي تدعو إلى ملاحقة المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي بحجة حماية قيم الأسرة، وترى أن هذا يضعه علم النفس وعلم الاجتماع ضمن إطار "الهلع الأخلاقي"، حيث تُصوّر فئة ما بوصفها تهديداً لقيم المجتمع، فتُحشد ضدها أدواتُ القانون والإعلام. 
وتوضح محمود لـ"العربي الجديد": "القبض على صناع المحتوى يحقق ردعاً رمزياً قصير الأجل، ويبعث إشارة بأن ما يفعلونه غير مقبول، لكنه ينتج آثاراً جانبية، من بينها انتقال الجمهور إلى شخصيات أو قنوات بديلة، أو الإقبال على منصات أقل ضبطاً، مثل تليغرام، كما قد يفسر مؤيدو هؤلاء المؤثرين العقوبة باعتبارها صراع أجيال، أو صراعاً على القيم، فيتعزز التعاطف بدلاً من الردع".

وترجع أستاذة علم الاجتماع المخاطر الحقيقية على قيم الأسرة إلى عوامل بنيوية، مثل تدهور التعليم، وهشاشة سوق العمل، والفقر، وضعف الرعاية الأسرية. مؤكدة أن "المحتوى المبتذل قد يزعج البعض، لكنه نادراً ما يكون سبباً أصلياً في التغير القيمي؛ وإنما غالباً يعكسه، أو يركب موجته. هناك بدائل ناجعة للحملات الأمنية، من بينها توفير مناهج إعلامية في المدارس والجامعات تزيد مناعة المتلقي، ووضع ميثاق سلوك للمؤثرين بدلاً من انتهاج العقاب الجنائي كخيار، وإنتاج بدائل جاذبة تمزج الترفيه بالقيم".
ويذهب تقرير صادر عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن "غالبية القضايا المرتبطة بما يطلق عليه (قيم الأسرة) تستهدف شابات من خلفيات مجتمعية متواضعة يعملن في مجال الترفيه الرقمي، مع اتساع دائرة الملاحقة لتشمل العابرين جندرياً، والمدونين. هذا التوجه هو مزيج من القمع الأمني والفزع الأخلاقي".
ولم يقتصر الأمر على أروقة المحاكم، بل امتد إلى وسائل الإعلام التقليدية، والتي تتعامل مع توقيف المؤثرين عبر خطاب تحريضي، حتى إن إحدى الصحف الحكومية نشرت عنوان "البلوغر ياسمين مذكر ومؤنث"، مؤكدة أن السلطات أودعتها سجناً للرجال لأنها مسجلة رسمياً أنها ذكر.

ويمنح قانون تنظيم الصحافة والإعلام الصادر في سنة 2018، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سلطة حجب المواقع وحسابات منصات التواصل التي يتجاوز عدد متابعيها 5000 شخص، إذا نشرت محتوى "مخالفاً للقيم". وشهدت الفترة الأخيرة، تطوع عدد من المحامين الباحثين عن الشهرة لإقامة قضايا ضد صناع محتوى، بحجة أنهم يقدمون "مقاطع مسيئة" يجرّمها قانون مكافحة جرائم الإنترنت الصادر في سنة 2018. 
وتؤكد منظمات حقوقية عدة أن القوانين تُستخدم في كثير من الأحيان لمعاقبة أشخاص او فئات بعينها، من دون الاستناد إلى معايير موضوعية لقياس الضرر الأسري. وفي خلفية المشهد، يبرز الصراع بين خوارزميات المنصات الرقمية التي تكافئ المحتوى الجذاب سريع الانتشار، وبين القوانين المحلية التي ترسم خطوطاً حمراء فضفاضة. 
ورصدت دراسة ميدانية نشرتها "المكتبة الرقمية المصرية" في عام 2021، بعنوان "استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وانعكاسها على منظومة القيم الأسرية"، استراتيجيات صانعات محتوى للتوفيق بين مطلب الجذب الذي تفرضه خوارزميات "تيك توك" والقيود الأخلاقية المفروضة قانوناً، والتي تجعل "كل منشور بمثابة خطوة على حبل مشدود، يمكن أن تتحول فجأة إلى مادة للملاحقة القانونية".

وتؤكد دراسة صادرة عن الجامعة الأميركية بالقاهرة (2023)، أن الخطاب القانوني والأمني حول "القيم الأسرية" لا يهدف بالضرورة إلى حماية الأسرة، بل إلى إعادة ترسيم الحدود الأخلاقية في الفضاءين العام والخاص، مع الحفاظ على السيطرة على الأجساد والسلوكات تحت شعار "الحماية الأخلاقية". مشيرة إلى أنّ "خطاب قيم الأسرة يقدم نفسه كأداة تنظيم اجتماعي أكثر من كونه أداة لحماية الأسرة، وهذا الخطاب في الواقع يهدف إلى تحويل المواطن إلى وحدة صغيرة قابلة للمراقبة والتحكُّم".
بينما تشير أبحاث منشورة للمجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي) إلى أن الحديث عن أزمة منظومة قيم الأسرة سبق ظهور منصة (تيك توك) بسنوات، لكنه اكتسب زخماً غير مسبوق مع التحول الرقمي الذي نقل السلطة الرمزية من الإعلام التقليدي إلى فضاءات أكثر تحرراً وتفاعلية.
في سياق متصل، اعتبرت تقارير حقوقية، من بينها تقرير لمنظمة "فريدوم هاوس" في عام 2022، أن هذا النهج "يمثل جزءاً من سياسة أوسع لفرض السيطرة على الفضاء الرقمي، ويتكئ على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الذي يجرّم الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع. غير أن القانون لم يحدد بدقة ما المقصود بهذه القيم، ما يفتح الباب أمام تفسيرات فضفاضة وتوظيف سياسي وانتقائي".

المساهمون