إنهاك النظم البيئية يهدد قرقنة.. من أبرز جزر تونس

19 فبراير 2025
صيد في جزر قرقنة، تونس، 8 أغسطس 2024 (محمد خليل/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه جزر قرقنة تهديدات بيئية خطيرة بسبب تجريف قاع البحر والصيد الجائر، مما أدى إلى تراجع كميات الأخطبوط واضطرابات في النظم البيئية البحرية.
- تعتمد الجزر على الصيد التقليدي باستخدام "الشرافي"، لكن هذه الوسائل مهددة بسبب الاعتماد على الصيد الحديث مثل الدرِينة البلاستيكية.
- دعت جمعية "القراطن للتنمية المستدامة" إلى حماية النظم البيئية من خلال تشديد الرقابة وتنظيم الصيد، محذرة من أن التدهور المستمر قد يؤدي إلى تصحّر قاع البحر ويؤثر على مستقبل الصيادين.

حذّرت جمعيات مدنية من انهيار التوازن البيئي لجزر قرقنة التونسية، بعدما تسبّب تجريف قاع البحر من قبل مراكب الصيد وتغير المناخ في إنهاك النظم البيئية هناك، في المنطقة البحرية التي تمتدّ على مسافة 40 كيلومتراً في وسط شرق البلاد. وأبلغ صيادون وناشطون في المجتمع المدني في جزر قرقنة، التي تُعَدّ من الأبرز في تونس، عن تسجيل تراجع غير مسبوق في كميات الأخطبوط، الذي تشتهر به هذه الجزر، وذلك نتيجة الصيد الجائر والتغيّرات اللاحقة بالبيئة وتغير المناخ، ولا سيّما مع استمرار الممارسات غير القانونية التي تهدّد التوازن البيئي في المنطقة.

وتقع جزر قرقنة شرقي تونس على بعد سبعة كيلومترات من محافظة صفاقس، علماً أنّ هذا الأرخبيل يمتدّ من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي على مسافة 40 كيلومتراً، في حين لا يتجاوز عرضه خمسة كيلومترات، أمّا مساحته فتقدَّر بـ150 كيلومتراً مربّعاً. ويتكوّن أرخبيل قرقنة من جزيرتَين رئيسيّتَين مأهولتَين و12 جزيرة صغيرة، ويُعَدّ الصيد البحري النشاط الرئيسي لسكان قرقنة الذين يعتمدون منذ عقود على تقنيات صيد تقليدية لحماية النظم البيئية للجزر.

وفي حين يُحكى عن "وضع كارثي" في قرقنقة، يوضح رئيس "جمعية القراطن للتنمية المستدامة والثقافة والترفيه بقرقنة" أحمد السويسي لـ"العربي الجديد" أنّ "الحياة البحرية في قرقنة مهدّدة جدياً بسبب انقراض كائنات بحرية كانت مصدر الرزق الأساسي لصيّادي المنطقة". يضيف السويسي أنّ "قرقنة سجّلت هذا العام تراجعاً رهيباً في رصيد الأخطبوط عند سواحلها، نتيجة الاعتماد المكثّف على وسائل الصيد الحديثة المتمثّلة في الصيد بالدرِينة البلاستيكية بدلاً من الشرافي التقليدية".

تجدر الإشارة إلى أنّ "الشرافي"، مفردها "الشرفية"، وسيلة صيد بحري تقليدية تُصنَع من سعف النخيل، وهي مصيدة من أقدم الوسائل التي اشتهرت بها قرقنة. لكنّها مهدّدة بالاندثار، علماً أنّ السلطات في تونس قدّمت "الشرافي" التراثية إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) لإدراجها على قائمتها للتراث العالمي. وخلافاً لحال التونسيين من أهل الساحل والجزر، فإنّ البحر ملكية خاصة لسكان قرقنة؛ هم يمتلكونه مثلما يمتلكون الأراضي والمنازل على البرّ.

ويقول السويسي لـ"العربي الجديد" إنّ "التدخّل الجائر عند سواحل قرقنة، عبر الصيد بوسائل بلاستيكية، تسبّب في هجرة كثيفة للأخطبوط، وتراجع بالتالي مردود موسم الصيادين الذي يمتدّ من أكتوبر/ تشرين الأول حتى مارس/ آذار من كلّ عام". وعبّر عن "مخاوف حقيقية، بعدما سبق أن خسرت المنطقة صيد الإسفنج الذي انقرض من سواحل قرقنة في عام 2016".

ويؤدّي تراجع تكاثر الأخطبوط عند سواحل قرقنة إلى ارتفاع مخاطر "داعش البحر" الذي يتسبّب في تمزيق شباك الصيّادين ويزيد من معاناتهم المادية. وقد أطلق الصيّادون هذه التسمية على عقارب مفترسة بسبب فتكها بثروة من ثمار البحر، هي مصدر رزقهم الوحيد. ويشرح رئيس جمعية "القراطن" أنّ "جذور الأزمة التي تتفاقم عند سواحل قرقنة تعود إلى أكثر من سبعة أعوام، عندما لاحظ الصيّادون تغيّراً في سلوك الأخطبوط فيما سجّلوا هجرته إلى مناطق أعمق، الأمر الذي جعل عملية الصيد أكثر صعوبة وأقلّ مردودية".

يضيف السويسي أنّ "تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة البحر تسبّبا في اضطرابات شديدة في الحياة البحرية والنظم الإيكولوجية (البيئية) بالمنطقة ذات الخصائص الفريدة من نوعها". وفي ظلّ هذه الأزمة، يُطالب الصيّادون والمهتمّون بالقطاع الجهات المسؤولة باتّخاذ إجراءات عاجلة لدعمهم وتنظيم عمليات الصيد وتشديد الرقابة على المخالفات البيئية التي تؤثّر على استدامة الثروة البحرية في قرقنة.

ويتابع رئيس جمعية "القراطن" أنّ "تشديد العقوبات على الصيادين المخالفين سوف يساعد في إعادة إحياء النظم البحرية في قرقنة"، مشدّداً على أنّ "التدخّل السريع لحماية الكائنات المهدّدة بالانقراض يساعد على استعادتها في ظرف وجيز". ويلفت السويسي إلى أنّ "الصيد الجائر للكائنات البحرية المهدّدة بالانقراض يرقى إلى مستوى الجريمة، الأمر الذي سوف يسبّب على المدى القريب تضرّر النظم البيئية البحرية المتميّزة لجزر قرقنة".

ومنذ بداية موسم صيد الأخطبوط في أكتوبر الماضي، حذّرت جمعية "القراطن للتنمية"، في بيان نشرته على صفحتها الخاصة على موقع فيسبوك، من استنزاف الثروة البحرية؛ من أسماك ورخويات ونباتات بحرية وبيض أسماك، إذ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى "تصحّر قاع البحر". وبيّنت أنّ ذلك يقضي على مستقبل الصيادين الصغار الحاليين والأجيال المقبلة منهم، بالإضافة إلى إلحاق أضرار وخسائر مادية جسيمة نتيجة تلف معدّات ووسائل الصيد التقليدي. كذلك حذّرت الجمعية من انعكاسات التدهور المستمر للبيئة البحرية على الحياة الاجتماعية في قرقنة.

المساهمون