استمع إلى الملخص
- تعتمد التجربة على تحليل الكائنات الدقيقة في معدة العجول وتغذيتها بالطحالب لتقليل الانبعاثات، مع تطوير ميكروبات معدلة وراثياً، رغم التحديات البيئية والآثار الجانبية المحتملة.
- يهدف المشروع إلى تطوير حبة أو حقنة تُعطى للأبقار لزيادة الإنتاجية وتقليل الانبعاثات، بتمويل 70 مليون دولار على مدى سبع سنوات، مع التركيز على حلول مستدامة في البلدان النامية.
يشارك الباحث البرازيلي باولو دي ميو فيليو، من جامعة "يو سي ديفيس" الأميركية في شمال كاليفورنيا، في تجربة طموحة للتوصّل إلى حبوب تقضي على انبعاثات غاز الميثان الناجمة عن الأبقار، علماً أنّه من أبرز غازات الدفيئة، وذلك من خلال تحويل الأحياء الدقيقة المعوية لديها أو ما يُعرف بـ"الفلورا المعوية".
ويُدخل باولو دي ميو فيليو أنبوباً طويلاً في شدق عجل صغير يبلغ من العمر شهرَين، يُسمّى "ثينغ 1"، حتى معدته. وقد بات الحيوان معتاداً على هذه المناورة اللازمة لتطوير ما يوصف بأنّه حلّ سحري من شأنه أن يقضي على انبعاثات غاز الميثان المتأتية خصوصاً من تجشؤ الأبقار.
ويشير أستاذ علم الحيوان إرمياس كيبرياب إلى أنّ "ما يقرب من نصف الزيادة في درجات الحرارة منذ العصر الصناعي تأتي من غاز الميثان". وقد تتسبّب قطاعات صناعية ومصادر طبيعية أخرى عدّة في انبعاثات من هذا الغاز. لكنّ الأبقار تبعث الكثير منه، لدرجة أنّ تربيتها على نطاق واسع باتت تُعَدّ من الأسباب الرئيسية للاحترار المناخي.
ويوضح كيبرياب أنّ "الميثان لا يبقى في الغلاف الجوي إلا مدّة 12 عاماً، في حين يستمرّ ثاني أكسيد الكربون مئات السنين". يضيف: "لذا، إذا قللنا انبعاثات غاز الميثان الآن، فسوف نرى التأثيرات على درجة الحرارة بسرعة كبيرة".
ويعمل نحو 40 شخصاً في المشروع المذكور، يتوزّعون ما بين المزرعة والمختبر في جامعة كاليفورنيا في ديفيس (يو سي ديفيس)، ومعهد علم الجينوم المبتكر (آي جي آي) التابع لجامعة بيركلي الأميركية في كاليفورنيا. يُذكر أنّ جنيفر دودنا، المشاركة في تأسيس المختبر، كانت قد فازت بجائزة نوبل في الكيمياء عن اختراع مقصّ "كريسبر" الجزيئي الذي يسمح بتعديل الجينات.
ميكروبات "اجتماعية"
ويُستخدم الأنبوب الذي يُدخل في العجل "ثينغ 1" لضخّ السوائل من كرش الحيوان، وهو الجزء الأوّل من الجهاز الهضمي لدى الحيوانات المجترّة ويحتوي على طعام مهضوم جزئياً. ويتيح تحليل العيّنات فهم الكائنات الحيّة الدقيقة في الأبقار بطريقة أفضل، خصوصاً الميكروبات الموجودة في الكرش والتي تحوّل الهيدروجين إلى ميثان. وبما أنّ الغاز لا يُهضَم، فإنّ البقرة تتجشأ في المتوسط 100 كيلوغرام من الميثان سنوياً.
ويُصار إلى تغذية "ثينغ 1" وشقيقه "ثينغ 2" والعجول الأخرى بالطحالب جزئياً، الأمر الذي يعيق هذه العملية وبالتالي يقلّل من انبعاثات غاز الميثان. ويأمل العلماء تكرار هذا السيناريو من خلال إدخال ميكروبات معدّلة وراثياً من شأنها أن تستنزف الهيدروجين، وبالتالي تحرم مولّدات الميثان من مواردها. لكنّهم يشعرون بالقلق من الآثار الجانبية المرتبطة بالتكيّف وإعادة التشكيل غير المتوقعة.
على سبيل المثال، "إذا أوقفنا عملية توليد الميثان، فمن الممكن أن يتراكم الهيدروجين إلى حدّ قتل الحيوان"، بحسب ما يوضح ماتياس هيس الذي يشرف على المختبر المجاور. ويقول أستاذ علم الأحياء الدقيقة ممازحاً إنّ "الميكروبات اجتماعية جداً (...) إذ إنّ حياتها متشابكة تماماً وتؤثّر تفاعلاتها على النظام البيئي ككلّ".
ويختبر طلابه صيغاً مختلفة في مفاعلات حيوية، وهي خزّانات تعيد إنتاج ظروف حياة الكائنات الحيّة الدقيقة في معدّة الحيوانات المجترّة، والتحركات عند مختلف درجات الحرارة.
أبقار أكثر إنتاجية وأقلّ توليداً لغاز الميثان
من جهتهم، يسعى علماء معهد علم الجينوم المبتكر (آي جي آي) إلى تحديد الميكروب الصحيح، أي الميكروب الذي يأملون تعديله وراثياً ليحلّ محل مولّدات الميثان. وسوف يُصار بعد ذلك إلى اختبار الكائنات الحيّة الدقيقة المعدّلة في المختبر وفي الجسم الحيّ في جامعة كاليفورنيا في ديفيس.
ويقول كيبرياب: "نحن لا نحاول فقط التقليل من انبعاثات غاز الميثان". ففي السيناريو الأمثل، سوف تنتج البكتيريا المحسّنة مزيداً من الأحماض الدهنية، وسوف تحتاج الأبقار إلى طعام أقلّ. يضيف أنّ "الهيدروجين والميثان مصدران للطاقة، وإذا تمكنّا من إعادة توجيههما لاستخدامهما من البقرة، فسوف يكون هذا الحيوان أقلّ تلويثاً وأكثر إنتاجية كذلك".
ويبقى بعد ذلك تطوير حبّة أو حقنة لمرّة واحدة فقط في بداية الحياة، لأنّ الغالبية العظمى من المواشي تعيش في المراعي، الأمر الذي يعني أنّ من المستحيل إعطاؤها الطحالب أو الأدوية يومياً.
ولدى الفرق الثلاثة العاملة على المشروع 70 مليون دولار أميركي وسبع سنوات لتحقيق أهدافها. ويوضح كيبرياب أنّه "مشروع ذو إمكانات كبيرة، ومن الممكن أن يفشل لأسباب عدّة، لكنّه فريد حقاً وما من آخرين يعملون على هذا الموضوع".
يُذكر أنّ كيبرياب عمل سنوات على طرق أخرى لجعل مزارع الماشية أكثر إنتاجية واستدامة، وهو يتجاهل الدعوات التي تُطلَق من أجل الحدّ من استهلاك اللحوم لإنقاذ الكوكب. ويلفت إلى أنّ "هذا الأمر ممكن في الولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا" بالنسبة إلى البالغين الأصحاء فحسب. ويتابع أستاذ علم الحيوان: "لكنّني أعمل كثيراً في البلدان الأقلّ نموّاً"، في إشارة إلى إندونيسيا خصوصاً، فهناك ترغب الحكومة في زيادة إنتاج الحليب واللحوم لأنّ "20% من الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من توقّف النموّ". ويؤكد: "لن نطلب منهم عدم تناول اللحوم!".
(فرانس برس)