استمع إلى الملخص
- القطاع الصحي كان من أبرز المتضررين، حيث توقفت منظمات مثل "أكتد" و"شفق" و"تكافل" عن العمل، مما أدى إلى فقدان الدعم الطبي لمستشفيات ومراكز صحية واحتجاجات في القطاع.
- إيقاف الدعم الأميركي أثر سلباً على الاستقرار المعيشي والاقتصادي، حيث تراجعت القدرة على دفع تكاليف التعليم الخاص وتفاقمت الأوضاع المعيشية مع تراجع الدعم الغذائي.
تزايد الاعتماد في سورية خلال السنوات الماضية على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية، ومن بينها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، والتي كان لها دور محوري في دعم العديد من القطاعات الحيوية، مثل الصحة والتعليم والإغاثة.
وعطل قرار وقف تمويل الوكالة من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب العديد من المشاريع التنموية والمجتمعية التي كانت تنفذها منظمات شريكة للوكالة، على رأسها برامج المساعدات الغذائية، كما تعطل عدد من مشاريع توفير سبل العيش، ما زاد معاناة السكان الذين يعانون أصلاً من ظروف إنسانية معقدة. ولم يقتصر تأثير قرار إغلاق الوكالة الأميركية على الجوانب المعيشية، بل امتد ليشمل الاستقرار المجتمعي، ومن ضمنه خسارة كثيرين وظائفهم، في ظل غياب البدائل لتعويض هذا الدعم الحيوي.
من شمال غربي سورية، يقول محمد جلول، وهو أحد الموظفين المتضررين، لـ"العربي الجديد"، إنه بعد قرار وقف الدعم والمنح الأميركية، وتحديداً من الوكالة الأميركية للتنمية، توقف عمل العديد من المنظمات، من بينها "أكتد" و"شفق" و"تكافل"، و"People in Need"، والجمعية الطبية السورية الأميركية "سامز"، والتي كانت تدعم مشفى باب الهوى وعدة مشاف ميدانية ومستوصفات ومراكز صحية.
القطاع الصحي السوري أبرز المتضررين من توقف الدعم الأميركي
يضيف جلول لـ"العربي الجديد": "كل من كان يحصل على دعم من هذه المراكز أو الجهات المانحة تم إيقافه فجأة من دون سابق إنذار، كما أن عقود العاملين أوقفت بشكل مفاجئ، رغم أنها كانت مبرمة حتى شهر يونيو/حزيران، أو حتى نهاية العام، يتضرر مئات الموظفين، لا سيما أولئك الذين يعيلون عائلات، والذين وجدوا أنفسهم من دون مصدر رزق. حالياً، لا يوجد دعم، وكل شيء متوقف".
ويوضح جلول: "شهدت المنطقة عدة احتجاجات، أبرزها احتجاج العاملين في مشفى باب الهوى والقطاع الصحي عموماً، فالدعم الطبي من بين الأكثر أهمية. خرجنا من مرحلة الحرب، وكنا في طور التعافي، وكان من المفترض أن يكون هناك مشاريع لدعم الاستقرار. لكن فجأة، توقف كل شيء. كنا نأمل دعم مشاريع توفير سبل العيش، سواء المشاريع الصغيرة أو الكبيرة، لكن توقف الدعم بالكامل أثر على الجميع، خصوصاً الإداريين والفنيين والعاملين في البرامج".
وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تقدم دعماً لمشاريع متعددة في سورية، بما يشمل قطاعات المياه والصرف الصحي وتطوير محطات ضخ المياه، لا سيما في مخيمات النزوح في محافظة إدلب، إضافة إلى دعم القطاع الزراعي، ما ساهم في تعزيز الأمن الغذائي، فضلاً عن دعم قطاعات التعليم والصحة، وساهمت في تحسين سبل العيش وتعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى دعم برامج التعافي المبكر من خلال تعزيز القدرات الإنتاجية المحلية.
تعمل السورية عائشة معرتماوي في إحدى المنظمات الإنسانية في منطقة إعزاز بريف حلب الشمالي، وتؤكد لـ"العربي الجديد" أن "سورية كلها تعاني، والأمر ليس محصوراً بالشمال، بل يشمل البلاد بأكملها. لكن الأوضاع أخطر في مناطق الشمال السوري، والتي باتت في أزمة إنسانية أكبر. نعيش ظروفاً معيشية صعبة، فالأجور منخفضة، ولا تتناسب مع تكاليف الحياة، والعديد من العاملين في المنظمات والجمعيات خسروا أعمالهم بعدما توقفت مشاريعهم، ما أدى إلى زيادة عدد العاطلين من العمل، والكثير منهم يحملون شهادات علمية".
تضيف معرتماوي أن "قرار إيقاف الدعم عن المشاريع يهدد عدداً كبيراً من الأشخاص بفقدان مصدر دخلهم الوحيد، وقد جرى تنفيذه فوراً، ما أدى إلى ارتباك خطط الكثير من الناس، وهم حالياً ينتظرون الفرج. بعض القطاعات ستتضرر بشدة، وعلى رأسها القطاع الصحي، وقطاع التعليم، فالقطاعان يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، والعديد من المشافي معرضة للتوقف بسبب قلة الدعم رغم أنها تخدم فئات واسعة من الناس الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المشافي الخاصة، إذ كانت تقدم لهم الرعاية الطبية المجانية، أو بأسعار رمزية".
تتابع: "القطاع التعليمي أيضاً في ورطة، فإذا أغلقت المدارس، فإن المعلمين سيجدون أنفسهم عاطلين من العمل، وستكون كارثة حقيقية بالنسبة للتلاميذ. لم يعد الشمال يمثل فقط سورية المصغرة، بل أصبحت الأزمة تطاول كل سورية. في حين كان يجب أن يزيد الدعم، نجده يتناقص أكثر فأكثر، رغم أن الحاجة إليه أصبحت أكبر من أي وقت مضى".
بدورها، تؤكد راما القربي، من منظمة "بيبول إن نيد"، لـ"العربي الجديد" أن إيقاف الدعم الأميركي يؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة في سورية، سواء الاجتماعية أو الثقافية، كما يؤثر على الاستقرار المعيشي، وحتى على الأسواق وحركة التجارة. تضيف القربي أنه "عندما تكون هناك مؤسسات تدفع بالدولار، فإن ذلك ينعش الاقتصاد المحلي، ويزداد حجم المشتريات والمبيعات. وقف الدعم يوقف عجلة الاقتصاد في العديد من المدن مثل إعزاز والباب، ويؤثر على جميع السكان. من الناحية التعليمية، يؤدي ذلك إلى تراجع القدرة على دفع تكاليف التعليم الخاص، ما يدفع العديد من العائلات إلى اللجوء إلى المدارس العامة، والتي تعاني من الاكتظاظ ونقص الموارد".
وتوضح: "من الناحية الطبية، جاء القرار في وقت حساس، فما زلنا نعيش تداعيات الحرب، وهناك العديد من الجرحى وذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى رعاية صحية مستمرة، ومع توقف الدعم، أصبحوا بلا أي مصدر دخل للعلاج، ولا تتوفر لهم الخدمات الطبية المجانية، حتى أن الدعم الغذائي والقسائم المعيشية تأثرت، ما يجعل أوضاع الأهالي أكثر صعوبة. أصبح الكثير من الناس لا يملكون القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية، سواء الصحية أو الغذائية أو التعليمية، وهذا وضع كارثي بكل المقاييس".