استمع إلى الملخص
- توقف العديد من المشاريع الحيوية مثل تأهيل شبكة الصرف الصحي وإنشاء محطة طاقة شمسية، مما أثر على قطاعات الزراعة والبيئة والتعليم، وأدى إلى فقدان وظائف وقطع التمويل عن برامج تدعم آلاف المستفيدين.
- قدمت الوكالة منذ عام 2000 نحو 10 آلاف منحة دراسية، وقرار وقف التمويل يهدد مستقبل الطلاب الذين يعتمدون على هذه المنح، مما يثير قلق الأهالي بشأن تكاليف التعليم.
تتكشف في لبنان بوادر أزمة جديدة تطاول شرائح عديدة، بعد قرار الرئيس دونالد ترامب إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID"، والذي يؤثر على جميع موظفي الوكالة في لبنان، إضافة إلى عدد كبير من المؤسسات الحكومية والشركات والجمعيات الأهلية، والمبادرات المموّلة من قبل الوكالة، والطلاب المستفيدين من منحها الجامعية السنوية.
وفور دخول قرار ترامب حيز التنفيذ، توقف الموقع الإلكتروني للوكالة عن العمل، واكتفى بصفحة واحدة تفيد بأنه "سيتم وضع جميع الموظفين حول العالم، باستثناء عدد محدود، في إجازة إدارية اعتباراً من 7 فبراير/ شباط"، في حين كان الامتناع عن الحديث إلى وسائل الإعلام هو الرد المتكرر على لسان موظفي الوكالة، وحتى غالبية العاملين لدى الشركات والجمعيات المستفيدة من مشاريعها وبرامجها.
يقول أحد مسؤولي جمعية مموّلة من الوكالة الأميركية، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "لا يمكننا الحديث نظراً لحساسية الموقف بعد القرار المفاجئ الذي سيدفعنا نحو مصير مجهول".
من جانبه، يأسف أحد الأعضاء في مجلس بلدية بشعلة (شمالي لبنان) للقرار الأميركي المفاجئ الذي يضع البلديات ضمن الفئات الأكثر تضرراً، ويقول في اتصال مع "العربي الجديد": "توقف العمل بمشروع حيوي بدأناه قبل نحو عامين، لتأهيل شبكة الصرف الصحي، وإنشاء محطة طاقة شمسية لتكرير مياه الصرف الصحي بمبلغ تصل قيمته إلى نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار أميركي. نعيش حالياً حالة ضياع، ولا نعرف ما هو الحل للحفاظ على السلامة العامة، خاصة أن الطرقات محفورة والأعمال غير منجزة، وقد اكتفى العمّال بطمر الشوارع المحفورة بين المنازل لتفادي الأضرار".
يتابع عضو المجلس البلدي: "كان المشروع في مراحله النهائية، ومن المفترض إتمامه في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لكننا لا نستطيع استكماله بسبب قرار الرئيس ترامب. لم يخطر في بالنا يوماً أن تتوقف مشاريع الوكالة الأميركية، خاصة المشاريع قيد الإنجاز، وكلنا أمل أن نعرف مصير المشروع بعد انتهاء المهلة التي حددها ترامب لمراجعة المساعدات الأميركية الخارجية. كل الجهات المستفيدة من الوكالة تعيش حالة تخبط، حتى إنّ موظفي الوكالة في لبنان فوجئوا بالقرار، وهم بدورهم يجهلون مصيرهم".
بدوره، يوضح مصدر من إحدى المؤسسات المرتبطة بمشاريع ممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن "أحد المشاريع الضخمة توقف مؤخراً، وهو يضم عدداً كبيراً من البلديات واتحادات البلديات. التداعيات تطاول العديد من القطاعات، وتلحق الضرر بمئات الآلاف من المستفيدين في القطاعات الزراعية والبيئية والتربوية والقطاعين الإنمائي والصناعي، فضلاً عن خسارة العديد من الموظفين لوظائفهم".
ويكشف رئيس إحدى الجمعيات المحلية في منطقة البقاع الغربي، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن "الوكالة الأميركية كانت تنفذ مشاريع وبرامج عديدة بميزانيات تفوق المليار دولار سنويّاً، تتنوع بين هبات عينية وتمويل منح دراسية وجامعية وغيرها. توقف التمويل يقطع آمال المستفيدين من هذه البرامج، ولعلّ الطلاب من بين أكثر الفئات تضرراً".
وبحسب الموقع الإلكتروني للسفارة الأميركية في لبنان، فإن الوكالة قدمت نحو 10 آلاف منحة دراسية منذ عام 2000، كما استفاد قرابة 87 ألف طالب من برامج إعادة تأهيل المدارس. ووفق حسابها على موقع "فيسبوك"، فقد بدأت الوكالة في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، مشروعاً جديداً يمتد على خمس سنوات بقيمة عشرة ملايين دولار أميركي، يهدف إلى "تمكين الأنظمة المحلية بالزراعة في لبنان"، ويشمل توفير خدمات تطوير الأعمال، بما في ذلك المعدات والمساعدة الفنية لما لا يقل عن 50 شركة صغيرة ومتوسطة، وفتح أسواق جديدة لأكثر من 270 شركة صغيرة ومتوسطة، وتحسين الظروف المعيشية لأكثر من 3,300 أسرة ريفية.
وفي نهاية عام 2024، أعلنت مديرة الوكالة في لبنان، جولي ساوثفيلد، أن "الرحلة مع شعب لبنان لم تنته بعد، وما زال أمامنا الكثير في عام 2025. مع استمرار التضامن والشراكة الأميركية، سيستمر صمود لبنان، وتواصل USAID التزامها بالوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في مساعيه لإعادة بناء وطنه، واستعادة أحلامه، والتطلع نحو مستقبل مليء بالأمل المتجدد".
وفي 24 يناير الماضي، كشفت الوكالة عن استفادة 16,396 طالباً من عشر جامعات لبنانية من برامج الاستعداد الوظيفي التي تقدمها في إطار برنامج تنمية قدرات التعليم العالي، كما قامت الوكالة بإعادة تأهيل محطة "رشميا" للطاقة الكهرومائية لتوفير 8 ساعات من الكهرباء يومياً لـ 23 ألف شخص في 17 قرية بمحافظة جبل لبنان، وموّلت المبادرة الطارئة لمشروع DAWERR في منطقة بيروت الكبرى، لدعم المطابخ التي تقدم الوجبات الساخنة للنازحين والمجتمعات المتضررة من الحرب الإسرائيلية، فضلاً عن المساعدة في جمع النفايات العضوية ومعالجتها، بهدف تعزيز الاستدامة البيئية.
وعبر وسم #أنقذوا_مستقبلنا ووسم #أزمة_طلاب_المنحة، تكررت تساؤلات الطلاب المستفيدين من برنامج منح التعليم العالي الذي تقدمه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سواء بالجامعة الأميركية في بيروت أو الجامعة اللبنانية الأميركية، إذ تشمل المنحة قسط الجامعة، ونفقات السكن أو المواصلات، والكتب، والتأمين الطبي، والمصروف الشهري.
ويبدي والد أحد الطلاب المستفيدين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، استغرابه من قرار ترامب المفاجئ، قائلاً: "كنا نعتمد على المنحة الجامعية، غير أنهم قطعوا التمويل فجأة، ما من شأنه أن يحدث أزمة كبيرة، فالأهالي لا يملكون دفع الأقساط الباهظة لمواصلة تعليم أولادهم، مع العلم أن كل طالب حصل على المنحة سبق أن تقدم بملف كامل يشرح فيه تفاصيل وضعه وظروفه الاجتماعية، فكيف يمكن أن يواصل تعليمه بعد وقف التمويل؟".
يتابع: "طمأنتنا الجامعة بأنها ستتكفل بمتابعة تعليم طلاب السنة الأخيرة، كونهم يشارفون على التخرج، لكن ما مصير بقية الطلاب، وماذا سيحلّ بمستقبلهم؟ شخصياً، لا يكفي راتبي التقاعدي لتغطية النفقات، كما أن فرص توظيفي شبه معدومة في بلد يكافح شعبه لتلبية الاحتياجات الأساسية. قطع تمويل الوكالة الأميركية للتنمية يشمل قطاعات حيوية، ويؤثر على فئات متنوعة".