استمع إلى الملخص
- القرار يهدد بتوقف مشاريع حيوية مثل الإصلاح الإداري ودعم الحوكمة، مما يضعف قدرة المؤسسات على تقديم الخدمات ويزيد من هشاشة الفئات الضعيفة.
- تعويض التمويل المفقود صعب، مما يخلق ثغرات تمويلية تحتاج إلى معالجة عاجلة لتفادي إلغاء المشاريع بشكل نهائي.
يطاول قرار الرئيس دونالد ترامب، إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، برامج عدد من المؤسسات الحكومية التونسية وبرامج العديد من منظمات المجتمع المدني، كما يطاول تونسيين استفادوا منذ عام 2011 من برامج التعاون والتمويل التي وفّرتها الوكالة التي كانت تدعم مسار التحول الديمقراطي والاقتصادي في البلاد.
وقدمت الوكالة الأميركية المساعدة الفنية والتقنية للمؤسسات الحكومية التونسية من أجل تطوير أدائها، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، كما استفادت المجتمعات المحلية في المحافظات من برامج شراكة لدعم المبادرات، وخلق فرص العمل، وتطوير مشاريع في مجالات البيئة والطاقة.
وبحسب بيانات رسمية نشرتها الوكالة، فقد قدمت منذ عام 2011، أكثر من 350 مليون دولار لدعم النمو الاقتصادي وترسيخ النظام الديمقراطي في تونس، وساعدت في خلق آلاف الوظائف من خلال تقديم المساعدة المتخصصة لشركات تونسية.
ويقول الخبير في التنمية الدولية، جهاد الحاج سالم لـ"العربي الجديد"، إن "الوكالة الأميركية للتنمية كانت شريكاً هاماً للمؤسسات الحكومية التونسية، كما كانت أكبر داعمي المجتمع المدني خلال السنوات الماضية، ما مكّن من تطوير العديد من البرامج في مجالات الانتقال الطاقي، والترويج لتونس كوجهة سياحية، وتحسين قدرات المنظمات الأهلية على مساعدة المجتمعات المحلية، وقد ساعدت أيضاً في تصميم مشاريع مهمة لدعم اللامركزية، وهي مشاريع خلقت وظائف كثيرة أصبحت مهددة بقرار إغلاقها ووقف تمويلاتها".
ويضيف الحاج سالم: "العديد من دول العالم راجعت خلال السنوات الأخيرة برامج التعاون الدولي، غير أن هذه المراجعات لم تكن لها تأثيرات كبيرة على تلك البرامج مقارنة بقرار إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية، ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار المفاجئ إلى مزيد من تهميش الفئات الهشة والضعيفة، فضلاً عن خسارة الآلاف حول العالم مصادر رزقهم".
يتابع: "تونس معنية بالخسائر الناتجة عن إغلاق الوكالة باعتبارها شريكاً مهماً للمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، غير أن هذه الخسائر قد تكون أقل مما ستخسره دول ومجتمعات تعوّل بشكل كبير على المساعدات الأميركية في مجالات مثل تعزيز الصحة ومكافحة الأوبئة. إغلاق الوكالة سيخلف هشاشة كبيرة في الأوساط الفقيرة، وبين فئة المهاجرين، وهو يكشف عن توجه عالمي لتعميق الفقر والتهميش".
وبحسب الموقع الرسمي للوكالة الأميركية للتنمية، فقد قادت في تونس خلال السنوات الماضية مشاريع لتعزيز نقص الخدمات في المحافظات الداخلية، وأخرى لتعزيز روح المبادرة، والتدريب الوظيفي، كما قامت بدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي التونسي، من خلال إمداد وزارة المالية بالخبرات وتحليل السياسات، ويسّرت الحصول على التمويل من خلال الصندوق الأميركي التونسي لتمويل المؤسسات.
ويرجح الباحث في مركز الدراسات "مالكوم كرينغي"، حمزة المؤدب، أن يؤثر إغلاق الوكالة على مشاريع شراكة بينها وبين الحكومة التونسية في مجال الإصلاح الإداري ودعم قدرات الحوكمة. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "التأثيرات ستطاول أيضاً الكثير من العاملين في الوكالة، سواء التونسيين أو الأجانب، كما أن التجميد المفاجئ للمشاريع يطاول العاملين والمتعاقدين من شركات الاستشارات التي تتعاون مع الوكالة".
وإضافة إلى التعاون المباشر في تصميم المشاريع الحكومية ودعم المنظمات الأهلية، وفّرت الوكالة الأميركية للتنمية دعماً لمؤسسات التمويل الصغير لمساعدة رواد الأعمال على إنشاء مشاريع صغرى ومتوسطة، والاستثمار في الطاقة المتجددة، وتدوير النفايات وغيرها.
ويؤكد مدير برنامج التحولات الديمقراطية في مركز الكواكبي، أمين غالي، أنه "سيكون من الصعب تعويض المشاريع التي ستتوقف بسبب إغلاق الوكالة الأميركية المفاجئ، ما ينعكس سلباً على المؤسسات والأفراد في تونس". ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الوكالة أسست شراكات هامة مع المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، ما مكن من تطوير العديد من المشاريع التي باتت مهددة بالتوقف مع وقف التمويل".
يضيف غالي: "من الصعب توفير بدائل تمويلية سريعة للمشاريع التي ستتوقف بشكل مفاجئ، نظراً لعدم برمجة هذه النفقات ضمن الموازنة العامة للعام الجاري، وأرجح أن تضطر المؤسسات الحكومية إلى توفير تمويلات سريعة للمشاريع التي كانت تنفذ بالشراكة مع الوكالة الأميركية، خاصة تلك التي تهم الخدمات الحياتية، على غرار الماء والصحة. في حين أن العديد من المشاريع التي تنفذها منظمات أهلية ستتلاشى، كما ستكون هناك خسائر كبيرة على مستوى الوظائف".
يتابع: "أغلب مشاريع الشراكة الحكومية مع الوكالة الأميركية تنفذ وفق خطة تمويل تمتد على خمس سنوات، ما سيؤدي إلى ثغرات تمويلية ستحتاج السلطات التونسية إلى تعويضها على المدى القصير والمدى المتوسط، أو ستضطر إلى إلغاء تلك المشاريع بشكل نهائي".
ووفق أرقام وإحصائيات رسمية نشرتها الإدارة الأميركية في وقت سابق، وأشارت إليها مجدداً رسالة أعضاء الكونغرس الأخيرة إلى وزارة الخارجية الأميركية، فقد خصصت الولايات المتحدة منذ عام 2011 أكثر من 1.4 مليار دولار لدعم الانتقال الديمقراطي في تونس.
وكانت تونس تقف على رأس دول المغرب العربي التي تحظى بدعم عسكري أميركي، إذ بلغت المساعدات العسكرية الأميركية خلال عام 2016 نحو 20 مليون دولار، وكانت مخصصة لتعزيز قدرة البلاد في مواجهة الإرهاب، حسب ما أعلنت وزارة الدفاع التونسية. وفي عام 2019، وقّعت تونس مع الولايات المتحدة اتفاقية ثنائية للأهداف التنموية، تمتد على خمس سنوات، وتشمل توفير ما يصل إلى قرابة 335 مليون دولار من الدعم الإضافي المخصص لزيادة فرص العمل في القطاع الخاص.