استمع إلى الملخص
- تراجع دور الإعلام التقليدي في سورية مع اعتماد المنتصرين في الثورة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائلهم، مما أضعف الإعلام الرسمي وأدى إلى انتشار الشائعات والخوف.
- رغم أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها ساهمت في تعزيز التطرف والخطاب الطائفي، مما يهدد النسيج الاجتماعي ويشكل تحديًا لإعادة الاعتبار للإعلام التقليدي.
قبل أكثر من ثلاثة أشهر، قرّر أحد المؤثرين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي أن يدعو إلى وليمة في الجامع الأموي بدمشق أمام عدسات الكاميرات احتفاء بسقوط النظام، أتى للوليمة جمعٌ من الفقراء والمساكين، ومع الأسف انتهت الوليمة بمقتل عدد ممّن حضروا، نتيجة شدة التدافع وعدم التنظيم. وبدلاً من الفرح بالانتصار على النظام نامت دمشق حزينة ذلك اليوم، ونحن ندرك تماماً أنه لن ولم ينته الجوع في دمشق بوليمة أمام الكاميرات لكنه إغراء "اللايك" الذي لا يُقاوم.
مناسبة العودة إلى هذه الحادثة هي للتأكيد على حجم التأثير الذي بات يلعبه المؤثرون، ويمكن القول هنا إنهم ربما سحبوا البساط من تحت أقدام القادة السياسيين ورجال الدين والفنانين، لقد سرقوا أدوارهم حقاً، الرئيس الأميركي دونالد ترامب أدرك ذلك فاعتمد على بعضهم.
وفي حالتنا السورية، هناك كثيرٌ مما يُقال عن حضور "المؤثرين" الذي نما ووجد مكاناً له في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، لقد أُفسح المجال لأحدهم من الشبان الصغار أن يجلس على كرسي الرئاسة في قصر الشعب، فيما "مؤثر" آخر لعبَ دور الناطق الإعلامي بمقام الرئاسة وكل الوزارات تقريباً.
الوصول إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون عادة يكون الخطوة الأولى للمنتصرين في الثورات وفي الانقلابات، وذلك لإذاعة البيان رقم 1 وتعريف الجماهير بهويتهم وأهدافهم. لكن ما حصل في سورية يوم الثامن من ديسمبر/ كانون الأول ربما يكون المرّة الأولى في التاريخ الذي لم يحصل أن شعر فيه المنتصرون أنهم بحاجة ملحّة لهذا المبنى ولهذه الوسيلة الإعلامية، لقد استعاضوا عن ذلك بوسائل "السوشيال ميديا" والمؤثرين للعب هذا الدور. وإلى غاية هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر لا يزال المؤثرون حاضرين، فيما يحاول الإعلام التقليدي والرسمي أن يقف على قدميه.
كان مؤلماً حقاً لسوريين كثيرين، ومنهم الإعلاميون تحديداً، غياب جهاز إعلامي رسمي خبير ومؤسّساتي ورصين يواكب أهم حدث حصل في تاريخ سورية بعد الاستقلال، غياب مؤلم وغير مفهوم ترك السوريين فريسة للشائعات والخوف ولغباء المؤثرين ولوسائل إعلام لها أجنداتها الخاصة.
لكن ربما أخطر ما عشناه وعايشناه في الأشهر المنصرمة انجرار سوريين كثيرين، وليس المؤثرين وحدهم، لتمرير خطاب طائفي وتحريضي عبر "السوشيال ميديا"، وخاصة منها الخطابات التي تزامنت مع الأحداث الطائفية في بعض المناطق. لم يكترث إلا قلة لوحدة سورية المسكينة، لم ينتبه إلا قلة لكلمات ومصطلحات مثل الوطن وغيره. لقد لاحظنا جميعاً كيف كانت الطائفة تأتي أولاً، وكيف كان هدف حصد مزيد من " اللايكات" أهم بكثير عند بعضهم من الناس والوطن.
خطورة هذه الوسائل أنها مجانية، وأنها في متناول المليارات، والمادة المنشورة تمتلك قابلية الانتشار العنكبوتي، وتصل إلى الجميع في لحظات قليلة، وخاصة إذا ما حملت مضموناً صادماً أو فضائحياً، أو منتهكاً للخصوصية، وأحياناً لأجل ذلك تماماً.
كذلك، ورغم أهمية وسائل السوشيال ميديا اليوم، لا بد أن نعترف أيضا أنها عزّزت مناخات التطرّف والتشبيح الإلكتروني، وباتت منصة لكثيرين من أصحاب الأجندات الخاصة والأميين والجهلة والطائفيين والعنصريين وحتى الإرهابيين.
بات هؤلاء يستخدمونها ليمزقوا كل من لا يتفق معهم بالرأي، ويطالبوننا بأن نشاطرهم آراءهم العنفية والمتطرفة والفظة، أو ينشرون صوراً لا تحترم الذوق العام أو القيم العائلية والاجتماعية أو يرسلوها لنا عنوةً.
ذلك كله يجعل مهمة إعادة الاعتبار لوسائل الإعلام التقليدية صعبة للغاية، لكن في بلد له وضع خاص مثل سورية، ربما يجب أن تكون هذه المهمة أولوية الأولويات.