إضراب الأطباء يشل مستشفيات لبنان: "أفرجوا عن ودائعنا"

إضراب الأطباء يشل مستشفيات لبنان: "أفرجوا عن ودائعنا"

26 مايو 2022
من اعتصام اليوم أمام مصرف لبنان في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -

صرخة إنسانيّة هي تلك التي أطلقها أطباء لبنان وأصحاب المستشفيات الخاصة بالبلاد، اليوم الخميس، في وجه سياسات المصرف المركزي والإجراءات والقيود التي تمارسها المصارف اللبنانيّة بحقّ المودعين عموماً، والأطباء والعاملين في القطاع الصحي والمستشفيات خصوصاً. وإذ طالبوا بالإفراج عن أموالهم المحتجزة، ندّدوا بسقوف السحب الضيّقة، والتي تزعزع قدرتهم على الاستمرار والصمود وسط الأزمة الاقتصاديّة المستفحلة، وتنعكس بالتالي سلباً على صحة المواطنين ومسار عمل الأطباء والموظّفين وظروفهم المعيشيّة وعائلاتهم.

ونفّذ الأطباء وموظّفو المستشفيات إضراباً اليوم، كما اعتصموا بدعوة من نقابتَي أطباء لبنان في بيروت والشمال ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة أمام مصرف لبنان في بيروت، على أن يواصلوا احتجاجهم للغاية نفسها يوم غدٍ الجمعة. وكان عدد من المستشفيات قد أعلن إقفال أبوابه اليوم الخميس وغداً الجمعة (26 و27 مايو/ أيار 2022)، فتُغلق العيادات الخارجية وتتوقّف العمليات الجراحية وحالات الاستشفاء الباردة ليقتصر العمل فيها على الحالات الطارئة وعمليات غسل الكلى والعلاج الكيميائي.

الصورة
تحرك الأطباء وأصحاب المستشفيات الخاصة أمام مصرف لبنان 1 (حسين بيضون)
كان لا بدّ من التحرّك.. فالأمر لم يعد يُحتمَل (حسين بيضون)

"نريد البقاء في هذا البلد، لكن امنحونا أقلّها الحدّ الأدنى من العيش اللائق الكريم"، هكذا عبّر نقيب الأطباء في لبنان، شرف أبو شرف، عن حجم المعاناة. وقال لـ"العربي الجديد": "أموالنا في المصارف ولا يمكننا التصرّف بها إلا من ضمن حدود ضيّقة جدّاً، الأمر الذي يعيق قيامنا بواجباتنا تجاه عائلاتنا وعملنا وموظفينا، كما يعرقل قدرتنا على تسديد ثمن الأدوية اللازمة وإيجار العيادات، ناهيك عن أقساط المدارس والجامعات وغيرها".

وإذ أسف أبو شرف لهجرة "نحو ثلاثة آلاف طبيب، من بينهم أصحاب اختصاصات عالية، وثلاثة آلاف ممرّض وممرّضة"، ناشد المعنيّين "وضع حدّ للتدهور الحاصل والتعاطي مع المسألة بجديّة أكبر، وإلا فإنّ الأطباء جميعاً سوف يهاجرون ولن يكون في الإمكان عندها الحفاظ على صورة لبنان كمستشفى للشرق".

ولفت أبو شرف إلى أنّ "الحدّ الأقصى المسموح سحبه شهرياً من المصارف يتراوح ما بين أربعة وثمانية ملايين ليرة لبنانيّة (ما بين 115 و230 دولاراً أميركياً تقريباً وفق سعر صرف السوق الموازية اليوم) لكلّ مودع، وهو مبلغ لا قيمة له وسط الغلاء المعيشي"، مشدّداً على أنّ "المودعين خاسرون في كلّ الحالات، سواءً أكانت حساباتهم بالعملة الوطنية أو بالعملة الصعبة. كذلك فإنّهم يُحرمون من إمكانيّة إيداع الشيكات في حساباتهم إلا في حال اقتُطعت منها عمولة تقارب 40 في المائة، وكذلك الحال لدى استخدامهم البطاقة المصرفية". وأكّد بالتالي أنّ "الوضع مزرٍ جداً".

من جهته، وجّه نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، رسالة إلى الدولة، وعلى رأسها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وإلى مصرف لبنان والمصارف التجارية، مطالباً بـ"الإفراج عن حسابات المستشفيات، كي نتمكّن من شراء المستلزمات الطبية وغير الطبية، بالإضافة إلى دفع رواتب الموظّفين. إنّها مسألة حيويّة، فقد قطعوا الأوكسجين التجاري الذي يؤمّن استمراريّة عمل المستشفيات".

وقال هارون لـ"العربي الجديد": "عمليّاً أصبحت حساباتنا في المصارف بلا أيّ قيمة، إنّما مجرّد حبر على ورق. فمنذ أربعة أشهر، بدأت المصارف بتصعيد القيود والإجراءات الصارمة على السقف المحدّد للسحب شهرياً، فكان أن وصلنا اليوم إلى قطع السيولة النقدية عن المستشفيات 100 في المائة تقريباً". وتساءل: "كيف يمكن لمستشفى أن يواصل خدماته وتقديماته الصحية بمبلغ لا يتجاوز 15 مليون ليرة لبنانيّة شهرياً (نحو 430 دولاراً أميركياً بحسب سعر صرف السوق الموازية)، وهو المبلغ الذي تمنحه المصارف اليوم؟".

وإذ أكّد هارون أنّ "الموظّفين يقصدون المصارف ويعودون من دون الحصول على رواتبهم فنضطرّ إلى دفعها من جيوبنا"، أشار إلى أنّه لا يطلب "مقابلة أحدٍ من السياسيّين والمعنيّين، فقد سبق لوزير الصحة العامة فراس الأبيض أن حاول مع رئيس مجلس الوزراء وحاكم مصرف لبنان (رياض سلامة)، ولم يصل إلى أيّ نتيجة".

الصورة
تحرك الأطباء وأصحاب المستشفيات الخاصة أمام مصرف لبنان 3 (حسين بيضون)
قد تكون الهجرة هي الحلّ الأخير بالنسبة إلى هؤلاء (حسين بيضون)

وفي كلمة له ألقاها في خلال الاعتصام، قال نقيب أطباء لبنان في طرابلس سليم أبي صالح: "لقد طفح الكيل، لهذا اضطررنا، أطباء وممرّضين وعاملين صحيين وأصحاب مستشفيات، إلى الدعوة آسفين إلى هذا الاضراب وإلى هذه الوقفة الاحتجاجية، ليس في وجه أحبّائنا المرضى إنّما في وجه من أوصلنا إلى هذا المستوى من الانهيار المالي والاقتصادي، والذي أدّى إلى تعطيل القطاع الصحي وإلى تهجير الكوادر الطبية والتمريضية، كما سائر الشباب اللبناني. وإنّنا نقف اليوم في وجه طغمة مالية قابضة على السياسات النقدية والاقتصادية، طغمة متمثلة بجمعية أصحاب المصارف وحاكميّة مصرف لبنان".

أضاف أبي صالح في كلمته نفسها: "لقد اجتمعنا اليوم لنؤكّد رفضنا مصادرة ودائعنا النقابية والشخصية بأيّ شكل من الأشكال، سواءً أكان بتأجيل استحقاقها أو تقسيطها على فترة طويلة أو شطب أيّ نسبة منها أو دفعها بطريقة تؤدّي إلى خسارة قيمتها الحقيقية. لقد اجتمعنا اليوم لنؤكّد رفضنا لخطة تحويل مدّخراتنا إلى أسهم في مصارف مفلسة، مطالبين بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحديد المسؤوليات أوّلاً ثمّ البحث في الحلول ثانياً". وتابع: "لقد اجتمعنا اليوم لنؤكّد رفضنا لمشاريع قوانين تبرّئ ذمّة المسؤولين عن هذا الإفلاس، مطالبين بإرساء قاعدة المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وتوزيع عادل للخسائر بما يحفظ حقوق العاملين الكادحين ومدّخراتهم الناتجة عن كدّهم وجهدهم ومن ضمنهم العاملين في القطاع الصحي".

في سياق متصل، قالت وزارة الصحة اللبنانية إن "الظرف المالي الصعب الذي ينعكس بحدّة على عمل المستشفيات والأطباء، شكّل محور اجتماعات متتالية عقدها وزير الصحة العامة في الفترة الأخيرة مع المسؤولين المعنيّين في مصرف لبنان، بالتنسيق والتشاور مع نقابتَي الأطباء والمستشفيات بهدف إيجاد حلولٍ ماليّة تعزّز قدرة  القطاع الطبي والاستشفائي على الصمود، إلا أنّ هذه الجهود لم تأتِ بالنتيجة المرجوّة".

وأسفت الوزارة، في بيان صدر عن مكتبها الإعلامي، لـ"عدم إيجاد حلولٍ للضغوط الماليّة التي دفعت القطاع الطبي والاستشفائي لاتّخاذ قرارٍ بالإضراب على مدى يومَين، وهي تتفهّم أسباب التحرّك الاحتجاجي لتسليط الضوء على أحقيّة المطالب، إلا أنّها تشدّد وتحرص في الوقت نفسه على ضرورة عدم تأثير هذا التحرّك على الخدمات الطبية الواجب تقديمها باستمراريّة، ومن دون انقطاعٍ للمرضى". وناشدت الوزارة إن "المسؤولين المعنيّين في القطاعَين المالي والمصرفي إيجاد الحلول الممكنة في أسرع وقتٍ ممكن، لأنّ ارتباط ديمومة العمل في القطاع الطبي والاستشفائي بالخدمة الواجبة للمرضى، لا يحتمل التأجيل وانتظار التسويات والحلول الكبرى".

المساهمون