إشكالات متعددة تعوق علاج مرضى السرطان في المغرب

27 فبراير 2025
يواجه مرضى السرطان في المغرب إشكاليات كثيرة، 12 إبريل 2020 (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه فاطمة الزهراء السلامي، مثل العديد من مرضى السرطان في المغرب، صعوبات في الحصول على العلاج بسبب ارتفاع تكاليفه وانقطاع التغطية الصحية، مما يبرز الحاجة لتحسين النظام الصحي وضمان استمراريته.
- يعاني نظام "AMO تضامن" من مشكلات تؤدي إلى انقطاع التغطية الصحية، مما يضع المرضى في مواقف صعبة، وتطالب الجمعيات بإجراءات لضمان وصول العلاج للجميع.
- رغم التقدم في مكافحة السرطان، تقترح الشبكة المغربية تحسين الوصول للعلاج ودعم البحوث، ورغم رفض الحكومة إنشاء "صندوق مكافحة السرطان"، هناك جهود لتعويض ذلك.

تتلقى المغربية فاطمة الزهراء السلامي علاجها الخاص بالسرطان في مصحة بالعاصمة الرباط، وتؤكد أن "العلاج مؤلم، ويجعلني أشعر بتعب شديد، لكن ما يزيد ألمي هو غلاء العلاج". هذا الحال ينطبق على آلاف مرضى المغرب الذين يجتازون رحلة عذاب منذ لحظة تشخيصهم بالداء الخبيث وبدء العلاج.
بجسد أنهكه العلاج الكيميائي، تجلس السلامي (49 سنة) على أريكة في بهو المصحة الخاصة في انتظار أن تنتهي شقيقتها من دفع فاتورة العلاج التي أرهقت كاهل أسرتها منذ ان انقطعت إفادتها من التغطية الصحية بسبب تأخرها في أداء واجبات الاشتراك بعدما فقدت عملها في إحدى الشركات الخاصة. تقول لـ"العربي الجديد": "وجدت نفسي لأسابيع من دون علاج بسبب عدم قدرتي على دفع واجبات اشتراك التغطية الصحية، واضطررت إلى بيع أثاث بيتي للحصول على بعض حصص العلاج".
تضيف: "لولا أن أفراداً في أسرتي ومحسنين تضامنوا معي لما استطعت متابعة العلاج وشراء أدوية يصل سعرها إلى نحو 15 ألف درهم. تعتمد حياتي على توفير العلاج بسرعة، لكن قصر ذات اليد وعدم إفادتي من التغطية الصحية يهددها".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويعد نظام "AMO  تضامن" أحد الركائز الأساسية لضمان الحق في الصحة للفئات الهشة، لكن إشكاليات إدارية وتنظيمية تقوّض فعّاليته.
وفي جلسة برلمانية عقدت الأسبوع الماضي بحضور وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي، قال النائب حسين أيت أولحيان: "يعاني العديد من المستفيدين من نظام التضامن من انقطاع مفاجئ في التغطية الصحية من دون سابق إنذار بسبب التأخر في دفع واجبات الاشتراك، كما تواجه فئات معفاة من هذه الواجبات معاناة مماثلة، إذ يتطلب النظام تنشيطاً دورياً كل ثلاثة أشهر لمنع انقطاع الخدمات الصحية. تلحق هذه الإشكاليات أضراراً كبيرة بالمستفيدين، خصوصاً حين يوجدون في مصحات تطالبهم إداراتها بتسديد الفواتير، وهو أمر يتعذر على كثيرين بسبب أوضاعهم المادية. أيضاً أصبحت عملية استرجاع المبالغ المدفوعة شبه مستحيلة في ظل غياب آليات واضحة لمعالجة المشكلات".
بدورها، ترى رئيسة جمعية "محاربات ومحاربو السرطان" أسماء أمشمير أنه "رغم كون التغطية الصحية الإجبارية في صالح المرضى، لكن تطبيقها يجعل العديد من مسؤولي المصحات والأطباء يرفضون التكفل بملفات مرضى السرطان". وتضيف لـ"العربي الجديد": "تُثقل التكاليف الهائلة التي تتطلبها العلاجات من أدوية وفحوص بالأشعة والتحاليل كاهل مرضى السرطان، وتشكل عائقاً كبيراً حتى بالنسبة إلى المرضى من العائلات الميسورة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات سريعة لضمان وصول العلاج إلى كل المرضى، وننبه إلى النقص الكبير في الأدوية على مستوى دول العالم، وبينها المغرب الذي يعتمد على استيراد الأدوية من الخارج".
وتوضح أمشمير أن "بعض المرضى يواجهون صعوبات في الحصول على الأدوية الضرورية بسبب أسعارها الباهظة، حتى إذا كانت متاحة. وتوزيع مراكز العلاج بشكل غير عادل يشكل تحدياً إضافياً بالنسبة إليهم، حيث يقتصر التركيز على المدن الكبرى في حين تعاني مراكز في مناطق أخرى من نقص حاد رغم وجود أعداد كبيرة من المرضى".

يتضامن أفراد الأسرة ومحسنون في توفير العلاج، 20 مارس 2020 (جلال مرشدي/ الأناضول)
يتضامن أفراد الأسرة ومحسنون في توفير العلاج، 20 مارس 2020 (جلال مرشدي/ الأناضول)

ويعد السرطان ثاني أكثر أسباب الوفاة في المغرب بنسبة 13.4% بعد أمراض القلب والشرايين، ويسجل المغرب نحو 40 ألف حالة جديدة سنوياً بمعدل 137.3 حالة لكل 100 ألف نسمة، وفق الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة غير الحكومية.
ويحتل سرطان الثدي المرتبة الأولى بين النساء بنسبة 36%، ويأتي بعده سرطان عنق الرحم بنسبة 11%. أما سرطان الرئة فيتقدم أنواع السرطان لدى الرجال بنسبة 22%، ثم سرطان البروستاتا بنسبة 12.6%، بحسب تقرير أصدرته الشبكة المغربية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السرطان.
ويعزو الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية الطيب حمضي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أسباب ارتفاع أرقام الإصابة بمرض السرطان إلى تزايد النمو الديمغرافي، وسهولة الوصول المتزايد إلى فحوصات كشف السرطان وتشخيصه منذ اعتماد الخطة الوطنية لمكافحة السرطان، إضافة إلى شيخوخة السكان، وزيادة الوزن، والنظام الغذائي غير المتوازن، فضلاً عن التدخين والكحول وبعض الأمراض المعدية.
وحقق المغرب في السنوات الأخيرة، بحسب مراقبين، تقدماً ملحوظ في مجال مكافحة داء السرطان، بفضل مركز ''للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان" الذي بذل جهوداً في المجال وساعد مرضى على تحسين ظروف عيشهم بعدما جعل مكافحة السرطان من أولويات الصحة العامة. كما عرفت عمليات مكافحة الداء تطوراً بفضل منح مرضى ذوي دخل محدود فرصة الحصول على علاجات من خلال برنامج خاص. ويجرى التكفل بأكثر من 200 ألف مريض سنوياً، وتستفيد أكثر من مليون و600 ألف امرأة من خدمات كشف سرطان الثدي. لكن التقدم الذي حصل على صعيد التكفل بمرضى السرطان والإنجازات الكبيرة التي تحققت لا يمنع واقع أن التحديات تتطلب تعاوناً أكبر بين الأفراد ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني، بحسب ما تقول الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة التي تقترح تحسين الوصول إلى العلاج عبر ضمان توفيره لجميع الفئات الاجتماعية، خاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود، ودعم مشاريع البحوث الخاصة بتحسين استراتيجيات الوقاية والعلاج، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية لتبادل الخبرات والموارد وإرساء تعاون وتضامن مع الدول الأفريقية.
وكانت الحكومة المغربية رفضت في سبتمبر/ أيلول 2020 طلب إنشاء حساب خاص باسم "صندوق مكافحة السرطان"، الذي تضمنته "عريضة الحياة" التي وقعها أكثر من 40 ألف مغربي تفاعلوا مع نداء أطلقه عدد من المصابين على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال وسم "مابغيناش نموتو بالسرطان" (لا نريد أن نموت بالسرطان).

واعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني أن مطلب إنشاء الصندوق يواجه معوقات حكومية، وأعلن التعويض من خلال مخصصات لدعم المرضى واتخاذ إجراءات من بينها إنشاء لجنة وطنية للسرطان، وإطلاق مخطط وطني للوقاية من السرطان، والعمل لتحويل المعهد الوطني للأنكولوجيا (علم الأورام) إلى مؤسسة عامة تتمتع باستقلال مالي وإداري كي تكون مرجعاً وطنياً للوقاية من السرطان، لكن هذه الالتزامات لم تطبق.

المساهمون