إبعاد الوافدين في الكويت

إبعاد الوافدين في الكويت

21 اغسطس 2021
الشرطة ترصد أدنى مخالفات للوافدين (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

في منتصف عام 2019، تسبب قرار اتخذه أحمد مصطفى، وهو وافد مصري يعمل مديراً للتسويق في شركة عقارية، بعبور شارة مرور حمراء لدى قيادته سيارته برفقة صديق في الكويت، في خسارته وظيفته وإبعاده عن البلاد تنفيذاً لقانون الإبعاد الإداري الذي يسمح بترحيل رجال الشرطة وأفراد تابعين لوزارة الداخلية من يعتبرونه خطراً على البلاد، من دون مراجعة القضاء أو أية لجنة قانونية تحسم الموضوع. ونفذ قرار ترحيل مصطفى خلال 48 ساعة من ارتكابه المخالفة لدى وجود دورية للشرطة في موقع شارة المرور، والتي ضبطت مخالفته، وأنجزت فوراً إجراءات ترحيله إلى مطار القاهرة الدولي. 
يقول مصطفى "للعربي الجديد": "أدرك أنني ارتكبت مخالفة مرور كبيرة قد تتسبب في إصابة مارة أو تلحق أضراراً بسيارات، لكن العقوبة كانت قاسية جداً، وجعلتني أفقد حياتي العملية والشخصية إلى الأبد داخل الكويت، رغم وجود أقرباء وأصدقاء لي في البلاد. لقد ألغيت حياتي إلى الأبد بلا منحي فرصة عرض قضيتي على قاضٍ أو محكمة". 
ويروي محمد فراتي، وهو سوري مقيم في الكويت، لـ"العربي الجديد"، أن مجموعة من أقربائه المراهقين أبعدوا أخيراً بسبب حصول شجار بينهم وبين أشخاص آخرين خارج مدرستهم الثانوية. وقد نفذت الشرطة إجراءات الترحيل بلا عرضهم على أي قاضٍ وبلا تحويل القضية إلى محكمة، رغم أن كل الأطراف وافقت على التنازل عن الدعاوى في القضية. يضيف: "أبلغنا شرطي أشرف على تنفيذ قرار الإبعاد أن السبب كان انتشار مقاطع فيديو للمشاجرة في وسائل تواصل اجتماعي، وتحوّل القضية إلى قضية رأي عام، لذا كان لا بدّ أن تظهر السلطات الأمنية هيبتها أمام الوافدين مجدداً، حتى لو كانوا من صغار السن". 

كوفيد-19
التحديثات الحية

تنتقد جمعيات حقوقية وناشطون في مجال حقوق الإنسان إجراءات الإبعاد في الكويت، والتي تخضع لقانونين، أولهما قانون الإبعاد القضائي الذي يحصل بأمر من المحكمة بحسب نوع الجريمة التي ارتكبها الوافد، علماً أن القاضي قد يقرر إبعاد المعني إلى بلده عقب تنفيذه عقوبة السجن في الكويت، أما القانون الثاني فيشمل الإبعاد الإداري الذي يخوّل رئيس دوائر الشرطة والأمن العام إصدار أمر مكتوب بإبعاد اي أجنبي، ولو كان حاصلاً على ترخيص إقامة، وذلك إذا رأى أن إبعاد الأجنبي تستدعيه المصلحة العامة أو الأمن العام أو الآداب العامة، تنفيذاً للمادة 16 من قانون إقامة الأجانب الذي صدر عام 1959. 
وبحسب أرقام رسمية، أبعدت السلطات الأمنية في الكويت 180 ألف وافد بين عامي 2011 و2020، استناداً إلى قانون الإبعاد الإداري. يقول المحامي والناشط الحقوقي فواز الخطيب لـ"العربي الجديد": "يجب أن يخضع قرار الإبعاد الإداري المطبق اليوم لمراجعة قضائية، وليس لتقدير شخص محدد، أكان في وزارة الداخلية أو مؤسسة حكومية أخرى. وقد عايشت حالات إبعاد مقلقة خلال ممارستي مهنة المحاماة. يضيف: "الإبعاد القضائي ضروري ومهم، وقد يطبق كعقوبة تتبع قضية أو تكملها بحسب نص المادتين 66 و79 من قانون الجزاء الكويتي، لكن المشكلة الأساس في هذا الإبعاد أنه لا يخضع لقرار محكمة، ويخالف القانون الدولي والحقوق الإنسانية الأساسية التي تعترف بها الكويت". 

بعض قرارات الإبعاد "افتراءات" (ياسر الزيات/ فرانس برس)
بعض قرارات الإبعاد ناتجة عن افتراءات (ياسر الزيات/ فرانس برس)

وأصدرت جمعيات حقوق الإنسان في الكويت، ومن بينها جمعية مقومات حقوق الإنسان، بيانات متلاحقة طالبت مجلس الأمة والحكومة بتعديل قوانين الإبعاد الإداري والتي تعود إلى مرحلة ما قبل استقلال البلاد بل وما قبل كتابة دستورها، إذ يعود قانون إقامة الأجانب إلى عام 1959 حيث قالت الجمعية إنها تخشى "أن يتحول الإبعاد الإداري لنهج لدى السلطات الأمنية بحجة الحفاظ على الأمن". من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية شيخة العلي لـ"العربي الجديد": "تحول الإبعاد الإداري إلى أداة لا تخضع لأي ضوابط في يد وزارة الداخلية التي تستخدمها بحسب رغبتها ضد أي وافد من دون وجود ضابط يمنع استخدامها الإجراء وتقنينه". وتؤكد العلي أن "قصصاً كثيرة عن إجراءات إبعاد تلحظ افتراءات لكويتيين أو وافدين على شركاء لهم في مؤسسات، واستخدماهم نفوذهم لإبعادهم إدارياً والاستئثار بأموالهم وتجارتهم". 

ويصرّح عمر العتيبي، وهو ضابط سابق بارز في وزارة الداخلية أشرف على ملفات إبعاد إداري لـ"العربي الجديد"، أن "الإبعاد الإداري ضروري لحفظ الأمن وتجاوز البيروقراطية الموجودة في المحاكم والنيابة العامة. فهناك حالات لأشخاص يشتبه في تحرشهم بأطفال، ولم يجد وكيل النيابة أي دليل ضدهم أثناء التحقيقات، وهؤلاء لا يمكن أن نتركهم طليقين بحجة عدم وجود أدلة كافية ضدهم، ما يحتم إبعادهم عبر استغلال النصوص القانونية المتوافرة، ثم يجرى إبلاغ سلطات بلادهم بأنهم يواجهون قضايا تحرش لم نستطع إثباتها". وينفي العتيبي بشدة وجود عمليات انتقام في الإبعاد الإداري، لكنه أكد "ضرورة إخضاعها لتقنين لتجاوز البيروقراطية عبر إنشاء لجنة قانونية تشبه محكمة وتتبع لوزارة الداخلية تقرر تنفيذ عملية الإبعاد أو عدمه خلال ساعات فقط". 

المساهمون